QR codeQR code

ليلى عماشا

هستيريا السعودية: لبنان عصي على الكسر

تنا

العهد اللبنانية , 30 Oct 2021 ساعة 14:50

لم تنضم السعودية حديثًا إلى فرق محاصرة لبنان، بل هي عضو مؤسس ومموّل لهذا الحصار، لكنها في قراراتها الأخيرة أشهرت سيف المحاصرة الهجومية، وتخلّت عن كلّ الأعراف التي كانت تحافظ عليها بغية الاستمرار في الظهور كدولة شقيقة للبنانيين وكمرجع سياسي لقسم منهم. استدعت السعودية سفيرها، وقرّرت الكفّ عن تصدير منتجاتها إلى لبنان، ولم يبقَ إلا أن تعلن حربًا على هذا البلد.


ليلى عماشا
 
هو ليس غضبًا سعوديًا حلّ على لبنان في ليلة واحدة، وليست "ساعة تخلّ" أدّت بآل سعود إلى اتخاذ اجراءات عدائية ضدّ اللبنانيين، حتى أولئك الذين يتخذون القصر الملكي في الرياض وسائر فروعه كبوصلة سياسية يتجهون وفق اتجاهاتها وتوجهاتها، وحتى توجيهاتها، وليس بأي حال من الأحوال ردّ فعل على موقف وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي أو عقاب جماعي على تصريح اعتبرته السعودية مسيئًا، على سبيل الافتراء الصريح والواضح.. فكلّ ما جرى ويجري مجهّز ومحضّر بانتظار ساعة صفر ما، تبدو في ظاهر الأمر توقيت عرض مقابلة سبقت تولي قرداحي وزارة الإعلام في لبنان، وهي في الواقع "خطة بديلة" عن كلّ مخطّطات بثّ الفتنة في لبنان، والتي أسقطتها جميعها حكمة قيادة المقاومة بشكل أساسي.
لا يمكن إخراج القرارات السعودية الأخيرة والتي تضمّنت سحب البخاري من خيمته في لبنان وطرد السفير اللبناني فيها، والتوقّف عن تصدير بضائعها إلى لبنان، من سياق المساعي السعودية المتواصلة لإشعال فتنة واقتتال في لبنان. ويبدو أن السعودية اليوم تلعب آخر أوراقها عبر ابتزاز علنيّ، لا علاقة له برأي وزير الإعلام بشأن الحرب على اليمن، ولا برفضه الاعتذار عن إساءة لم يرتكبها أصلًا.. إنّما هو محاولة جديدة للضغط على حلفائها وأدواتها في لبنان بهدف دفعهم إلى التعبير عن سخطهم من القرارات الأخيرة بشكل عنيف ضد الفئات التي لا تناصر السعودية، كدولة معتدية على اليمن وكدولة صدّرت الإرهاب وكنظام ارتمى على مرأى كلّ العيون في مستنقع الصهاينة.

من ناحية أخرى، تصرّ السعودية على فرض نفسها، رغم هشاشتها وعجزها، كلاعب أساسي في مجريات الأحداث في كافة الدول العربية، ولبنان بشكل خاص، إذ تعتمد فيه على التجييش المذهبي للحفاظ على نفوذها داخله عبر استخدام أدواتها المعتادة فيه. وربّما لفرط وهن أدواتها تلك، اضطرت إلى التدخّل بلا أقنعة وبشكل عدائي لفرض رفضها للحكومة التي تشكلت خارج حضنها، رغم كون رئيسها ممّن يعتبرون السعودية قبلته في السياسة. وهي في هذا الإطار، كانت قد منعت لأشهر طويلة تشكّل الحكومة في لبنان، وربما شعرت أن التشكيل قد أظهر علانية ضعف نفوذها في البلد، وأحرجها في الأوساط الدولية إذ فضح كلّ أدوارها السلبية التي لعبتها في سبيل منع تشكّل حكومة تضمّ من بين وزرائها أسماء تناصر المقاومة.

