باحثة اسلامية من لبنان : الامام الخميني (رض) كان برنامجه تحقيق الاخوّة مع كافة الطوائف الاسلامية
اكدت الباحثة الاسلامية اللنانية "ام کلثوم السبلاني"، على ان الامام الخميني (رض) كان برنامجه الإسلام ووحدة كلمة المسلمين واتحاد الدول الإسلامية وتحقيق الأخوة مع كافة أبناء الطوائف الإسلامية؛ وكان سماحته يقول في هذا الصدد : إننا على استعداد للدفاع عن الإسلام والبلاد الإسلامية وعن استقلالها في جميع الأحوال.
السيدة "السبلاني" اشارت الى ذلك في مقال لها خلال الندوة لافتراضية بعنوان "الامام الخميني (رض) رائد الوحدة والمقاومة"، عقدت اليوم الاحد برعاية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، في سياق النشاطات القائمة على صعيد ايران لاحياء ذكرى رحيل مفجر الثورة الاسلامية الامام السيد روح الله الموسوي الخميني (رضوان الله عليه) (يوم الاثنين 3 حزيران / يونيو 2024م).
أخوتي أخواتي في ذكرى ارتحال مفجر الثورة الإسلامية "الإمام روح الله الخميني" العظيم، وفي ظل ما يشهده العالم من أحداث دامية تحركها وتغذيها وتديرها يد الجبت والطاغوت ذاتها التي ثار بوجهها الإمام الراحل (رض)، لا يختلف اثنان على ضرورة الاتحاد كحل لا بديل عنه لتحقيق النصر على الطغاة والعدالة بين أبناء الدين الواحد والملة الواحدة.
أبرز الخصائص العامة للوحدة الاسلامية والتقريب من منظور الامام الخميني العظيم (رض)؛
أولا : الاعتصام بحبل الله
من وجهة نظر الإمام الخميني (رض)، الاجتماع والاتحاد المطلوب هو الذي يتشكل حول محور الاعتصام بحبل الله. إذ أن سماحته كثيراً ما كان يؤكد على الوحدة المقرونة بالاعتصام بالحبل الإلهي استناداً إلى الآية الكريمة [واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا]:
لقد امر الله تبارك وتعالى بالاجتماع والاعتصام بحبل الله : ((واعتصموا بحبل الله)).. أمر بالاجتماع والتمسك بحبل الله. إذ أنه ليس كل اجتماع مطلوباً، بل الاعتصام بحبل الله هو المطلوب، وهو ذات الأمر بالنسبة [إقرأ باسم ربك]،.. فإسم الرب هذا الحبل الذي يجب على الجميع ان يعتصموا به، ويدعوا إلى الوحدة ولئلا يتشتتوا فئات وجماعات.
ويتساءل الامام الخميني (رض) أي الوحدة التي تنشأ من الاجتماع والتجمع حول امر ما ويكون لها أهداف مشتركة، ان مثل هذا الأمر يعتبر اعتيادياً وطبيعياً ويحظى بتأييد كل دين ومذهب حتى المذاهب غير الإلهية. وعليه فمن البديهي أن يبادر الأفراد إلى التجمع والتضامن لأداء أمر مشترك.
ومن جانب اخر يؤمن الإمام الخميني (رض) بأن الذي يضفي أهمية على حقيقة الوحدة وماهيتها انما هي الدوافع التي تقف وراء تشكيلها والأهداف التي تتطلع إليها والمحاور التي تدور حولها. وفي هذا الصدد يتمثل محور الوحدة في فكر الإمام الخميني بـ (الاعتصام) و(حبل الله).
ولاعتصام يعني التشبث بهدف الوجود« وهذا يعني أن الوحدة ذات صلة تامة بالتوحيد، لأن طريق الحق وحده الذي بوسعه أن يوحد الناس فطرياً حول الله، إذ أن ثمة ميولاً فطرية لدى الناس نحو الحق والحقيقة. وأن مثل هذه الميول في الحقيقة موجودة لدى الناس جميعاً. وعليه فالوحدة التي تكون بمعزل عن الاعتصام بالله وحبله والحقيقة، لا معنى لها. وهذا يعني أن مجرد الاجتماع حول محور مشترك فحسب، ليس أكثر من اجتماع مؤقت وغير حقيقي وغير محبب.
ليس كل اجتماع مطلوباً.. المطلوب هو الاعتصام بحبل الله.. فادعوا الناس لئلا يتشتتوا إلى فئات وجماعات.
والحبل الإلهي يعني الربوبية.. اسم (الرب) هو الحبل الإلهي ذاته.. بمعنى أن التدبير وادارة شؤون العالم والتحكم المطلق بالوجود، له وحده. وبتعبير آخر، إن الإمام الخميني (رض) يعتبر حبل الله (طريق الحق)، طريق الصدق، طريق الله والأنبياء الإلهيين، والذي هو عين قبول الربوبية وسيادة الله المطلقة على عالم الوجود.
وكون الوحدة بحاجة إلى المحور والمبنى، والأساس الواحد، وتنشد دفاً واحداً، لذا يمكن النظر إلى التوحيد بمثابة محور أساسي للوحدة، لأن الناس في المجتمع التوحيدي يمضون في مسير واحد [إنا لله وإنا إليه راجعون]، على خلاف مجتمع الشرك والكفر حيث توجد مسارات متعددة.
