QR codeQR code

من متطلبات الإصلاح: إيقاظ المواهب وإعداد الرجال...1920

(تنا) – دمشق

15 May 2011 ساعة 0:13

انتهت الخلافة العثمانية في سوريا، وبدأ عهد الملكية الدستورية (الملك فيصل) الذي استبشر فيه السوريون الخير والأمل بتبدل أحوالهم بعد أن ملكوا زمام أمرهم بأيديهم.


تعالت أصوات الإصلاح من كل حدب وصوب في سوريا العشرينيات من القرن الماضي، وشرع السياسيون والكتاب والمثقفون والموظفون، برفع الصوت وفتح الحوارات والنقاشات حول موضوع الإصلاح..فمنهم من وجه الأنظار إلى السلبيات القائمة وكشف مدى ضررها على المجتمع، ومنهم من أشار إلى الحلول والمعالجات، وسار فريق ثالث في طريق دعوة المجتمع بكامله للانخراط في الإصلاح والمساهمة فيه... ولقد ازدحمت المجلات والصحف بالمقالات والقرارات والأخبار المتعلقة بالإصلاح، كما لم يتوان الشعراء والكتاب عن بث أفكارهم وكلماتهم وأحلامهم ، محاولين إثارة حماس الشباب واستنهاض همة المجتمع عموماً للمساهمة ببناء سوريا والارتقاء بها.
فالإصلاح ليس قراراً فوقياً تتخذه السلطات العليا فقط ـ على أهمية ذلك ـ وإنما عملاً تشترك فيه كل فئات المجتمع وتتفاعل من خلاله وتنخرط فيه بكل طاقاتها وإمكاناتها.
يرى الكاتب أنه يتوجب على أصحاب القرار أن يعمدوا إلى فتح المجال أمام المواهب الجديدة من أبناء الطبقتين المتوسطة والفقيرة ورعايتها بالإعداد الملائم لأخذ دورها وإطلاق مبادرتها في تقدم المجتمع. ومعلوم أن هؤلاء كانوا يمثلون غالبية أبناء سوريا في ظل محدودية انتشار التعليم والثقافة عموماً آنذاك.
من مقال بعنوان " إيقاظ المواهب وإعداد الرجال " للكاتب محب الدين الخطيب، ننشر المقتطفات التالية:
العاصمة العدد ۱۲۲ أيار ۱۹۲۰
"... مهما يكن ما سينشره التاريخ وما سيطويه من مثالب الإدارة السالفة التي هيمنت على هذه الديار بضعة قرون ومناقبها، فأنه سوف لا يغفل عن ذكر سيئة كبرى أساءوا بها إلى أنفسهم وإلى كل بلد كانت لهم به صلة وهذه السيئة هي قتل المواهب في صدور أصحابها قبل استيقاظها، أو قتل أصحاب المواهب قتلاً معنوياً إذا كشفت مواهبهم قناعها للناظرين.
لقد مر على الشرق الأدنى زمن قريب رأى فيه نهوض أوربا وأمريكا، ويقظة اليابان التي هي شرقيه أيضاً بل رأى أساليب النظام الذي اقتبسه بلاد البلغار .. فكانت هذه الأمم تسعى بكل اعتناء واهتمام لتمرين فتيانها على الأعمال وتنشيطهم فيها، وتكافئ النابغين وتعرف لهم مقامهم في الهيئة الاجتماعية، ليتبارى أمثالهم في حلبة النبوغ، فيكثر عدد الرجال الذين يكفون أمتهم قضاء حاجاتها في الملمات، ويحسنون القيام بما توسده إليهم من الوظائف والمهمات، ويملأون مقاعدهم كفاءة ورجاحة في دوائر الحكومة وسائر مناطق العمل.