ببساطة، مشكلة السعودية مع الحكومة اللبنانية ليست في كون الحكومة لم تتخذ "إجراءً تأديبيًا" بحقّ أحد الوزراء الذي، بنظر آل سعود، أساء إليهم.، وليس في عدم إقالة جورج قرداحي، بل ببساطة في أصل فكرة وجود حكومة تضم وزراء يمثلّون حزب الله بشكل خاص. وبالتالي ما تريده السعودية اليوم هو خلق أزمة تؤدي إلى استقالة الحكومة أو اسقاطها في الشارع. وهنا السعودية غير معنية بكيفية انتهاء الحكومة بقدر عنايتها بإخراج الحكومة من حيّز الوجود، والعودة إلى مربّع التأرجح بين تكليف وتشكيل مؤجل بانتظار الرضا السعودي عن أسماء الوزراء وحقائبهم. وهذا الرضا مشروط طبعًا بعزل حزب الله عن أي صيغة حكومية.

تعدّدت الأسباب، والاعتداء السعودي الصريح على لبنان وأهله واحد. والمؤسف حدّ الإشفاق أن بعض اللبنانيين من ذوي الهوى السعودي والهوية المرتبطة بالمبلغ الذي تحدّده السعودية كبدل أتعاب، لم يروا في المشهد ما يهينهم. على العكس، اصطفوا طوابير افتراضية وأطلقوا مواقف معادية لبلدهم فقط على سبيل مجاملة السعوديين والتذلّل لهم، وذيّلوا ذلّهم بمطالبة الحكومة بالاستقالة بعد أن كانوا يكتفون في اليومين الأخيرين بالمطالبة بإقالة قرداحي.

تتفاعل الأزمة التي ظاهرها ديبلوماسي اقتصادي، وجوهرها إشهار حال العداء مع كلّ اللبنانيين الذين يتمتعون بكرامة تمنعهم من مناصرة الباطل والمعتدي والمتصهين، وتستخدم في ذلك كلّ الأساليب التي يمكنها استخدامها ولو كان من بينها وضع أدواتها في لبنان قيد العقاب الجماعي الضاغط باتجاه الفتنة، أو التعامل معهم كأطراف خذلت المصالح السعودية ولم تنفذ ما أوكل إليها.

لم تنضم السعودية حديثًا إلى فرق محاصرة لبنان، بل هي عضو مؤسس ومموّل لهذا الحصار، لكنها في قراراتها الأخيرة أشهرت سيف المحاصرة الهجومية، وتخلّت عن كلّ الأعراف التي كانت تحافظ عليها بغية الاستمرار في الظهور كدولة شقيقة للبنانيين وكمرجع سياسي لقسم منهم. استدعت السعودية سفيرها، وقرّرت الكفّ عن تصدير منتجاتها إلى لبنان، ولم يبقَ إلا أن تعلن حربًا على هذا البلد، إلّا أنّ هزيمتها المدويّة في اليمن تجعلها أوهن من اتخاذ قرار كهذا، لا سيّما أنها تعلم بالتآخي بين حزب الله وأنصار الله.

تلقّف جمهور المقاومة الأخبار المسائية الآتية من الدواوين السعودية بعبارة تصدّرت آلاف التغريدات: "درب يسدّ ما يرد" في تعبير عن حالة عدم الأسف التي يشعر بها الناس حيال رحيل البخاري والذي قد يتبعه العديد من السفراء والبعثات الدبلوماسية المرتبطة بدول مجلس التعاون الخليجي. وهذه العبارة تعكس إلى حدّ بعيد فهم الناس المعمق لحقيقة الدور السعودي في لبنان ومقدار الأذى الذي تسببت فيه تدخلاتها سواء تلك التي تُصنّف سياسية، أو تلك الدموية التي تمثلت بتصدير الإرهاب والمفخخات القاتلة، والتي لم تتوقف إلا بجهود وقتال أهل الحق، حزب الله، والتي أثمرت نصرًا مبينًا على الإرهاب التكفيريّ وأهله وصانعيه ومموّليه ومستخدميه.

ليلة يوم الجمعة حمل إلينا العديد من الأخبار التي كانت السعودية فاعلًا في صياغتها. قرأ الناس الجمل بعناية، ولم ينسوا أن يوجهوا تحايا الحبّ الجميل إلى أنصار الله في اليمن، الذين كتبوا بدمهم وبالرصاص أخبارًا كان فيها الفاعل بأسهم، وآل سعود مفعولًا به.

/110


رقم: 524809

رابط العنوان :
https://www.taghribnews.com/ar/article/524809/هستيريا-السعودية-لبنان-عصي-على-الكسر

وكالة أنباء التقريب (TNA)
  https://www.taghribnews.com