" فإذا سقطت سوريا سقطت معها معادلة القوة في أية مفاوضات مقبلة للسلام في المنطقة".
وديع الخازن
"التهويل بالعقوبات على سورية جزء من حرب لتغيير معادلة القوة"
(تنا) ــ بیروت
10 May 2011 ساعة 21:28
" فإذا سقطت سوريا سقطت معها معادلة القوة في أية مفاوضات مقبلة للسلام في المنطقة".
من الغريب أن يلجّ رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه على الرئيس بشار الأسد، في حمأة الخروق الأمنية التي تحدث على جوانب بعض المناطق في سورية، بتلبية المطالب الإصلاحية برغم علمهما اليقين أن الرئيس الأسد ماضٍ في إقرارها من خلال الحكومة الجديدة التي شكّلها.
إذ لم يعد سرًا على المتابع لمجريات الأحداث الإستهداف الأمني الذي تتعرّض له القوى الأمنية ومعها الجيش فيسقط لها كل يوم شهداء، لا لشيء إلاّ لاحتواء البؤر التي تحاول هزّ الإستقرار الداخلي لخدمة أجندات خارجية، لإسقاط خط المقاومة والممانعة في وجه الإحتلال الإسرائيلي.
فما عدا مِمّا بدا ليتحوّل المسؤولون الفرنسيون والأتراك فجأةً من مناصرين لسياسة الرئيس بشار الأسد التي تحاصر مصادر الفتنة لئلاّ تتفشّى في المنطقة وتخدم فوضى لا يستفيد منها إلاّ العدو الإسرائيلي! فهل كان الرئيس أردوغان يتسامح بالمسّ بأمن بلاده الداخلي إذا ما تعرّض للخطر، أم إنه يلجأ إلى إجراءات زاجرة لوضع حدّ لهذا التمادي!؟
لقد كان الرئيس الأسد حازمًا في إطلاق ورشة الإصلاحات التي عهد بها إلى حكومته الجديدة وأعطى فرصة قصيرة لتحقيق المطالب وفق أولويات ممكنة وصولاً إلى التغيير المنشود الذي طمح إليه منذ تسلّمه مقاليد الحكم في العام ٢٠٠٠ ولم تمكّنه ظروف الحرب الأميركية على العراق والأحداث الدرامية في لبنان عام ٢٠٠٥ وما رافقها من "تلبيسات" وافتراءات بحق نظامه من المضي فيها!
لقد أصبح واضحًا، من مجريات ما يحدث في المنطقة، أن سورية، التي تمثّل قلعة الصمود في وجه المخطّطات الإسرائيلية، هي العقبة الكأداء في طريق إضعاف خط المواجهة مع إسرائيل والمشاريع التقسيمية التي تستغلّها القوى الكبرى لضمان الأمن الإسرائيلي.
ومن هنا، تنبّه رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان إلى خطورة ما يبيت لسورية من خلال خوفه من أي تطرّف راديكالي يفضي إلى خلق حالة إنقسام داخلية عندما حذّر من أن هواجسه تتماهى مع الرئيس الأسد في التصدّي للمشاريع التقسيمية لأن تركيا تكون المتضرّر الأكبر منها!
كما أن رئيس الحكومة القطري ووزير خارجية قطر حمد بن جاسم بن خليفة كان سبّاقًا إلى درء أية عقوبات أوروبية وأميركية، خصوصًا بعد بروز الموقفين الفرنسي والألماني ومعهما بعض الدعوات الأميركية، لأن ذلك يشكّل خطًا أحمرا لاستراتيجية الحماية التي يقودها نظام الرئيس الأسد في وجه المخطّطات التقسيمية.
ففي قناعة النظامين التركي والقطري أن سورية صمام أمان لدول المنطقة ما دامت ممسكة بالقوة الرادعة المتمثّلة بالمقاومة، فإذا سقطت، سقطت معها معادلة القوة في أية مفاوضات مقبلة للسلام في المنطقة.
ومثلما خاض الرئيس بشار الأسد حروب التصدّي في أحلك الظروف والضغوط عليه، فمن الصعب أن يدع العابثين بأمن بلاده يستغلّون الحالات الشعبية وشعاراتها في الإنتفاضات العربية للنيل من نظامه الثابت على أسس صلبة، لأنه وفّر لشعبه ضمانات العيش والطبابة والدراسة وحرّر الإقتصاد السوري من القيود بما يخدم إنتعاش الاستثمارات والخدمات وتوفير فرص العمل.
ومن المؤكّد أن النظام السوري، بما يتمتّع به من هوامش يشارك فيها جميع الطوائف والأطياف، إستطاع أن يُبعد، طيلة أربعة عقود، شبح الإنقلابات التي شهدتها سورية قبل تسلّم الرئيس الراحل حافظ الأسد مقاليد الحكم سنة ١٩٧٠.
وإذا كان النظام المصري قد وضع في سلّم أولوياته الجديدة إستعادة الكرامة القومية التي كانت مُستَهانة في عهد الرئيس حسني مبارك، فإن الرئيس الأسد، الذي عزّز عنصر المقاومة التي حقّقت إنتصارات مذهلة على الكيان العبري في حرب تموز ٢٠٠٦ في لبنان و٢٠٠٨ في غزة، قد سبق الأنظمة المتهاونة إلى تشديد القبضة الحديدية في وجه أعتى قوة في المنطقة لئلاّ تستمرّ سياسة الاستفراد مصدر إضعاف للقضية الفلسطينية والحقوق العربية المُغتصَبَة منذ حرب ١٩٦٧.
ولقد فاوض الدكتور بشار الاسد، ولو مداورةً عبر حليفه التركي، إسرائيل بشروطه التي وضع أسسها الرئيس الراحل حافظ الأسد في مؤتمر مدريد للسلام عام ١٩٩٣ ولم يتنازل قيد أنملة عن معادلة "الأرض مقابل السلام".
ومهما حاولت القوى الخارجية المناصرة لإسرائيل أن تلعب على الأوتار الطائفية والمذهبية من خلال التحرّكات المريبة في أماكن ضيّقة من سورية، فإنها لن تنجح في إضعاف هذا النظام الذي يستمد قوّته من شرعية شعبية عارمة تجلّت في تظاهرات كبيرة تأييدًا لسياسة الرئيس بشار، لأنها خبرت هذه الاستراتيجية التي وضعها ولم يحد عنها في قمة الضغوط التي واجهها لدى اعتراضه على الحرب الأميركية في العراق عندما رفض إملاءات وزير الخارجية الأميركية آنذاك كولن باول.
ومثلما استطاع الرئيس بشار الأسد تجاوز تلك المراحل المعقّدة، فبمقدوره اليوم أن يستوعب الضغوط الجديدة المصطنعة تحت شعار طروحات مسوّقة. فالتهويل بالعقوبات على سورية جزء من حرب مفتعلة لتغيير معادلة القوة.
صحيفة "البناء"
رقم: 49257