محور المقاومة بات أمراً واقعاً في الأدبيّات السياسيّة ولاعباً في تغيير النظام العالميّ
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلاميّ مقالة لأستاذ علم الاجتماع ومدير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية طلال عتريسي يتحدّث فيها عن محور المقاومة الذي كانت ولادته في إيران بعد انتصار الثورة الإسلاميّة ووُجّه ضدّ النفوذ الأمريكي في إيران والمنطقة وحمل الهويّة الإسلاميّة. كما يتحدّث الكاتب عن أنّ هذه المقاومة أرّقت المفكرين والباحثين الذين باتوا يبحثون عن سبب إخفاقات أمريكا أمامها بعدما حقّقت الانتصارات وصارت أمراً واقعاً في الأدبيات السياسيّة وتعمل على إضعاف نفوذ أمريكا والصهاينة ولاعباً أساسيّاً في تغيير النظام العالميّ.
كان للمقاومة بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وضع مختلف وحتى تعريف مختلف. أولاً لأن هذه المقاومة موجهة ضد نظام تابع للولايات المتحدة الأمريكية وهو نظام الشاه، وثانياً لأنها كانت ضد النفوذ الأمريكي في إيران وفي المنطقة.
وهي لم تتوقف بعد سقوط الشاه بل استمرت ضد النفوذ الأمريكي، وكان هذا جديداً عليها. ثالثاً لأول مرة في التاريخ المعاصر تكون المقاومة التي أنتجتها حركة الشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني ذات هوية إسلامية. سابقاً كانت للمقاومة هويات مختلفة منها قومية وماركسية وشيوعية، أي لها مواصفات أخرى لكنها لم تكن ذات هوية إسلامية خصوصاً أنها حققت انتصاراً وصارت أمراً واقعاً في الأدبيات السياسية والحسابات الإستراتيجية. صارت هذه المقاومة موجودة ولديها دور وأنجزت ثورة وأسست جمهورية وهي تواجه الهيمنة الأمريكية فلم يعد من الممكن تجاوزها بصفتها هوية وفكرة. وباتت الأدبيات السياسية تتعامل معها عبر المعادلة الجديدة التي أدت إليها الثورة الإسلامية في إيران.
إن المقاومة صارت جزءاً من المعادلات التي تشغل بال القيادات السياسية العالمية واهتمام المفكرين والمعبرين والباحثين.
فمنذ انتصار الثورة كُتب الكثير لمحاولة فهم هذه الثورة والمقاومة التي أنتجتها الحركة الخاصة بإيران وبالشعب الإيراني:
كيف تحقق هذا الفعل وما دور القيادة وما دور العقيدة وكيف سقط النظام الشاهنشاهي وكيف أخفقت الولايات المتحدة الأمريكية في حماية الشاه ولماذا لم تتوقع الولايات المتحدة حدوث هذه المقاومة داخل إيران... بعد ذلك بدأت الأسئلة تُطرح عن المقاومة خارج إيران:
كيف دعمت الجمهورية الإسلامية المقاومة في المنطقة في لبنان وفلسطين وغيرها، وما علاقة هذا بموقف إيران من دعم المستضعفين في العالم، وما علاقة المقاومة في إيران بالمقاومة في فلسطين، وأي تأثير لإيران في هذه المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني. كل هذه الأسئلة طُرحت في الأوساط الغربية والأمريكية والصهيونية وحتى الأوساط الإسلامية المؤيدة للمقاومة والمؤيدة لتجربة الجمهورية الإسلامية.
في السنوات الماضية، حققت المقاومة إنجازات كبيرة وتعرضت لتهديدات كبيرة ولضغوط على مستوى إيران التي هي البلد الأساسي في دعم المقاومة وفي محور المقاومة.
لكن محور المقاومة هو مصطلح حديث، وبدأ منذ بضع سنوات يُستخدم هذا المصطلح للتعبير عن دور إيران المركزي في هذا المحور، ووظيفته مواجهة الهيمنة الأمريكية ومواجهة حلفاء أمريكا في المنطقة والكيان الصهيوني في فلسطين.