من السمات الأخرى للوحدة في الإسلام، مراعاة (مصالح الإسلام) و(الشرع المقدس). بمعنى لابد من صيانة الإسلام والقوانين والأحكام الإسلامية والوطن الإسلامي وكل ما يتعلق بالإسلام. وفي هذا الصدد تعد وحدة المسلمين واتحادهم من الضروريات الأولية.
إذ أن الوحدة التي لا تؤدي لصيانة السيادة الإسلامية أو قوانين الإسلام والوحي، لا تجسد الوحدة الحقيقية المنشودة التي يتطلع إليها الإمام الخميني. فالهدف الأساس هو صيانة الإسلام، وما الوحدة إلا وسيلة لتحقيق ذلك.
يقول سماحة الإمام في هذا الصدد : إننا على استعداد للدفاع عن الإسلام والبلاد الإسلامية وعن استقلالها في جميع الأحوال.. وأن برنامجنا هو برنامج الإسلام ووحدة كلمة المسلمين واتحاد الدول الإسلامية وتحقيق الأخوة مع كافة أبناء الطوائف الإسلامية.
وهذا يعني أن المسلمين كافة، وبغض النظر عن انتمائهم العرقي والقومي، هم أعزاء ومحترمون من وجهة نظر الإمام الخميني.. فالأمر الهام هو قبول كلمة الإسلام واعتبار كلمة التوحيد شعاراً لهم. ومثل هذا يحتم عليهم الاتحاد من أجل صيانة كيان الإسلام وكرامة الشعوب الإسلامية.
سيادة الإسلام وعزة المسلمين من الموضوعات الأخرى التي تتبلور الوحدة من أجلها. إذ أن التفرقة والتباعد بين المسلمين مدعاة لضعفهم وإذلالهم وهزيمتهم وتسلط الأعداء عليهم.
ومن هنا ينظر الإمام الخميني (رض) إلى تعاسة المسلمين بأنه نتيجة الاختلاف والتفرقة السائدة فيما بينهم، وان السبيل لتحقق سيادتهم وكرامتهم والذود عن الحقيقة وصيانة الإسلام الأصيل، يكمن في وحدة المسلمين واتحادهم:
إن تعاسة المسلمين إنما هي وليدة هذه التفرقة السائدة بينهم.. فلتتضامن الشعوب الإسلامية وتضغط على حكوماتها للكف عن الاختلاف والفرقة، والامتناع عن دعم مصالح الأجانب.
إن الأخوة الإسلامية التي تجسد التعبير الحقيقي والأصيل للوحدة، تعد من مستلزمات تحقق شوكة الإسلام وبقاءه واستمراره. فبالأخوة والوحدة يتم تذليل مشاكل المسلمين، وحينها ليس بوسع أية قوة مواجهتهم والتحرش ببلدانهم.. في الحقيقة أن الوحدة تمثل العلاج الرئيسي لآلام المجتمعات الإسلامية
بناء على ذلك، فان مصالح الإسلام تشكل دافعاً للوحدة، وأن محور وأساس مثل هذه الوحدة يكتسب معناه في ظل صيانة الإسلام والحفاظ على كيانه، ومواصلة الدعوة الإسلامية ونشرها في العالم. فصلاة الجمعة والجماعة، واعلان البراءة من المشركين في مراسم الحج، والاعلان عن اسبوع الوحدة، واليوم العالمي للقدس، كل ذلك من أجل مصالح الإسلام والشريعة الإسلامية، مما يعني التخلي عن المصالح الشخصية والفئوية والوطنية والقومية – أي المصالح العامة للدولة الإسلامية – من أجل مصالح الإسلام العليا.
إن ماهية الوحدة تتضح من خلال مفهوم التوحيد في العقيدة، أو بتعبير آخر (توحيد الكلمة) أو (توحيد المعتقد). وفي ضوء ذلك ثمة (كلمة واحدة) و(رأي واحد) و(عقائد واحدة) و(رؤية كونية واحدة)، يلتزم بها الجميع. وان مثل هذه الوحدة سوف تشكل دافعاً لنمو المجتمع وتقدمه وتكامله، وبوسعها أن تحقق المدينة الفاضلة والحكومة المنشودة. وعلى حد قول الإمام الخميني (قدس سره):
إن أحد الأهداف الكبرى للشرائع السماوية والأنبياء العظام – سلام الله عليهم – يتمثل في توحيد الكلمة والعقيدة، والذي يشكل بحد ذاته هدفاً مستقلاً ووسيلة لتقدم الأهداف الكبرى، وذا تأثير كبير في تأسيس المدينة الفاضلة.
وفي ختام الكلام ، سلام من الله عليك أيها الإمام العظيم يوم ولدت ويوم ارتحلت ويوم تبعث حيا.
وكل الشكر والامتنان للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية على إحيائهم للذكرى وعلى استضافتهم لنا في محفلهم الكريم هذا.
ونسأل الله تعالى أن نبقى جميعا في خط الإسلام المحمدي الأصيل والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
انتهى