ما تجمعه الأديان، تفرقه السياسات والمصالح.. لبنان 1957
وفي هذا السياق، يعد ميثاق ۱۹۴۳ الذي تلاه ـ رياض الصلح ـ كبيان وزاري، أهم عهد بين اللبنانيين كمواطنين متساويين بصرف النظر عن حجم طوائفهم وأديانهم وتوزعها .. حيث لم يكتف الميثاق بتحديد علاقة المواطن بالدولة، بل حدد دور الدولة اللبنانية العربية في محيطها العربي والإقليمي والدولي أيضاً..
ولقد لعب الميثاق دوراً أساسياً في مرحلة الاستقلال وسمح لذاك البلد الصغير ـ لبنان ـ أن يلعب دوراً حيوياً في محيطه، كان فيه رائداً في الفكر والسياسة والاقتصاد..
وكلما تراجع لبنان عن ميثاقه، كلما تدهورت أحواله وانحطت صراعاته لتصطبغ بألوان الحروب الطائفية الأهلية الباردة منها والساخنة، فتدمر الوطن والمواطن وتعود به إلى الوراء ..
يحتفى الكاتب في هذه المقالة باللقاء بين المسلمين والمسيحيين، وهو على أهميته، لقاء يوجه الأنظار إلى التعيين الجانبي والسطحي للمعضلة... فخلافات المنطقة لم تكن خلافات بين طوائف بقدر ما كانت صراعات على مصالح سياسية واجتماعية متناقضة استخدمت فيها الخلافات الدينية كوسيلة لخدمة مشاريع متعارضة..
ومنذ ذاك الزمن وحتى الآن، يتم التركيز على صراع الحضارات والأديان ثم الدعوة لحوار الأديان كمخرج من الأزمة المفترضة... ورغم كل السنين فإن حوار الأديان لم يستطع بناء أوطان .. لأنه كلما تم الابتعاد عن الدولة الوطنية المدنية، كلما ازداد انكفاء الإنسان إلى طائفته وجامعه وكنيسته كملاذ وحام له يعوضه عن تراجع دور الدولة في حماية وجوده وضمان ممارسة حقوقه وواجباته المتساوية مع الآخرين..
وتبقى عملية حوار الأديان وتفاعلها، وثقافة التسامح الديني وتقبل الآخر، جزء من عملية تكوين الهوية والثقافة الاجتماعية الضرورية لمجتمعاتنا..
من مقال للدكتور ـ محي الدين السفرجلاني ـ يحمل عنوان : سلام على لبنان الشقيق يلبي نداء القومية العربية، اخترنا هذه المقتطفات التي تعكس صورة لبنان وصوته في الخمسينيات ومحاولاته في تحديد هوية وطنية واحدة لكل أبنائه...
*الجمهور العربي أيار ۱۹۵۷
"... في الأمس في بكركي لبت طائفة من علماء المسلمين دعوة الإفطار التي دعا إليها علم من أعلام الوطنية الرائعة غبطة البطريرك الماروني ـ بطرس المعوشي ـ وأقيم في الصرح البطريركي أكبر تظاهرة إسلامية مسيحية بحيث قال غبطة البطريرك : نحن ما خلقنا إلا لتبادل المحبة صافية في أيام صعبة في أيام صعبة يجتازها لبنان والشرق كله...
وفي هذا الصرح العتيد وقف علماء المسلمين بين يدي الله خاشعين يؤدون فريضة الصلاة وكان على يمينهم على الحائط صورة البابا يعلوها الصليب.. وخاطب الشيخ ـ شفيق يموت ـ غبطة البطريرك الماروني يقول: إن الإسلام والمسيحية من شجرة واحدة أصلها ثابت وفروعها في السماء والتعاليم السماوية تتفق في المعنى والجوهر تقريباً فإذا تشابكت أيدي رجال الدين تم التعاون بين جميع الطوائف على البر والتقوى وما فيه خير الناس أجمعين..
ومما قاله الرجل العربي الحر غبطة البطريرك: أن لبنان يجب أن يكون كالنحلة التي تمتص رحيق الزهور من هنا وهناك... وإن هذه البقعة العزيزة من الشرق تتجاذبها تيارات مختلفة نتمنى على الله أن لا تكون وسيلة للتفرقة فمع احترامنا لحرية الفكر لا بد لنا من تحري الحقيقة واعتناقها ولا حياة لنا إلا بالاتحاد ولا يجوز لنا أن نجعل تعدد التيارات ميداناً للتزاحم على القيم الروحية الخالدة..
ولكل ما تقدم كان الصرح البطريركي مرتعاً لأكبر تظاهرة روحية إسلامية مسيحية، وفي هذا الأسبوع قامت تظاهرة أخرى وطنية رائعة قدمها لبنان العربي وذلك بانطلاقة النشاط الانتخابي بأعظم مظاهر القوة بعد إلغاء قانون الطوارئ والرقابة على الصحف ودعوة الناخبين إلى الاقتراع.
ففي بيروت برز وجه لبنان العربي في المهرجان التاريخي الضخم الرائع التي أقامته جبهة الاتحاد الوطني فكانت عشرات الألوف من أيدي الشباب والرجال تقسم على التعاون الوثيق مع البلدان العربية المتحررة وحياد لبنان والمحافظة على النظام الديمقراطي الجمهوري ورفض الأحلاف الأجنبية.. رغم محاولة السلطة استفزاز الكثيرين بمنعهم من حضور المهرجان والإرهاب الخطير الذي يقوم به المسؤولون فكان بالحقيقة استفتاء شعبي رائع على ميثاق ۱۹۴۳ بأن لا يكون لبنان العربي للاستعمار مقراً ولا ممراً فمهما حاول الاستعمار وأذنابه في لبنان الشقيق أن يحيكوا من مؤامرات وأن يعملوا من تزوير على إرادة الشعب ودس الدسائس وتلفيق الاتهامات والتهديد والوعيد بالأسطول السادس الأميركي والذي انسحب فوراً عندما لقى بعض الغائصات السوفيتية تطفو على وجه الماء...
وفي مهرجان الاتحاد الوطني وقف مئة ألف لبناني والقادة الوطنيون الأحرار حيث أقسموا في مهرجان المعارضة على التمسك بالحياد والسياسة العربية التحررية ونادوا بالأخوة والوحدة مع مصر وسوريا والأقطار العربية المتحررة وإسقاط النعرات الطائفية وهتفوا بحياة التآخي الإسلامي المسيحي فكانت مظاهرة ضخمة ملأت الشوارع والساحات ودعمت سياسة مصر والسعودية والأردن التحررية ومقاومة مبدأ ايزنهاور والمشاريع الاستعمارية
في كل قطر من الأقطار العربية تقوم معركة الحرية والوحدة ونضال ضد الاستعمار ولكن كل هذه المعارك تدور حول محور واحد هو كفاح متواصل بين التحرر والعبودية ونضال مستمر بين الرجعية والتقدمية ، ولسوف يظل هذا الكفاح مستمراً ولا بد لبلوغ النصر من الصبر والإيمان.."
رياض الصلح (۱۸۹۴ـ ۱۹۵۱)
ولد في صيدا، حصل على إجازة في الحقوق، أقام في دمشق، ودخل في جمعية العربية الفتاة السرية، اشترك بالمؤتمر السوري بجنيف ودعا لاستقلال سوريا الكبرى
۱۹۴۳ تولى رئاسة الوزراء، واقترح تعديل الدستور بمشاركة الرئيس بشارة الخوري، ما سمي (الميثاق الوطني) ما أدى إلى سجنهما من قبل الفرنسيين الأمر الذي انتهى بثورة اللبنانيين واعلان استقلال لبنان في ۲۲/ ۱۱/ ۱۹۴۳
له خمس بنات، اغتيل في الأردن، سميت إحدى ساحات بيروت باسمه تمثال رياض الصلح في بيروت.
*الجمهور العربي
جريدة عربية قومية سياسية
صدرت في حلب عام ۱۹۵۴
صاحبها : محمد طاهر سماقية
مديرها المسؤول : أسعد الرفاعي
أمين السر : حسين حديفي
موقع "سیریانیوز" السوری
تنا – مکتب سوریا