رغم التأثير الفادح للنكبة على علاقة الفلسطينيين ببحرهم بعد إبعادهم قسراً عنه، وعن برّهم عام 1948، فإنهم ما زالوا قابضين على جمر الحكاية، وخاصة في جزء كبير من الساحل في مدينة عكا وبلدة جسر الزرقاء وقطاع غزة، والساحل الفلسطيني اليوم ليس خطاً أزرقَ نراه على الخارطة أو خطاً متصلاً باليابسة، بل هو جزء أصيل من الوطن لم يغب عن المحادثات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.
استطاع لبنان في هذه المفاوضات غير المباشرة فرض موقفه وشروطه استناداً إلى قوة المقاومة وتهديداتها الجدية التي دفعت بالإدارة الأمريكية للتحرك لاعتبارات عدة، ومنها أزمة الطاقة العالمية بعد العملية العسكرية لروسيا في أوكرانيا وبالأساس تهدئة مخاوف الإسرائيليين من الحرب.
تابع الفلسطينيون هذا الاتفاق كأولوية في ظل الكثير من الاولويات والتحديات الكبيرة والخطيرة التي يواجهونها مع السؤال التالي: هل سيتم لاحقاً ترسيم حدودنا البحرية الفلسطينية وفقاً لحدود العام 1967 أم وفقاً للحدود التي كانت قائمة قبل عام 1948، وكيف سنتعاطى نحن الفلسطينيين مع ثرواتنا البحرية، خاصة في غزة والمياه الإقليمية، مع ملاحظة أهمية النموذج اللبناني الذي أنجز اتفاقاً وأودعه لدى الأمم المتحدة، دون أن يغير ذلك من حقيقة أن مساحة الساحل الفلسطيني ثابتة في الجغرافيا و التاريخ.
وفي سياق الحديث عن تعيين الحدود البحرية للبنان حاولت مصانع الإعلام الاسرائيلية و غيرها تشويه ما حصل عبر نشر الاكاذيب ولكن المياه اللبنانية والفلسطينية سوف تُكذب هؤلاء الغطاسين مع ملاحظة النقاط التالية لأهمية ما حصل:
1- كسر مقولة حدودك يا "إسرائيل" من النيل إلى الفرات وهذه مقدمة اضافية لتراجعات استراتيجية قادمة.
2- إثبات جدوى وفعالية وأهمية وجود سلاح المقاومة الذي حقق الإنجاز في لبنان ويربك الاحتلال في الضفة وغزة ومناطق الـ 48.
3- انكفاء وتراجع الإسرائيليين نحو ما بات يعرف باسم دولة الوسط في "تل أبيب" وجزء من حيفا وعسقلان خوفاً من الاسود الفلسطينية.
4- ارتفاع عمليات بيع المنازل من قبل يهود إلى الفلسطينيين في منطقة الجليل وارتفاع اعداد الهجرة المعاكسة.
5- قيام حكومة العدو وأجهزتها الأمنية بشن حملة إعلامية لإقناع الإسرائيليين بأن ما جرى ليس هزيمة كاملة بل تنازل ضروري لتجنب حرب كلفتها عالية ومدمرة.
6- تثبيت المقاومة لمبدأ عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال وكيانه وعدم اللقاء أو التوقيع معه واعتبار ما جرى بين لبنان تفاهمًا على نقاط محددة عبر الوسطاء و الأمم المتحدة وليس اتفاقية او معاهدة.
7- التأكيد على أهمية الوحدة والتضامن الشعبي في صناعة النصر رغم تشويش المطبعين والمهزومين.
إن هذه النقاط المستندة الى البطولات الملحمية للشعب الفلسطيني وقوة المقاومة أكدت على أهمية ما أنجزه لبنان ومقاومته كما أنها تؤكد المؤكد بأن فلسطين ستبقى ثابتة لا تتزحزح من مكانها حتى ولو صدق الإسرائيليون كذبتهم.
(*) كاتب وإعلامي فلسطيني
/110