يتطرق رئيس جمعية "قولنا والعمل" الشيخ أحمد القطان في حديث مع وكالة أنباء التقريب - مكتب بيروت الى موضوع تضاعف الحسنات في شهر رمضان المبارك حيث ينطلق من قول النبي (ص) عن تضاعفها في شهر الصوم ، داعياً الى فهم هذا الشهر بشكل صحيح وليس فقط الإمتناع عن الطعام والشراب والإنتباه الى موضوعي الصلاة والصوم والى ضرورة تطهير القلب من الحسد والغل والحقد . وهذا نص الحديث:
الحمدلله ثمًّ الحمدلله ، الحمدلله الذي وفقنا لأن ندرك شهر رمضان ، وما كنًّا لنوفق لولا أن وفًّقنا الله ، الحمدلله نحمده ، نستعينه نستغفره نسترشده ، نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد لهُ وليّاً مرشدا ، وأشهد أنًّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وعد عباده الصائمين بأنَّ لهم من الأجر مالا يعلمه إلاَّ الله سبحانه وتعالى ، وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيِّنا وعظيمنا وقدوتنا وأسوتنا محمَّدا عبدالله ورسولُه ، وصفيُّه من خلقه وخليله ، قال عليه الصلاة والسلام ، أنَّ أول هذا الشهر رحمةً ، وأنَّ أوسطه مغفرة ، وأنَّ آخره عتق من النار ، فنسأل الله أن يعتق رقابنا ورقاب المسلمين من النار ، فصلَّى الله على هذا النبيِّ الأميِّ ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم وسار على منهجهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين .أمًّا بعد عباد الله ، أوصيكم ونفسي الخاطئة المذنبة بتقوى الله عزًّ وجل ، أحثًّكم على طاعته ، أنهاكم وأحذركم وبال معصيته ، وأستفتح بالذي هو خير ، يقول الله عزًّ وجلًّ في محكم تنزيله :( يا أيُّها الذين آمنوا كُتبَ عليكمُ الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلَّكم تتقون) . أيّها المؤمنون يا عباد الله لقد أظلَّنا جميعاً شهرٌ عظيمٌ شهرٌ مباركٌ من عند الله سبحانه وتعالى ، كيف لا يكون كذلك وإنّ في هذا الشهر تضاعف الحسنات إلى ما شاء الله تعالى ، أن يضاعف لنا الحسنات ، كيف لا يكون مباركاً وإنَّ النَّبيَّ يقول لنا في الحديث القدسيّ أن الله عزَّ وجلَّ يقول : كلِّ عمل ابن آدم له ، الحسنة بعشر أضعافها إلى سبعمئة ضعفٍ ، إلاَّ الصوم فإنَّهُ لي وأنا أجزي به ، يترك العبد شهوته ويترك العبد طعامه من أجلي ، وللصائم فرحتان يفرحهما فرحةٌ عند فطره وفرحةٌ عند لقاء ربِّه سبحانه وتعالى والصوم جُنَّةٌ أي الصوم وقايةٌ من النار ، فإن سابَّك أحدٌ أو شتمك أو قاتلك فقل : إنيِّ امرؤٌ صائم ، إنِّي امرؤٌ صائم. أيّها المؤمنون يا عباد الله ، الله عزَّ وجلَّ افترض علينا صيام هذا الشهر وسنَّ لنا النبيُّ عليه الصلاة والسلام قيام ليله ، أيّها المؤمنون في هذا الشهر ليلةٌ من أدركها أدركه الخير كله ، من أدركها غُفر له ما تقدّم وتأخر من ذنبه ، أيها المؤمنون من فطَّر في هذا الشهر صائماً كان لهُ مثلُ أجره من غير أن ينقص ذلك من أجر الصائم شيئاً أيّها المؤمنون اعلموا أنَّ هذا الشهر لا يفلح فيه إلاَّ المؤمنون ولا يبطل فيه إلاَّ المبطلون الخاسرون ، لذلك طوبى لكم عباد الله ، طوبى للصائمين في هذا الشهر الكريم المبارك ، طوبى لمن قام ليل هذا الشهر ولمن صام نهاره ، ولمن حافظ على الدعاء والذكر وقراءة القرآن الكريم ، أيها المؤمنون يا عباد الله ، لله عزّ وجلّ في خلقه شؤون فإنّ الله عزَّ وجلَّ فضَّل بعض الأشهر على بعضٍ من عنده وفضَّل بعض الأيام على بعضٍ من عنده ،
