جاء ذلك في كلمة "الدكتورة الكوندي" خلال ندوة "دور المراة في تعزيز المقاومة الاسلامية والفلسطينية"، اقيمت برعاية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية عبر الفضاء الافتراضي يوم الاربعاء 17 كانون الثاني / يناير 2024م.
وفيما يلي نص مقال هذه الباحثة الاكاديمية التونسية :
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله الطيبين الطاهرين
يقول السيد القائد الخامنئي (حفظه الله) : "بوسع المرأة أن تمارس دوراً مصيرياً في التحولات التاريخية الداخلية والدولية في ظل الإيمان والوعي وبعيداً عن المستنقع الفاسد الذي أوجده لها العالم الغربي. إنّ عظمة المرأة وفخرها لن يتجلّى في الأمور التي أوجدتها لها الأيادي الصهيونية المدنّسة في عالم اليوم المنحط، وإنّما بوسع المرأة أن تخطو في ظل الطهارة والعفة والشعور بالمسؤولية، جنباً إلى جنب الرجل وأن تتفوق عليه أحيانا". فللمراة دورا مهما و فعال لكونها هي نصف المجتمع و عليها دعم و رعاية النصف الآخر كونها أما و زوجة و أختا و بنتا في كل الضروف و في حال الحرب و السلم و في حال الظلم أو العدل.
فيشهد العالم المعاصر اليوم تجلي أهم دروس الانسانية جمعاء ومن بين معلمي هذه الدروس هي المرأة المقاومة في كامل محور المقاومة وبالخصوص في غزة في هذه الضروف منذ أكثر من ثلاثة أشهر. أصبحنا نشهد انتباه الغرب ودهشته و تسائله ما السر في صبر المكلومات في غزة أمهات الشهداء و بناتهم و أخواتهم و زوجاتهم و احتساب كل هذا الشعب و صموده ما السر وراء هذه الكلمات الحمد الله ... اللهم تقبل ... كله فداء للأقصى ..هذه الكلمات بعد كل قصف أو عدوان. اندهش العالم حتى أن الغرب صار يبحث عن السبب فقيل لهم أن وراء هذه القوة و الصبر انه القرآن الكريم فزاد فضول بعضهم لقراءة القرآن و معرفة ما يخفيه بين طياته. القرآن الكريم أحد الثقلين إن تمسكنا بهما لا ضلالة بعدهما. خاصة أثناء خوض المعركة بين الحق و الباطل.
ونحن لا يمكن لنا أن نغفل هذا النهج حين الحديث عن المرأة المسلمة ودورها اليوم في المعركة ومواجهة الاستكبار والاحتلال الاسرائيلي. فلقد بان تأثير هذا النهج بوضوح في جهاد المقاومة الإسلامية في لبنان وبداية الانتفاضة الشعبية الأولى في 1987 في فلسطين بعد انتصار المقاومة في لبنان ضد العدو الاسرائيلي ودحره عن الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانية، وفشله في تحقيق مآربه. وذلك بسبب جهود ثلة من المقاومين المؤمنين بنهج أهل البيت (عليهم السلام) وولاية الفقيه المباركة، وتضحيات نساء مجاهدات، قدمن أبناءهن شهداء ومعتقلين وفتحن بيوتهن للمجاهدين، يسهرن على خدمتهن وراحتهن وحمايتهن ولو أدى ذلك إلى فقدانهن الأمن واعتقالهن أو استشهادهن
دور المرأة في المقاومة الاسلامية ضد الظلم و الطغيان و الاستكبار عظيم و ليس بهين و يستوجب الصبر و النفس الطويل و الايمان و الاحتساب الصادق لله عز و جل و السعي لرضاه. يرتكز على مستويات و أطر عدة. مثل الحماية و حفظ المقاومين و الدعم والإسناد و رفع المعنويات و التحفيز المرأة قناة و آلية إعلامية لترك الضوء ساطعا على القضية و المبادئ و نشر المظلومية و التبيين و جعلها على مسمع العالم و فضح الجرائم و التحريض ضدها على جميع الأصعدة و هي مصنع للمقاومين الناشئين تربيهم و تزرع فيهم حب الوطن و الالتزام بمكارم الأخلاق الاسلامية.
وقد سجل تاريخ المقاومة نماذج مشرقة وزاهرة لنماذج من النساء القدوة اللواتي قل نظيرهن، قدمن كل التضحيات الممكنة وشجعن أبناءهن على سلوك طريق الجهاد وقدمن الولد والاثنان والثلاثة. والتي منهم من كانت تعلم بعملية ابنها وشجعته و منهم التي فتحت بيتها ودعمها المادي والمعنوي للمقاومين ينطلقون منه لشن العمليات ضد العدو. وقد ربطت بينها وبين المجاهدين علاقة عاطفية قوية، وذلك لدورها الأمومي وروحها اللطيفة وحنانها، فكانوا ينادونها بأمي. وقد اعتبرتها المقاومة أما للمجاهدين.