تجربة الولايات المتحدة في ممارسة أقسى الضغوط على إيران لم تؤدِّ إلى النتائج المطلوبة أمريكياً، فالولايات المتحدة كانت تريد من إستراتيجية الضغوط القصوى أن تتراجع إيران عن دعم المقاومة في المنطقة وعن مواجهة الهيمنة الأمريكية وعن المقاومة التنموية والاقتصادية. كل هذه الضغوط لم تفلح باعتراف الأمريكيين أنفسهم الذين يبحثون عن تبرير للعودة إلى الاتفاق النووي بالقول إن أقسى الضغوط الاقتصادية والعقوبات لم تفلح مع إيران.
ليس ذلك فحسب بل استمرت إيران رغم هذه العقوبات والضغوط في دعم حركات المقاومة في المنطقة من اليمن إلى لبنان والعراق وفلسطين. اليوم في فلسطين قادة المقاومة يتحدثون بوضوح وبصراحة عن دور إيران في دعم المقاومة على كل المستويات وهذا أيضاً وضع جديد. كل من يفكر في مستقبل المنطقة وغربي آسيا والشرق الأوسط لا بد أن يأخذ بالاعتبار دور إيران ومحور المقاومة.
في المقابل، وفي ما يتعلق بالكيان الصهيوني، يبدو دور المقاومة واضحاً وبارزاً داخل فلسطين ولبنان. هذا الكيان فقد القدرة التاريخية على شن الحروب عندما يريد وفي أي وقت، وفقد قدرة الحرب الخاطفة والحرب التي تمنع الطرف الآخر من التفكير في المواجهة. اليوم هذا الكيان يعيش مأزقاً حقيقياً فهو من جهة يرى أن المقاومة في فلسطين ولبنان تشكل تهديداً إستراتيجياً يجب أن يتخلص منه لكن هو يعرف تماماً أن هذه المسألة غير مضمونة، فلو شن الحرب على لبنان هو ليس متأكداً أنه يستطيع أن يحقق انتصاراً كبيراً وواضحاً، بل يخاف من رد فعل قوي من المقاومة في لبنان، التي تمتلك السلاح الدقيق والصواريخ والقدرات القتالية العالية التي تجمع فيها بين تدريب الجيوش وبين حرب العصابات والحرب الشعبية.
لذلك هو يفكر في تأجيل هذه المواجهة. لكن كلما أجّل هذه المواجهة، تصير قدرات المقاومة أقوى، ولذلك يعيش أزمة حقيقية. وربما هذا ما يفسر الأزمات السياسية في هذا الكيان: حكومات تسقط وهناك انتخابات متلاحقة وفقدان استقرار سياسي وكذلك الخوف عند المستوطنين من العمليات داخل فلسطين على يد الشعب الفلسطيني. المقاومة اليوم أدت إلى التغيير في المعادلات وموازين القوى وأبرز دليل على هذا التغيير هو وضع الكيان الصهيوني.
كذلك، تعيش الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هاجس تغيير النظام العالمي، ويجب هنا أن نؤكد أن ما فعلته المقاومة خلال العقود الماضية في أكثر من ثلاثين سنة من المواجهة والبطولات والتضحيات وتفكيك المشاريع الأمريكية وإفشالها في لبنان وسوريا والعراق وحتى فلسطين مثل دعم المجموعات الإرهابية ومحاولة إسقاط حلفاء إيران، ساهم بصورة كبيرة في إضعاف نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية.
فملامح النظام الدولي الجديد بدأت تظهر، وهذا النظام لم يعد نظاما أحادياً؛ روسيا والصين شركاء في هذا النظام، وإيران شريك أساسي ولها دور محوري وأساسي على مستوى المعادلة الإقليمية. إذن، الوضع الدولي الجديد بدأ يتشكل في الحرب الروسية-الأوكرانية، وفي الأزمات التي تعيشها الولايات المتحدة ويعيشها الغرب.
/110