وهذا الشهر الذي بين أيدينا ، والذي نعيشه هو من الأشهر التي فضّلها الله سبحانه وتعالى ، لذلك أيُّها المؤمنون ، أنظروا معي نظرةً عقلانية ، ماذا يفعل أهل التجارة في موسمهم ؟ ماذا يفعل أهل الدنيا مع الدنيا ؟ إنَّ أهل التجارة في موسم تجارتهم الذي ينتظرونه يبذلون كلَّ الجهد من أجل هذه الدنيا ، يصلون الليل بالنهار من أجل ذلك الموسم ومن الممكن أن يربحوا ومن الممكن أن يكونوا من الخاسرين ، أمّا نحن يا عباد الله فإذا كنّا مع الله عزّ وجلّ وإذا صمنا نهار هذا الشهر وقمنا ليله وكنَّا من الذاكرين الشاكرين فإن الله عزّ وجلّ سيعطينا الجزاء الأوفى يوم القيامة ، فلذلك أيها العقلاء اجتهدوا في هذا الشهر اجتهدوا ما لم تكونوا تجتهدون في سواه من الأشهر لأننا في ذلك نأخذ الأجر الكبير من الله سبحانه وتعالى ، أيها المؤمنون ، يا عباد الله إنَّ الخير وإنّ أبواب الخير مفتوحة في هذا الشهر الكريم فالجنة أبوابها مفتّخة والنار أبوابها مغلّقة ، والشياطين قيدت بإذن الله وأمره وفي الصحيحين ، كما قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام" إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنان وغلقت أبواب النيران ، وصفّدت الشياطين " يا أخي المؤمن ، يارعاك الله إذا ما اغتنمت هذا الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب النيران ، وتقيّد فيه الشياطين فمتى ستغتنم أوقاتك ؟ فمتى ستُقبل على الله سبحانه وتعالى ؟ لذا عباد الله يروى أنّ منادٍ ينادي من عند الله سبحانه وتعالى ، يقول : " يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أدبر" ، نعم أيها المؤمنون ، إنّ الخير كلّ الخير في هذا الشهر مشهور فلنحافظ على هذا الخير ، أيها المؤمنون هناك من يفهم رمضان فهماً خاطئاً وهذا ما نشهده في أيامنا ، كيف نفهم رمضان على أنه امتناع عن الطعام والشراب والشهوات فحسب فأنت تفهم رمضان فهماً خاطئاً ، لا يا عباد الله ، ليس رمضان فقط بالأمتناع عن الطعام والشراب بل إنّ رمضان ينبغي أن يمتنع فيه الإنسان كباقي الشهور والأيام ، أن يمتنع عن الغيبة والنميمة ، أن يمتنع عن كلِّ الأخلاق الرّذيلة ، أن يمتنع عن كلّ ما حرّم الله سبحانه وتعالى ، فيا أخي المؤمن إذا ظنَّ الإنسان أنّه إذا صام رمضان عن الطعام والشراب ووقع في ما حرّم الله ، وقع في الغيبة والنميمة ، ووقع في أعراض الناس ، وقذف هذا وشتم هذا وأكل مال هذا فليعلم أنّه لن يستفيد شيئاً ، أنّه بهذه الطريقة يعمل من دون أجرٍ لأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال لنا : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه " ، الذي لم يدع الكذب والإفتراء الذي لم يدع الغيبة والنميمة ، الذي لم يدع قول الزور والحرام فهذا لا حاجة لله في أن يمتنع عن طعامه وشرابه ، لأنّه من الأولى يا عباد الله أن يمتنع المؤمن عن الأخلاق الرذيلة قبل أن يمتنع عن الطعام والشراب الذي أحلّه الله تعالى في باقي الأيام والشهور ، أيّها المؤمنون يا عباد الله ، نحن في هذا الشهر الأغرّ لسنا قاصرون على أن نردَّ على من يتهمنا أو يقاتلنا أو يشتمنا أو يجادلنا ولكن كلُّ واحدٍ منّا عباد الله عندما يسمع هذا الأمر يقول إنّي امرؤ صائم ، لا أجمل عبد الله ، لا أجمل يا رعاك الله أنّك تُقابل السّيئة بالحسنة ، أنّك تقابل الشتيهة و ما يقال لك بكلمةٍ ( إنِّي صائم ، إنِّي صائم ). أيّها المؤمنون يا عباد الله ،