أستذكر الآن الحاجة خديجة حرز (أم الشهيد حسن ياسين)؛ وهي أسيرة محررة عملت على مساعدة المجاهدين في تجهيزهم وحمايتهم، وكذلك قادت مظاهرة من النساء من أسر المعتقلين إلى معتقل أنصار، وقد أدت هذه التظاهرة إلى إحداث انتفاضة للمعتقلين داخل معتقلهم. وقد تمت ملاحقتها من قبل الاحتلال وأسرها ونقلها إلى معتقلات فلسطين. وغيرهن المئات من الأمهات والزوجات والمجاهدات اللواتي سطرن بطولات لا تقل عن تلك التي سطرها المجاهدون في الوعور وعلى التلال ضد العدو الصهيوني الهمجي.
انّ دور النساء الفلسطينيات – والمرتبط بفطرتهنّ – بدأ منذ الهجرة على إثر الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين المحتلّة عام 1948، من خلال تثبيت قلوب الأبناء وزع محبة فلسطين والانتماء للوطن والقضية. وانتقلت فيما بعد لمرحلة متقدمّة وهي الذود عن أبناءها خلال الاعتقالات والمعارك في الحارات والمخيمات في قطاع غزّة والضفة. وهنا ليس فقط أبناءها إنما كلّ أبناء الشعب الفلسطيني الذين تنظر إليهم المرأة على أنهم أولادها.
والجدير بالملاحظة أنّ المشاهد التي عادة لا تسجلها كاميرات الإعلام، هي مشهد حماية الخنساوات للشباب الذين تتعرض لهم قوات الاحتلال بالقوّة المفرطة سواء بهدف الاغتيال أو الاعتقال، كانت المرأة تهاجم هؤلاء الجنود وتفلت الشاب من أيديهم. لكن هذا الدور لا يخفى و لايبقى دون صدى و تأثير. برز دور الحماية جليًا في كل مراحل الحصارحيث أن جدران المخيمات مثلا عادة ما تكون منخفضة والبيوت متلاصقة، فمن السهل أن يقفز المقاوم ويتسلّل من منزل الى منزل، وأنّ لدى الخنساوات "عقيدة راسخة أنه حين يتسلل مجاهد مطارد من جنود الاحتلال فلا بد من أن تأويه مهما كانت الظروف وأن تؤمن له الحماية". هنا، "شكّلت هذه العقيدة الدرع الحامي للمقاومة ولولاها ما نفذوا مثلا من سياسة الأرض المحروقة في مخيم جنين وكانت سببًا رئيسيًا في فشل الاحتلال من الوصول الى المقاومين".
لطالما كانت المرأة أيضا لتكون هي المستهدفة، والأسيرة والشهيدة مثلها مثل باقي مكونات المجتمع الفلسطيني. فهنّ قد استشهدن الى جانب أزواجهنّ أو آبائهنّ القادة، ومنهنّ من فضّلت الالتحاق بزوجها في قطاع غزّة رغم قساوة الظروف والحصار الى أن لقيت مصيره.
الى جانب كل هذا لا يفوتني التذكير بان حركات المقاومة الإسلامية أسندت منذ انطلاقتها دوراً مهمًّا للمرأة الفلسطينية فأشركتها في أنشطتها الاجتماعية والسياسية والمقاومة فكانت منها الأسيرة والشهيدة وسيدة المجتمع.
وتنبهت الحركات مبكراً لأهمية دور المرأة الفلسطينية في صفوفها فهي لا تعد نصف المجتمع فقط؛ بل ركيزة أساسية في تربية الجيل على حب العمل الوطني والتضحية المستمرة وحاضنة متواصلة لجبهة المقاومة.
وأسهمت المرأة في أنشطة الحركة التربوية والاجتماعية والسياسية فشغلت مناصب مهمة ومتقدمة حتى وصلت لمقاعد المجلس التشريعي وشاركت في أنشطة المقاومة فكان منها الأسيرة والشهيدة. وتصدرت وسائل الإعلام في العامين الماضيين نماذج أمهات الشهداء ومنفذي العمليات المقاومة بالضفة المحتلة وهنّ يكشفن عن صمود وتحريض وطني متصاعد خلال احتضان المقاومة ووداع أبنائهن الشهداء. ونشطت المرأة إلى جانب المقاومين في توسيع رقعة العمل الجهادي المقاوم التي وصلت لكل بقعة في أرض فلسطين المحتلة فنفذت أعمالًا فدائية مثل الشهيدة ريم الرياشي والحاجة فاطمة النجار واحتضنت المقاومين المطاردين للاحتلال مثل النائب في المجلس التشريعي مريم فرحات. وكانت المرأة واعية أنَّ الإنسان هو أخطر عناصر المقاومة فحرصت على تربية أبنائها في حماس على نهج إسلامي كمنهج حياة فأعدت مقاومين ودفعتهم لأعمال المقاومة وهم يرتلون القرآن.
