خلال الأسبوع الماضي، جال رئيس محطة الـ«سي آي إيه» في لبنان، دانيال ماكفيلي، على عدد من «أصدقائه». المعلومات التي تسربت من اللقاءات التي أجراها تشير إلى أن هدف زيارات ماكفيلي كان محاولة التخفيف من وطأة ما كشفه حزب الله عن عمل الاستخبارات الأميركية في لبنان. قال ماكفيلي إن كل ما نُشِر لا أساس له من الصحة.
لم يقتصر نفيه على ما أعلنه حزب الله وأمينه العام، بل تخطاه إلى نفي ما نشرته الصحافة الأميركية نقلاً عن مصادر رسمية في واشنطن. أكد أن وكالته لم تعتد نفي أو تأكيد ما يُتداول عنها بشأن عملها السري، إلا أن من التقاهم لم ينقلوا عنه تعليقاً على تأكيد المصادر الرسمية في بلاده لما أُعلن في لبنان وإيران عن سقوط شبكات تجسس تابعة للـ«سي آي إيه» في قبضة جهاز أمن المقاومة والسلطات الأمنية الإيرانية.
وبحسب المتداول عن لقاءات ماكفيلي، فإنه قال إن المحطة التي يرأسها في بيروت لا تعمل في مجال التجنيد وإدارة شبكات العملاء في لبنان، بل إنها تكتفي بالتواصل مع الأجهزة الأمنية اللبنانية وتبادل المعلومات عنها. وعلى هذا القول، علق أمني بارز ساخراً: «يبدو أن ماكفيلي يخلط بين الـ«سي آي إيه» ووكالة التنمية». ويرى الأمني ذاته أن ماكفيلي سيشيع هذه الأجواء أمام جميع من سيلتقيهم، لمحاولة التخفيف قدر الإمكان من تداعيات ما أُعلن.
وبعيداً عن تبريرات رئيس محطة الـ«سي آي إيه» في لبنان، يبقى السؤال الأبرز في هذه القضية متمحوراً حول سبب كشف حزب الله بعض المعلومات التي في حوزة جهاز أمن المقاومة عن الاستخبارات الأميركية في لبنان. والسؤال يتعلق بما جرى خلال الأسبوع الماضي، عندما عرضت «قناة المنار» تقارير في برنامج «حديث الساعة» تتضمن تفاصيل عن هويات ضباط الاستخبارات الأميركية العاملين في لبنان، وعن جزء من آليات عملهم وبعض الأماكن المعتمدة من المشغلين للقاء عملائهم، إضافة إلى معلومات تؤكد أن كل ما يُكلّف عملاء الـ«سي آي إيه» جمعه يُنقل إلى الاستخبارات الإسرائيلية، فضلاً عن قيام الأميركيين بتسليم إدارة بعض شبكاتهم للاستخبارات الإسرائيلية.
بعض عارفي عقل المقاومة في لبنان يؤكدون أنها اعتادت ألا تُظهر سوى جزء يسير مما في جعبتها، سواء كان ذلك متصلاً بالمعلومات أو بالقدرات التي راكمتها. ويعني ذلك، بحسب المصادر ذاتها، أن المعلومات التي كشفها جهاز أمن المقاومة عبر «المنار» ليس سوى الجزء اليسير مما لديه. ويقرأ بعض المقربين من حزب الله رسائل عديدة مبطنة في طيات «التسريب»، أبرزها:
أولاً، إن جهاز أمن المقاومة يعرف الكثير عن نشاطها في لبنان، وإن ضباط هذه الاستخبارات وعملاءها خاضعون للسيطرة المعلوماتية و«العملياتية» للجهاز المذكور.
ثانياً، إن الإدارة الأميركية شريكة لإسرائيل في الجرائم التي وقعت على الأراضي اللبنانية، سواء في الحروب أو في عمليات التفجير والاغتيال.
ثالثاً، إن العمل الدبلوماسي الأميركي في لبنان لا يمكن فصله عن العمل الاستخباري، مع ما يستتبع ذلك من واجبات على الدولة اللبنانية القيام بها.
رابعاً، لم يعد مسموحاً استمرار الاستخبارات الأميركية بمساعدة نظيرتها الإسرائيلية على الساحة اللبنانية، وهو الأمر القائم منذ ثمانينيات القرن الماضي. وما يسري على الأميركيين يشمل غيرهم من الأجهزة الغربية التي تعمل ليل نهار على توفير الدعم الاستعلامي و«اللوجستي» للإسرائيليين، من خلال تسهيل انتقال عملاء الاستخبارات الإسرائيلية من لبنان إلى أوروبا للقاء مشغليهم. وهذا الدعم تقدمه سفارات غربية في بيروت، ومثبت في وثائق التحقيقات القضائية التي أجرتها السلطات اللبنانية مع العدد الكبير من الموقوفين بشبهة التجسس لمصلحة إسرائيل.
خامساً، أرادت المقاومة أن تدفع الأميركيين إلى إعادة النظر بأسس عملهم في لبنان وأهدافه، وجعلهم يُشغَلون لفترة طويلة في إعادة تقويم الأضرار التي أصابتهم، ومراجعة ملفات جميع عملائهم وتحركاتهم لمحاولة تبيان الثغر التي استغلتها المقاومة لكشف آليات عمل الـ«سي آي إيه» في لبنان. وفي هذا الإطار، تؤكد المصادر أن المقاومة لن تكشف طريقة عملها التي مكنتها من كشف التحركات الاستخبارية الأميركية، وهو السر الذي يحيطه جهاز أمن المقاومة بأطواق من الحماية، لأنه مفتاح مكافحة التجسس.
وفي إطار ما تقدم، أتى كلام عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي، على شاشة «أل بي سي» أمس، معلناً تفاصيل إضافية عن هذه القضية، علماً بأن ظهور الموسوي كان يهدف حصراً إلى تناول ملف الـ«سي آي إيه»؛ إذ إن نواب حزب الله لا يزالون خاضعين لقرار حزبهم الامتناع عن إجراء مقابلات تلفزيونية إلا في حالات محددة.
وقال الموسوي إن عملاء الـ«سي آي إيه» في لبنان يتزودون بتجهيزات تقنية لتحديد مواقع معينة من خلال تقنيات متطورة على شكل ساعة أو هاتف، وهذا لا يعني فقط جمع معلومات، بل إعداد المسرح لعمليات إرهابية عدوانية، سواء اغتيال أو تفجير أو التمهيد لعدوان إسرائيلي لاحق. وكشف الموسوي عن أن ضباط الاستخبارات الأميركية كانوا يعقدون عدداً كبيراً من لقاءاتهم مع عملائهم في مطاعم ونواد ليلية في منطقتي الضبية وجونيه، وكان تمويه التحركات يجري في منطقة جبيل.
ووجه النائب الجنوبي للأميركيين وعملائهم الرسالة الآتية: «نحن نعرف كل ما يدور لديهم، وقادرون على الوصول إلى ما هو أكثر. نقول للعملاء الذين هم تحت النظر والمتابعة، إن أمامهم الفرصة للمجيء إلى جهاز أمن المقاومة أو للأجهزة الأمنية اللبنانية».
المصدر : " الأخبار" - حسن عليق