لا ابالغ إذا قلت أن ما يجري في ايران عملية جراحية عظمى للاقتصاد الايراني، غير أن هذه العملية لم تأخذ حيزها الطبيعي في الاعلام الاقليمي والعالمي لانشغال المنطقة والعالم بأحداث وقضايا ساخنة، في مقدمتها الحرب الأوكرانية والوضع السياسي في العراق ولبنان الى جانب الانتهاكات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين وجريمة اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة.
لا ابالغ إذا قلت أن ما يجري في ايران عملية جراحية عظمى للاقتصاد الايراني، غير أن هذه العملية لم تأخذ حيزها الطبيعي في الاعلام الاقليمي والعالمي لانشغال المنطقة والعالم بأحداث وقضايا ساخنة، في مقدمتها الحرب الأوكرانية والوضع السياسي في العراق ولبنان الى جانب الانتهاكات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين وجريمة اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة.
واذا أضفنا الى كل ذلك إبقاء الملف الايراني الأساسي وهو الملف النووي في الثلاجة وتجميده نتيجة توقف المفاوضات فان سائر الملفات تتحول الى ثانوية مهما بلغت أهميتها.
بعض وسائل الاعلام التي لا يهمها سوى الجانب السلبي في ايران وتتلقف كل شاردة وواردة سلبية تقع في ايران وأحيانا تقوم بتضخيمها ووضع بعض التوابل والبهارات عليها نشرت بعض ارتدادات الحدث الاقتصادي الكبير الذي تشهده ايران، وبالتحديد نشرت الاخبار المتعلقة ببعض التظاهرات التي وقعت هنا وهناك احتجاجا على الخطوة الاقتصادية التي اقدمت عليها حكومة السيد ابراهيم رئيسي.
ومن الطبيعي أن تشهد بعض المدن الايرانية تظاهرات واحتجاجات على الوضع الاقتصادي فالذي حدث لا يمكن الاستهانة به، والقرار الذي اتخذته حكومة رئيسي مهم للغاية خاصة وقد ترك تأثيرا مباشرا على الوضع الاقتصادي وخاصة بعض السلع الاساسية فقد ارتفع بعضها كزيت الغذاء الى 300 بالمئة، غير أن ما جرى كان لابد أن يقع سواء في الاشهر الستة الأولى من حكومة رئيسي أو الأشهر الأخيرة.
باختصار شديد فان ما قام به رئيسي هو انه قرر توحيد سعر صرف العملة الأجنبية، وذلك من خلال التوقف عن تزويد المصانع والشركات الايرانية والتجار والمستوردين الايرانيين بالعملة الأجنبية منخفضة السعر، فقد كان هؤلاء يحصلون على الدولار بسعر 4 آلاف ومئتين تومان، لاستيراد البضائع والسلع الاساسية والخامات وعرضها بسعر منخفض، بينما كان سعر الدولار في الأسواق بين 25 ألف الى 30 ألف تومان أي نحو سبعة أضعاف السعر الذي يحصلون عليه.
ومما لاشك فيه أن الحكومة لم تتخذ هذه الخطوة بين ليلة وضحاها، وانما استمر النقاش والجدل وخاصة بين الحكومة والبرلمان لأكثر من 3 أشهر ، لما يتركه القرار من آثار على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ولكن في نهاية المطاف حسم الأمر.
وطبعا اتخذت الحكومة قرارات أخرى للتقليل من تبعات قرارها، ومن بين هذه القرارات انها رفعت المساعدة المالية التي تقدمها شهريا للشرائح الاجتماعية الفقيرة من نحو 45 ألف تومان الى 400 ألف تومان، كما انها أبقت على الدعم الذي تقدمه للوقود وكذلك الرغيف التقليدي.
الحكومة الايرانية السابقة التي كان يمسك بزمامها حسن روحاني لجأت الى خطوة تزويد الشركات والمستوردين الايرانيين بالعملة الصعبة منخفضة السعر، بعد قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات صارمة على ايران، وكان الهدف من ذلك هو توفير السلع الاساسية والضرورية للسوق الايراني باسعار معقولة، غير أن الخطوة شابها الكثير من الأخطاء ووجهت اليها الكثير من الانتقادات.
فلسفة الحكومة الحالية في الغاء تزويد المستوردين بالعملة الأجنبية منخفضة السعر، هي انها تريد تغيير جهة الدعم الذي تقدمه من المستوردين والتجار الى عموم الشعب والانتقال الى التنافس الحر بين الشركات والمنتجين الايرانيين، في الوقت الذي اعتبرت فيه أن الخطوة تسببت بالكثير من المشاكل والفساد المالي، بينما الهدف الأساسي الذي تسعى الى تحقيقه هو استقرار الاقتصاد الايراني، ومما لاشك فيه أن هذا الهدف في غاية الأهمية، ولو تمكن رئيسي من ابقاء الاقتصاد على وتيرة واحدة وايقاف تقلبات الأسعار التي يشهدها السوق الايراني؛ لحقق انجازا عظيما.
غير أن استقرار الاقتصاد يستوجب وجود العديد من العوامل الداخلية والخارجية، رئيسي وفريقه الحاكم يقولون ان ايران لديها القدرة على الوصول الى الاقتصاد المستقر من خلال امتلاكها لكافة الامكانيات التي تحقق ذلك، إلا أن الأمر يتوقف على وجود قرارات صائبة وشجاعة في تنفيذها الى جانب الخطط الصحيحة.
لا اريد الخوض في العوامل الداخلية ومدى قدرة الحكومة على استنهاض الامكانيات والثروات الايرانية واستثمارها وتوظيفها لخدمة البلاد والعباد، ولكن فيما يتعلق بالعوامل الخارجية فينبغي القول، أن هذه العوامل لعبت ولا تزال دورا مهما وكبيرا في زعزعة استقرار الاقتصاد الايراني، وبالتالي فان تصفير الأزمات مع الخارج وتسوية الملفات العالقة، وفي مقدمتها الملف النووي يسهم في استقرار الاقتصاد الايراني.
وبما أنه لا يمكن حسم نتائج العمليات الجراحية العظمى، لذلك فانه لا يمكن التنبؤ بنتائج العملية الجراحية التي اقدمت عليها الحكومة الايرانية الحالية خاصة وان الحكومة لم تتمكن حتى الان من تجاوز بعض العوامل الداخلية والخارجية التي تمنع نجاح العملية.
باحث في الشأن الايراني *
Ssaleh1347@gmail.com
/110