ووفق معادلة “المقاومة مستمرة طالما الاحتلال موجود كان للمرأة دوراً طبيعيًّا في النضال والمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي من خلال الإعداد النفسي والتربية الجهادية المقاومة. والاكيد أن كثيرًا من النساء في صفوف محور المقاومة على استعداد لتكرار نموذج فدائيات فلسطينيات لتنفيذ عمليات مقاومة ضد الاحتلال مثل الشهيدتين الرياشي والنجار. ولا ننسى نماذج المرأة الفلسطينية التي ودعت أبناءها شهداء قبيل تنفيذهم عمليات فدائية حين اختلطت الدموع بزغاريد الفرح مثل الراحلة مريم فرحات وأم نافذ شهوان وأخريات. وشكلت المرأة درعاً حصيناً في أعمال المقاومة وكانت أحد أسباب التمكين والتحريض على أعمال المقاومة وهي تجسد نموذج تحدٍّ في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
إذا نحن نتحدث عن أيقونات لا يمكن للعالم أن ينكر قيمتها أوعن النصر الحقيقي أمام توغّل الغرب في منظومة المجتمع عبر تخريب المرأة و هدم القيم الاسلامية. و دور المرأة في المقاومة الاسلامية لا مناصة منه و لا تنازل عنه. فيما توجّه الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الى الخنساوات بالقول : "أنتنَّ قيمة عُليا لدى الشعب الفلسطيني المجاهد والصابر، نتلمس من خلالكنَّ نبض المجتمع وإرادته ومقياس صموده في مواجهة العدو الصهيوني القاتل." أيضا يقول الامام الخامنئي دام ضله "حين تحضر المرأة بشكل واع وجدي ويكون حضورها مرتكزاً على البصيرة فإن هذه الحركة ستتقدم بشكل مضاعف. إن دور المرأة هو دور لا بديل له ويجب أن يستمر دوماً.
كلامه هو استمرارية لكلام استاذه وامامه الامام الخميني قدس سره الذي صرّح بوضوح وهو في باريس أن مشاركة النساء في المظاهرات والتجمعات حتى مع رفض الآباء والأزواج لهذا الأمر هو واجب على النساء ولا يحق للرجال منعهن من هذه المشاركة الفعالة والمؤثرة. ويؤسس لمجتمع إسلامي من خلال قوله أن المرأة ليست على هامش المجتمع بل هي محور ومركز المجتمع. وبعد انتصار الثورة ظهر امتنانه للمرأة في قوله إن منشأ التحولات في الثورة الإسلامية يعود بالدرجة الأولى الى النساء.
تلعب المرأة دورا جليا في مقاومة الاستكبار والاحتلال وهذا الأمر يمكن أن نلمس آثاره مباشرة في المجتمعات. فقد تمت رؤية آثاره خلال الثورة الإسلامية في إيران من خلال المشاركة الفعالة في المظاهرات وتوزيع المناشير والمعاناة في السجون والتعذيب وكذلك من خلال تشجيع أفراد العائلة كافة للمشاركة في الثورة. كسرت المرأة القيود ونزلت الى الساحة وكانت الساعد القوي للثورة. لدرجة قال الامام الخميني:" دور المرأة في الثورة هو دور مضاعف عن دور الرجال". وظهر خلال الدفاع المقدس في حمل السلاح والجهاد الطبي التمريضي في الصفوف الأمامية للجبهة. وها هو يظهر خلال معركة الدفاع عن المقدسات في سوريا والعراق. فقال الامام الخامنئي ممتنّا: "زوجات المجاهدين والقادة وامهاتهم هنّ آيات من الصبر والمقاومة. لقد تحملن المصاعب. أرسلن ابناءهن إلى الجبهات. استشهد الكثير منهم، جرح البعض الآخر. وبقيت أمهاتهن وزوجاتهن الصابرات والمقاومات كالجبال الراسخة والشامخة. كما تقدمن أيضا في المجال السياسي والمجال العلمي للبلاد."
ولا يخفى هذا الأمر أيضا في لبنان وفي فلسطين وفي اليمن و الدول الأخرى...عندما شاركت النساء وتشارك في الجهاد من خلال الصمود والحفاظ على الخطوط الخلفية للجبهة في الاسرة من جهة وتشجيع الأبناء والأزواج على الجهاد من جهة أخرى خلال فترة الاحتلال. حيث لا يقل دور المرأة عن المجاهدين في الساحات إذ يقول القائد الخامنئي أن الراية التي يحملها المجاهد يمكن أن تسقط نهائياً حين يستشهد إذا لم تحملها عائلته وزوجته وأبناؤه. وأكد أن دورهم يساوي بأهميته دور الشهيد.
و في الختام / النصر للمقاومة و العزة للشهداء
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
انتهى