بينما كان هذا حال الأمم الناهضة في القرن الماضي والذي قبله كان أكثر حكامنا السالفين يسيرون في معكوس هذا الطريق فيقربون منهم حملة الأدمغة المظلمة وطلاب المنافع الخسيسة، وذوي الجهالة المطبقة، وعشاق الجاه الكاذب ويحاولون أن يديروا البلاد بمآرب هؤلاء، وأن ينظروا إليها بأعينهم، وأن يسمعوا أخبارها بآذانهم. معلوم أن لهذه البطانة أساليب مزخرفة في تسويء سمعة كل ذي استعداد للنبوغ والعمل على إبعاده عن عجل الإصلاح، أو وضعه في المواضع التي لا تظهر فيها مواهبه، فيظل غريباً في وطنه، مخنوقاً في مواهبه، محجوزاً بينه وبين إفادة المملكة وتبوء المكان اللائق به في مراكزها وفي نفوس عظمائها.
قوام كل عمل من الأعمال في هذه الدنيا أمور ثلاثة: رأس المال، والمواهب، والخبرة.
أرأيت لو أن واضع أنظمة الانتخاب للدوائر البلدية والمجالس الإدارية لاحظ صفات أخرى غير الصفات المنصوص عليها في تلك الأنظمة لما كانت هذه المجالس أقل جموداً مما نراها وأكثر نفعاً للبلاد، وكانت مدارس عملية لإيقاظ مواهب أبنائنا والتدرج بهم إلى المراكز التي يكونون فيها عظماء فيكون الوطن بهم عظيماً.
إن الذي يمعن النظر في حياة القسم الأكبر من مشاهير الرجال يرى أنهم كانوا من فقراء الناس وأوساطهم، وقد قيض الله لجرثومة المواهب المذخورة في نفوسهم أن تجد لها من يعنى بتربيتها وتنميتها ووضعها في المكان المناسب ، فكان للأمم منهم رجال رفعوا مكانتها ودفعوا عنها كثيراً من المصائب والمكاره وكان من كل بلد فتيان كثيرون لهم مثل تلك المواهب وكان في الإمكان أن يصلوا إلى مرتبة العبقرية والنبوغ لو تدرجوا في المراكز الصالحة فلم يتوصلوا إلى ذلك.
وبعد فليس في الدنيا فضيلة مثل فضيلة وضع الشيء في محلة اللائق به ... وها إن الوطن يئن حزناً من قلة الرجال الأكفاء لكل عمل من الأعمال، فلينتهز ذوو البصيرة هذه الفرصة لخدمة الوطن بمساعدة ذوي المواهب على إظهار مواهبهم، ولينظر الذين سيضعون القوانين الجديدة كيف يحتالون بهذا الأمر، وليعلم كل واحد منا الآن أن من أعظم واجباتنا الوطنية إعداد الرجال الأكفاء للقيام بحاجات الوطن."
محب الدين الخطيب : (۱۸۸۶ـ ۱۹۶۹)
ولد في حي القيمرية في دمشق، كان والده أمين دار الكتب الظاهرية وخطيباً في الجامع الأموي، درس في مكتب عنبر، تابع دراسته في بيروت ثم القسطنطينية التي درس فيها الأدب والحقوق، أسس مع آخرين جمعية النهضة العربية، نشر في مجلة المؤيد وجريدة العاصمة وسواهما.
تنبه ونبه إلى خطر الصهيونية مبكراً، ووقف ضد المستعمر الفرنسي
من مؤلفاته: الحديقة (وهي مختارات من الأدب الإسلامي)، اتجاه الموجات البشرية في شبه جزيرة العرب، تاريخ مدينة الزهراء، الأزهر ماضيه وحاضره.
العاصمة
جريدة "العاصمة" وهي الجريدة الرسمية للحكومة العربية في سوريا، صدرت مرتين في الأسبوع ، تأسست في بداية العام ۱۹۱۹ أي بعد تشكيل الحكومة العربية في دمشق بحوالي الشهرين.
تنا – مکتب سوریا


رقم: 49672

رابط العنوان :
https://www.taghribnews.com/ar/article/49672/متطلبات-الإصلاح-إيقاظ-المواهب-وإعداد-الرجال-1920

وكالة أنباء التقريب (TNA)
  https://www.taghribnews.com