لقد بيَّن لنا النّبيُّ المصطفى عليه الصلاة والسلام أنّ كثيراً من الناس يظنون أنفسهم أنّهم يُصلّون وأنّ صلاتهم مقبولة وأنّ كثيراً من الناس يظنّون أنّهم صائمونٍ وأنّ صيامهم مقبول ،
وأنّ كثيراً من الناس يظنون أنّهم قائمون أنّ قيامهم مقبول ، فإذا الجواب من رسول الله ، حيث يقول لنا المصطفى عليه الصلاة والسلام (( رُبًّ مصلٍ ليس لهُ من صلاته إلاًّ الركوع والسجود ورُبًّ صائمٍ ليس له
من صيامه إلا الجوع والعطش ورُبًّ قائمٍ ليس له من قيامه إلاًّ طول السهر )) . أنظر يارعاك الله أنظر ماذا تحب لنفسك ، هل تحب أن تكون من المظلومين ؟ هل تحبّ أن تكون من المحسنين ؟ هل تحب أن تكون من المقرّبين إلى رسول الله ؟ إذا كنت كذلك فامتنع عمّا حرّم الله سبحانه وتعالى ولا تكن مع أولئك الذين يقعون في أعراض الناس والذين يقعون في ما حرّم الله وأنت تقول لا شأن لي بهم ، بلى يا عبد الله شأنك عظيمٌ ، لماذا ؟ لأنّك تجلس معهم ولأنّك تسمعهم ولأنّك لا تقول بأنّ هذا حرام ولا تقول لا يجوز عليك الغيبة ولا يجوز عليك النميمة ، إذا كنت في مجلسٍ وسمعت كلاماً لا يرضي الله عزًّ وجلًّ فينبغي عليك أن تقول كلمة الحقِّ وأن لا تخاف في الله لومة لائم ، أيّها المؤمنون يا عباد الله إذا صمنا فلتصم أعيننا وليصم لساننا ولتصم آذاننا ولتصم جميع جوارحنا ، ذلك نكون ممّن يقدّمون النفس والرّوح على الجسد ٍ،
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته
أتطلب الرّبح ممّا فيه خسرانُ
أقبل على الله واستكمل فضائله
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ
نعم عباد الله نحن بالأنفس والأرواح بشرٌ ولسنا بالأجساد فإذا أردنا أن نقدّم الجسد على الرّوح والنّفس فنحن بذلك نبتعد بعداً كبيراً عن منهج وسنَّة رسول الله أمّا إذا قدّمنا الرّوح والنّفس على هذا الجسد البالي فنحن بإذن الله نفوق الملائكة منزلةً ودرجةً عند الله سبحانه وتعالى . أيّها المؤمنون يا عباد الله المسلم في رمضان يرتقي ليتطهّر ، فيا أخي المؤمن أنظر إلى الإسلام الذي تنتمي إليه ما أعظمه ، فأنت في اليوم والليلة تصلّي خمسَ صلواتٍ تطهِّر بها نفسك ، وفي كلِّ جمعةٍ تحضٍر لتسمع وعظاً وإرشاداً كي تكون لك مهنةٌ للاسبوع كلِّه ، وفي كلِّ سنةٍ تصوم شهراً حتّى تطهرُ روحك وترتقي بإذن الله تعالى إلى الملكوت الأعلى ، إسمع يا عبد الله أسمع يا أخي المؤمن إلى نبيّنا وحبيبنا محمّد صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم عندما قال لنا : " لو أنّ نهراً في باب أحدكم يغتسل منه خمس مراتٍ في اليوم والليلة فهل يبقى من درنه شيئاً ؟ أي هل يبقى من الأوساخ على جسده شيئاً ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهنًّ الخطايا " ، ماذا تريد أخي المؤمن أفضل من ذلك أنت في صلواتك الخمس تمحو الخطايا ، تسألني وهل نحن من أهل الخطايا ؟ نعم عباد الله كلّنا مذنبون وخير المذنبين التّوابون لله عزَّ وجلَّ ، تسألون كيف الجمعة وكيف رمضان ؟
