حسين كوراني
يبدو أنّ الخريطة الميدانية بدأت تتوضّح معالمها بشكل كبير في محافظات شمال اليمن، فمع إقتراب سقوط مدينة مأرب الإستراتيجية بيد الجيش اليمني واللّجان الشعبية، أخذت الجبهات الأخرى في الحديدة والمخا تتهاوى، وكأنّ جبهة مأرب زلزلت بقية الجبهات وحسمت المعركة برمتها.
في تحول مفاجئ بمجريات الميدان، انسحبت القوات المدعومة إماراتياً من المناطق الجنوبية للحُديدة التي يقودها هيثم طاهر بشكلٍ أحادي وغير مبرّر بالنسبة إلى القوات المتمركزة في مدينة المخا بقيادة طارق صالح والمدعومة هي الأخرى من الإمارات، ما أصاب الأخير في حالة من الصّدمة والإرباك والشكوك بوجود اتّفاق وتنسيق مسبق بين طاهر ومقرّبين من الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي المدعوم من السعودية.
وقالت مصادر إنَّ خلافات حادَّة غير معلنة بين فصائل القوات المدعومة إماراتياً في الساحل الغربي اليمني، أعقبت الانسحابات المفاجئة والواسعة من مناطق الحُديدة، ما مثّل طعنةً في الظهر لقوات صالح، وخلّفت حالةً من الصدمة والإرباك بين الفصائل المسلّحة المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي، وأضافت المصادر أنّ ما يسمّى بشرعية هادي تقترب من نهايتها.
بالمقابل، زعمت القوات المنسحبة أنّها أخلت مناطق القتال في الحديدة وفقًا لاتفاق ستوكهولم الذي تمّ التّوصل إليه أواخر 2018، التي من المفترض أن تتمّ بالتّنسيق والتّفاهم مع بعثة الأمم المتّحدة، لكنّها لم تكن أيضًا في الصورة.
ولكن هناك مصارد أكّدت أنّ القوات الإماراتية سبق أن باشرت عملية إخلاء واسعة لقوّاتها بعد تلقّيها سلسلة من الضربات العسكرية من قبل حركة أنصار الله التي تَبيّن لها أنّها ضربات تستند إلى عمل استخباري دقيق من قبل الحركة.
هذا، وسارع الجيش اليمني واللّجان الشعبية إلى السيطرة على تلك المناطق، كما فتحت الطريق الرئيسي الذي يربطها بالعاصمة صنعاء، ومن هذه المناطق هي مواقع شرقي وشمال شرقي مدينة الحُديدة الساحلية، فضلًا عن مناطق جنوبي المدينة على تخوم مطار الحُديدة الدولي، ومديرية الدُريهمي إضافة إلى الشريط الساحلي التابع لمديرية "بيت الفقيه"، وكذلك مديرية التُحيتا، ومرفأ "الحيمة" جنوبًا إلى مديرية الخوخة، ومناطق بمديرية "حَيْس"، فضلًا عن المناطق الواقعة جنوب هاتين المديريتين التابعتين لمحافظة تعز.
على المقلب الآخر، أخلت السعودية خلال الأسابيع الماضية معظم المعسكرات التي كانت موجودة فيها، وخصوصاً في محافظة المهرة، مع استمرار وجود عدد قليل من الجنود في مركزها في الغيضة، وإبقاء مجموعة من الضباط يجولون على نحو 27 معسكراً توجد فيها قوات من المرتزقة الجنوبيين الانفصاليين، فيما أصبح نادراً العثور على قوات إماراتية في الكثير من المناطق الجنوبية.
وأمّا في جبهة مأرب، خفّف الجيش اليمني واللّجان الشّعبي من حدّة هجومهم على مدينة مأرب وتوجّها صوب الجنوب، وحقّقا تقدّماً تجاوز ما كان عليه الوضع سابقاً، بل نجحا، لأوّل مرّة منذ سنوات، في العودة إلى مناطق جنوبية، ولو عبر تسوية مع القبائل المحليّة هناك. لكن هذه العملية أتاحت لهما محاصرة كلّ المعابر الجنوبية والشرقية ــــ الجنوبية التي تقود نحو مأرب، ما جعل السعوديين وكلّ المرتزقة الجنوبية بحاجة إلى رحلة طويلة تقودهم من حضرموت نحو المدينة المحاصَرة.
وعملياً، لم يَعُد هناك سوى منفذ واحد، وإذا ما قرّر الجيش واللّجان الدخول في المواجهة الشاملة لاستعادة المدينة، فسوف يُقفَل هذا المنفذ. ومشكلة السعودية هنا، أنّ الدّعم الإضافي الذي حصلت عليه من الأميركيين لم ينفع. بالخلاصة مأرب سقطت والقادم أعظم، وهل صدق وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش حين قال إنّ "تحرير الحديدة، هو بداية نهاية الحرب".
الإعلامي اليمني علي الدرواني، أكّد في إتصال بموقع "العهد" الإخباري أن لا شيء يجري من تحت الطاولة في الإنسحاب الإماراتي من الساحل الغربي الذي لا يقلّ طوله عن 50 كلم ، وإنّما هناك إعادة تموضع تحسبًا لسقوط مأرب، التي ستفرض على حركة أنصار الله ميادين جديدة سيكون أوّلها هذا الساحل الذي تعتبر فيه قوات طاهر نفسها محاصرة بين فكي كماشة، إذ يصل عرضه في بعض المناطق إلى 5 كلم، مضيفًا أنّ هذه القوات إرتأت التراجع إلى مناطق الجنوب لتقوية نفوذها من أجل الدّفاع عن مضيق باب المندب الذي هو مطلب أميركي إسرائيلي خوفًا من سقوطه بيد اللّجان الشعبية وبالتالي السيطرة على الملاحة في البحر.
واعتبر الدرواني أنّه في حال سقوط مأرب، سيجد من 50 ألف إلى 100 ألف مقاتل من حزب الإصلاح المدعوم من الإمارات وحلفائهم من تنظيم القاعدة والسّلفيين في حالة فرار إلى مناطق الجنوب، حيث مناطق نفوذهم، وهذا العدد الكبير سيعزّز صمودهم في الدّفاع عن باب المندب الذي قد يكون من أولويات الميدان للجيش اليمني واللّجان، وربّما للقوات المدعومة من السعودية في عدن والجنوب والتي تقاتلت في كثير من المناطق مع الإصلاح.
وختم الدرواني أنّ الإنسحاب الإماراتي هو انسحاب تكتيكي بحت من أجل حفاظ أبو ظبي على مصالحها في الجنوب خوفًا من أنصار الله أوّلاً، والسعودية ثانيًا.
/110