الصحافة رؤية وموقف حر مستقل ومسئول وان لم تكن كذلك فهي ترويج لأضاليل الأقوياء المضللين وترسيخ لأقدام الأحزاب والدكتاتورين أو عزف ممل متكرر لأجل المستمعين الساذجين.
محنة الصحافة والقراء
تنا – دمشق
25 Jul 2011 ساعة 1:37
الصحافة رؤية وموقف حر مستقل ومسئول وان لم تكن كذلك فهي ترويج لأضاليل الأقوياء المضللين وترسيخ لأقدام الأحزاب والدكتاتورين أو عزف ممل متكرر لأجل المستمعين الساذجين.
هذه هي محنة الصحافة في البلاد العربية المكبلة بالممنوعات على مدى سنين طويلة وإن انحراف مسار الصحافة أو انحدارها في بعض الأحيان فأصبحت كالجلاد الذي يقف على أعناق الشعب بدلا من أن تكون الرقيب الحامي لمصالحه قد اثر على روادها وقرائها ومعجبيها فصار القارئ يميل لكل ماهو سهل وخفيف ولا يبغي من وراء ذلك أن يغذي فكره وروحه وشرع بعض الصحفيين بالنزول عند هذه الرغبة طمعا بالعمل والكسب السريع إلا انه وبرغم كل هذه المنغصات والعراقيل فان بعض الأقلام والصحف قد وجدت طريقها وجمهورها ولا يسعنا أن نتنكر لهذه الجهود وان كانت محدودة .
كما أن هذه المحنة ليست وليدة الساعة وقد أشارت إليها الكثير من أقلام الكتاب والصحف ومنها مجلة الدنيا * في عددها (۴۶) الصادر سنة ۱۹۴۶:
الصحافة في بلاد الشرق العربي مصابة بمحنة شديدة هي محنة القارئ فالذين يقرؤون الصحف السياسية والأدبية والاجتماعية قليلون نسبيا وهولاء القراء من جهة ثانية يتمتعون بذوق أدبي يمكن أن نصفه بأنه ضعيف ومن قلة القراء وضعف ذوقهم الأدبي نشأت هذه المحنة التي تعانيها الصحافة العربية منذ سنوات طوال ومما لاشك فيه أن تبعة هذه المحنة لاتقع على القارئ وحده بل على الكاتب أيضا فإذا كان صحيحا أن القارئ العربي يلتمس مطالعة المقالات الخفيفة اليسيرة ويجري وراء الريبورتاجات السهلة الطريفة ولا يكلف نفسه عناء الإفادة بحيث انه حين يقرأ فهو لايبغي الغذاء الروحي وإنما الترويح عن النفس وحسب وإن كان هذا كله صحيحا فليس بأقل صحة أن هم الصحفي أصبح اليوم مجاراة القارئ ومداوراته واخفاض الجناح له بل تقوية هذه النزعة لديه نزعة التخفيف عن النفس والترويح عن الفكر وهكذا يتخلى الصحفي عن الرسالة التي وكلت إليه كرجل فكر وفن أعني رسالة التثقيف والارتفاع بالقارئ إلى مرتبة أسمى من التفهم والتذوق وإذا حدث أن القارئ يفيد من صحافته فهولا يفيد عرضا واعتباطا لان الصحفي كاد ينسى رسالته ولعل هذه المجاراة التي يرتضيها الكاتب لنفسه أمام القارئ أو يدفع إليها بغية الترويج في السوق هي التي أفقدت الصحفيين في البلاد العربية شخصيتهم وقوامهم الذاتي , فالصحفيون الذين يتمتعون بشخصية قوية قليلون جدا في هذا الشرق العربي ومع ذلك فليسوا هم الصحفيين الذين يفضلهم القراء على سواهم ممن انعدمت شخصياتهم
فهنا إذن مجال الإنحاء باللائمة على القارئ العربي الذي يفتقر إلى الذوق الفني المرهف والذي يبغي عليه أن يطلب الغذاء الروحي. على أن الذي لاشك فيه أن الكاتب والصحفي هو الذي يشكل إلى حد ما نفسية القارئ وهو الذي يساهم بقسط هام في الارتفاع بفكره أو الانخفاض به وأنا اعتقد أن الصحفي الحق على جهة والصحفي الناجح من جهة اخرى هوا لذي يفرض على القارئ شخصيته ويفرض عليه الموضوع الذي يخطر له وإن كان فيه صعوبة للقارئ أو مخالفة لذوقه لأنه حين يفعل ذلك يتبع طريق فكره هو لاطبيعة فكر القارئ وهو بذلك جدير بأن يرضي طموحه الفكري وفي هذا تثبيت لشخصيته وتقوية لها ، وبأن يثقف قارئه ويرتفع به من المستوى العادي الذي يرتضيه لنفسه إلى المستوى الرفيع الذي يبغيه هو الصحفي.
* مجلة الدنيا :
مجلة أسبوعية مصورة جامعة كانت تصدر كل خميس تنشر مواضيع سياسية وفنية وعلمية صدر العدد الأول منها في ۱۷ آذار ۱۹۴۵
صاحبها ومديرها ورئيس تحريرها عبد الغني العطري , ظلت تصدر بانتظام حتى عام ۱۹۵۸ حيث تم تصفية جميع الصحف والمجلات أيام الوحدة مع مصر ثم استأنفت صدورها بعد الانفصال حتى عام ۱۹۶۳م حيث تم أيضا عند تسلم حزب البعث وقام بإلغاء امتيازات جميع الصحف والمجلات.
مصدر: موقع "سیریانیوز" الالکترونی السوری
رقم: 57461