يقول عليه الصلاة والسّلام : " الصلوات الخمس والجمعة إالى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفّارةٌ لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر " ، إنّ هذه الأمور تكفِّر لنا الصغائر ما ابتعدنا عن الكبائر يا عباد الله ، أيّها المؤمنون يا عباد الله ويلٌ لمن لم يعرف قيمة هذا الشهر الكريم ،
ويلٌ عباد الله لمن أفطر هذا الشهر وهو يعلم أنّه ركنٌ من أركان الإسلام ، يا أسفاه على أمّةٍ فرَّطت بالصيام وهي فريضته ، يا أسفاه على شباب يدّعون الإسلام ويدّعون النخوة ويدّعون الإنتماء لرسول الله وهم مفطرون وهم يضعون السيجارة في أفواههم أو النرجيلة أو يفطرون أمام الناس جهاراً نهاراً لا يخافون الله ولا يستحيون منه. اسمع عبد الله، اسمع لذاك الرجل المجوسيّ الذي رأى ولده ينتهك حرمة شهر رمضان بالنسبة للمسلمين ، فإذا بوالده يضربه ويؤنّبه ويقول له يا بنيَّ كيف تنتهك حرمة شهر رمضان للمسلمين فإذا بهذا الرجل المجوسي يتوفّاه الله عزَّ وجلَّ فيراه إمام البلدة في منامه ، يراه من أهل الجنة فيسأله ألم تكن مجوسيًّا في الدنيا ؟ فكيف أنت من أهل الجنة ؟ فيقول هذا الرجل المجوسيّ ، اسمع واحفظ عبد الله يقول هذا الرجل المجوسي لأنّني ضربت ونهرت ولدي لأنّه انتهك حرمة شهر رمضان فإنّ الله عزّ وجل قبل موتي رزقني الشهادتين فقلت لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، نعم أيّها المؤمنون من البركات التي يفتحها الله عزّ وجل على عباده، فلا تقبل عبد الله لا تقبل أن يكون ولدك أو ابنتك في بيتك من المفطرين أو تنظر إليهم أو تتكلّم معهم كلاماً جيّداً أو كلاماً معسولاً . ينبغي أن نرفض هذه الظاهرة ، حتّى من أراد أن يفطر ينبغي أن لا يُظهر فطره أمامنا ، ينبغي عليه أن يستتر وأن يكون هذا الأمر بينه وبين ربِّه سبحانه وتعالى ، أمّا إذا أظهر فطره فأنا أدعوكم عباد الله أدعوكم إلى كلمة حقٍّ أن نقاطع كلّ إنسان يُظهر فطره في شهر رمضان ، كل إنسان يفتخر أنّه مفطرٌ أمامنا في شهر رمضان يجب علينا أن نقاطعه وأن نقول له لماذا ؟ نقول له نحن نقاطعك لأنّك تتحدّى الله ولأنّك بهذه الطريقة أنت بعيدٌ كلّ البعد عن الله عزّ وجلّ أبداً . أيها المؤمنون يا عباد الله ينبغي علينا في هذا الشهر الكريم المبارك أن نطهّر قلوبنا ، تسألون كيف عباد الله ، أن نطهّر قلوبنا من الحسد والحقد والغل ، أن تكون قلوبنا خاشعةً لله عزّ وجلّ ، أن تكون قلوبنا بكليّتها مع الله سبحانه وتعالى بذلك نرتقي يا عباد الله واعلموا أنّ للصائم دعوةٌ لا يردّها الله عزّ وجلّ فيا أخي المؤمن إن كنت مظلوماً فادعوا ربّك فإنّ الله أقرب إليك من نفسك ، وإن كنت ممّن يعانون من مشاكل صحيّة أو إقتصاديّة أو إجتماعيّة فلتلجأ إلى الله عزّ وجلّ ، قبل ساعة الإفطار عندما تسمع القرآن أو تسمع المؤذّن يريد أن يؤذّن لصلاة المغرب ، فعندها ارفع أكفّ الضٍراع إلى الله عزّ وجل وادعوه وأنت متيقّن أنّ الله تعالى سيستجيب لك ، لأنّ من الدعوات التي لا يردّها الله عزّ وجلّ أبداً دعوة الصائم عند فطره . وفي الختام أسأل الله تعالى أن يتقبل منّا جميعاً صيامنا وقيامنا وسائر طاعاتنا وأن يوحّد صفوف أمّتنا الإسلاميّة وينزع من قلوبنا الحسد والغلّ والحقد . وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم .