المدلل : وها هو الشعب الفلسطينى بأعداده القليلة وبإمكانيات المواجهة المتواضعة ينوب عن أمة تعدادها ٢ مليار مسلم تمتلك الثروات الهائلة والترسانات العسكرية التى صدأت فى مخازنها وتمتلك من المقدرات ما لم تمتلكه أمة على وجه الأرض ولكنها للأسف معطلة فى مواجهة أعداءها الذين يحاربون عقيدتها وتاريخها ويحتلون مقدساتها ولا تتحرك جيوشها إلا فى مواجهة كل نهضة يتقدمها أحرار الأمة من اجل إستعادة الكرامة والعزة لها من جديد .
لقد خرجنا من رمضان بعد أن صُمنا نهاره وقمنا لياليه ، وما ندرى إن تم القبول من الله سبحانه فنكون ممن غشيتهم رحمة الله سبحانه وفازوا بمغفرته وقد أُعتقت رقابنا من النار ، او رُدّت علينا عباداتنا والعياذ بالله فنكون ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " رُبّ صائمٍ حظّه من صيامه الجوع والعطش وربّ قائمٍ حظّه من قيامه السهر" .
رمضان مدرسةٌ موسميةٌ يتلقى المسلمون فيها دورة تدريبة عملية فيها الصبر على الجوع والعطش والتعالى على الشهوات والمشقة والعنت والسهر والبذل لكى يرتقى الإيمان ويتصاعد حتى يصل الى درجة التقوى وهى الهدف المنشود والغرض المحدد من الصيام " يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " صدق الله العظيم والتقوى لها الدرجات العلا والمكانة المرموقة فى ديننا الحنيف وقد عرّفها الكثيرون ولكن تميز الإمام علىٌّ كرم الله وجهه فى تعريفه للتقوى بقوله " التقوى هى الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل " كما أن الله سبحانه اختص عباده المتقين بالعطايا والخيرات التى لم يعطها لأحد غيرهم فهم أولياؤه وأحباؤه والمقربون اليه والمنصورون والمفرجة كروبهم والميسرة أمورهم حيث قال سبحانه فى الآيات " إنْ أولياؤه إلا المتقون" "والله ولىُّ المتقين " " إنّ الله يحب المتقين " والآخرةُ عند ربك للمتقين " "وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ أُعدت للمتقين" "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " " ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا "
وإذا كنا ممن حقق هذه الغاية المرجوة ويجب علينا أن نستقيم على هذه الطريق القويم ، نستقيم على الدين وعباداته ونواصل مسيرة رمضان فى حياتنا فى عباداتنا وأخلاقنا وسلوكياتنا ومعاملاتنا فإن ربَّ رمضان هو ربُّ كل الشهور والاسابيع والايام واللحظات التى نعيشها . لقد رسّخ فينا رمضان الإيمان والعقيدة والمطلوب ان ينعكس هذا الايمان وهذه العقيدة على حياتنا كما أكّد ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابى سفيان بن عبدالله الثقفى حين قال له : قل لى فى الاسلام قولاً لا أسأله أحداً غيرك . فقال له صلى الله عليه وسلم " قل آمنت بالله ثم استقم " حتى تنال سعادة الدنيا والآخرة وحتى تكون فى حفظ الله وولايته ومعيته فى الدنيا وحتى تشعر بالراحة والطمأنينة والبشرى وتفوز بالجنة فى الآخرة " إنَّ الذين قالوا ربُّنا اللهُ ثم استقاموا تتنزّلُ عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون " . ومن بركة رمضان هذا العام أنْ شرّف الله الشعب الفلسطينى حين جمع له بركتين ، بركة الزمان وبركة المكان ، بركة الزمان وهو شهر الله الأعظم الذى ميّزه الله عن باقى شهور العام ، هو الشهر الذى أُنزل فيه القرآن وفُرض فيه الصيام واتبع المسلمون فيه سنة نبيهم بالتراويح والقيام والبذل وفى هذا الشهر من هذا العام أحيا الشعب الفلسطينى ما غاب عن الامة الاسلامية من فريضة الرباط والجهاد والإعداد والتجهيز لمواجهة الاحتلال الصهيونى الغاصب لأرض فلسطين عندما اشتعلت فلسطين كلها ساحة مقاومة وتميزت جنين وكتائبها ومجموعاتها العسكرية وأبطالها وشهداؤها كعاصمة لمقاومة الاحتلال وتحركت جماهير نابلس ومقاومتها وأبطالها الذين حرصوا على ألا ينتهى رمضان إلا وقد أوجعوا كيان الاحتلال بعملية سلفيت" آريئيل" البطولية وامتدت المقاومة إلى كل محافظات الضفة الغربية وشوارع وأزقةالقدس التى كانت ساحة الاشتباك الحقيقى على مسافة صفر مع جيش الاحتلال ومستوطنيه ، وانفجر المكنون المقاوم وتوهج داخل المسجد الأقصى فى ساحاته وعلى مصاطبه وداخل مصلياته التى لم يتورع الاحتلال فى اقتحامها بالبساطير النجسة وأدوات البطش والقتل والعربدة ، وعلى مسمع ومشهد العالم كله مارس جرائم التنكيل والسحل والضرب والاعتقال وإلقاء قنابل غاز الفلفل والمسيّل للدموع والتنغيص على العابدين والمعتكفين فيها، فيما كان المرابطون والمرابطات له بالمرصاد بكافة الاعمار شبابا وشابات وكهولا وأطفالا بكل ما تناولته أيديهم من أدوات بسيطة كالحجارة والكراسى وأرفف الخشب للدفاع عن أنفسهم وتمترسوا فى مسجدهم وصمدوا وصبروا على الأذى والعذابات والآلام التى لحقت بهم وأحرزوا انتصاراً حقيقيا بصمودهم وثباتهم ورباطهم على جيش الاحتلال المدجج عمّدوه بالدم والجراحات والعذابات والإعتقالات واستطاعوا منع المتطرفين الصهاينة من أداء طقوسهم التلمودية وذبح القرابين المزعومة ورشّها على مآذن الأقصى وساحاته فى الوقت التى كانت مقاومة غزة ضاغطة على زناد صوايخها للدفاع عن الأقصى وأهله وتجلت معركة بدر الأقصى بكل معانيها والعصبة المؤمنة تواجه وتنتصر على الفئة الكافرة المدججة بالسلاح وتجلى هذا الانتصار بكل معانيه وأشكاله.
عندما انطلقت زحوف المصلين من أراضينا المحتلة عام ٤٨ بمئات الآلاف الى المسجد الأقصى لقيام ليلة القدر فيه ودعم وإسناد المرابطين والمرابطات هناك مما شرح صدور أقوام صائمين قائمين فى كل أرجاء المعمورة حالت أنظمة الظلم والقهر بينهم وبين المسجد الاقصى لينطلقوا بزحوفهم المليونية لنصرة إخوانهم الفلسطينيين الذين يدافعون عن المسجد الاقصى بصدورهم العارية .
وكما تشرف الشعب الفلسطينى ببركة الزمان فقد تشرف أيضا ببركة المكان ( ارض بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ) التى أعطاها الله سبحانه المكانة والخصوصية التى لم يُعطها لغيرها وميّزها عن كل بقاع الأرض وذكرها فى القرآن فى آيات كثيرة كما اختصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيّز واسع فى أحاديثه الشريفة والتى توّجها بالحديث الشريف الصحيح " لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم أو ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك . قالوا : أين هم يا رسول الله قال : فى بيت المقدس وأكناف بيت المقدس . كما أن الله سبحانه قد اختصها لتكون محط رحلة الاسراء ومعراج الرسول صلى الله عليه وسلم الى السموات العلا ليرى من آيات ربه الكُبرى حتى يصل إلى سدرة المنتهى فيها جنّة المأوى ، هذه الرحلة المعجزة التى قال الدكتور فتحى الشقاقى رحمه الله فى حقها " إنها أعطت المجاهدين البواسل بعد ذلك بسنوات وبعد ذلك بقرون وإلى يومنا هذا شرعيةً لا تسمو فوقها شرعية وزخماً روحياً هائلا للدفاع عنها وتحريرها من المحتلين الغاصبين " ولا زالت هذه الشرعية هى التى تُشعل فى شعبنا روحية الجهاد والمقاومة ويفتدى بيت المقدس وأكنافه بروحه وفلذات اكباده وكل ما يملك وهو يمثل رأس حربة الأمة فى مواجهة المحتلين الصهاينة المغتصبين لأرض الله المقدسة ،
وها هو الشعب الفلسطينى بأعداده القليلة وبإمكانيات المواجهة المتواضعة ينوب عن أمة تعدادها ٢ مليار مسلم تمتلك الثروات الهائلة والترسانات العسكرية التى صدأت فى مخازنها وتمتلك من المقدرات ما لم تمتلكه أمة على وجه الأرض ولكنها للأسف معطلة فى مواجهة أعداءها الذين يحاربون عقيدتها وتاريخها ويحتلون مقدساتها ولا تتحرك جيوشها إلا فى مواجهة كل نهضة يتقدمها أحرار الأمة من اجل إستعادة الكرامة والعزة لها من جديد .
خرجت الأمة الإسلامية من رمضان صائمةً قائمةً قارئةً للقرآن ومؤدية للزكوات واندفع علماؤها لشرح أحكام الصيام والقيام والزكاة والحيض والنفاس فيما غيّبوا ذروة سنام الدين ومصدر عزة المسلمين وتغافلوا عن عمد عن إحياء فريضة الجهاد والقتال فى قلوب الأمة لنصرة المسجد الأقصى والمستضعفين المعذَّبين المخاصَرين الذين يدافعون عن مقدّس الأمة بصدورهم العارية مع أنه آية من آيات كتاب الله الذى يقرأونه آناء الليل وأطراف النهار وهو جزء من عقيدتهم التى لن تكتمل ابداً طالما أنهم لم يهبّوا للدفاع عن مقدساتهم التى تتهود وحُرماتهم التى تُنتهك وهم يشاهدون ويسمعون صرخات الحرائر التى تُسحل فى ساحات الاقصى والجراحات النازفة على أرضه فلم تُحركهم آيات القرآن الكريم ورب العزة سبحانه يستنكر عليهم تقاعصهم وتخاذلهم عن نصرة المسجد الأقصى وأهله المستضعفين بقوله سبحانه " وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيرا " ، كيف يمكن ان تتحصل أمتنا على التقوى التى هى الثمرة المرجوّة من الصيام والقيام فى رمضان وهم لم يؤدوها استحقاقاتها كاملة ، يجب على شعوب أمتنا وقادتها وعلماءها ودعاتها أن يُراجعوا أنفسهم ويُحاسبوها ويُساءلوها بعد أن انقضى شهر رمضان هل تحصّلوا على التقوى واكتملت عقيدتهم والأقصى يئن تحت وطأة التهويد .
/110