سوريا ليست كوسوفو. ولا تُسقط الأسلحة النظام السوري
السعودية الطاعنة نفطاً وخوفاً وتسليحاً:
فلتكن سوريا «كوسوفو» عربية
تنا - بيروت
19 Apr 2012 ساعة 19:22
سوريا ليست كوسوفو. ولا تُسقط الأسلحة النظام السوري
السعودية داعية حرب. متى كان لها ذلك؟ شبق مثير لغريزة الاتهام: لماذا هذا الاستنفار اليومي لتسليح المعارضة السورية؟ ماذا تريد المملكة الطاعنة في العمر، من خوض معركة بكل ما أوتيت من نفط ومال وكراهية؟
يندر من يعترف بدور ديموقراطي للسعودية. كُتّاب أعمدة الصحف يكذبون ان ادعوا عكس ذلك. قوَّالو الحرية في فضائيات الاشتباك والتحريض، يكذبون أكثر... ليس في تاريخ المملكة حرية أو أي نوع من الحريات، حتى البدائية أو النباتية منها، وليس في سلوكها المتواتر من جد إلى ابناء فأحفاد، بعدد الآلاف، ما يشي بأن في المملكة شعباً... هذه مملكة «القبض» على السلطة والمال والناس والأنفاس، بحراسة مشدّدة من «كلاب حراسة»، يتم استئجارهم بأسعار فلكية، مع عدتهم وأجهزتهم وعاداتهم، من دول تفاخر بأنها مصنع الحروب والغزوات و«ماك دونالد» و«ماك دوغلاس» معاً.
ومع ذلك فالسعودية الخائفة على العرش، خوفاً هستيرياً مستداما، تتورط في حرب ضد سوريا، بحجة رخيصة، الدفاع عن الثورة، وتأييداً للديموقراطية، ووقف آلة القتل، الذي تبرّع به النظام السوري، ليظهر على حقيقته الاستبدادية.
ماذا تريد المملكة؟ ما عنوان حربها على سوريا؟
قبل الإجابة، لا بد من تصحيح الصورة. قُدِّمت السعودية، في وسائل الإعلام العربية، بعد نكسة العروبة، وأفول الناصرية، وصعود تجار الهزيمة والنكسة، على أنها مملكة «حكيمة» «عاقلة»، تفضل التقيّة في السياسة، والقبضة الأمنية السرية على الاستعلاء الأمني والمباهاة القمعية (وهما صفتان التصقتا بالأنظمة «الجمهورية» الدكتاتورية الاستبدادية) فيما هي تتقن العطاءات المجزية، لشراء الجماعات والأحزاب والشركات ووسائل الاعلام والذمم والمكاتب الاستشارية الدولية، ومعاهد التخطيط الاستراتيجي الاقليمية والدولية، والمساهمة في تطعيم «لوبيات» النفوذ الدولية بحضور غب الطلب، مهما بلغت الكلفة... الصورة «السرية» غير المعلنة، كان ينقصها من يصدّقها من أصحاب المعرفة والذكاء والسوية الاخلاقية العادية.
المملكة الطاعنة، مالا ونفطا ونفوذاً، لم تكن مرة غير منحازة بفعالية جديرة بالتنويه، للنجاحات التي حصدتها في تاريخها، فظلت في منأى عن القلاقل والتغيرات والمخاطر والانقلابات وحتى التأثيرات، وعاشت داخل ستار حديدي ديني وهابي، أشاع الحرمان في الداخل، والحلال المتدفق أموالا وثروات، وجدت منتهاها في صناديق ومصارف وشركات تقيم اقامة دائمة، خارج السعودية، والدول العربية طبعاً.
المملكة الحكيمة، عرفت كيف تقيم توازنا بين مساعدة الفوضى حيث تدعو الحاجة، في مقابل استقرار داخل أسوار المملكة. أمنها من خارجها. داخلها مقبوض عليه. أما الخارج فقابض عداً ونقداً.
هذا الكلام بحاجة إلى ثبت مرجعي، إلى براهين توثق ما جاء أعلاه، استناداً إلى مواقع ومعارك ومليارات.
المملكة الطاعنة، دولة عسكرية أو دولة متعسكرة. تنفق على السلاح ما لا تنفقه دول في حلف «الناتو». فقد ارتقت بسرعة مذهلة إلى المرتبة العاشرة في منتصف التسعينيات، من حيث الانفاق العسكري، بعدما كانت في المرتبة الثالثة والثلاثين في الثمانينيات، أما بعد انهيار المصارف وأزمة الاقتصادات العالمية، فقد ارتقت لتصبح من الدول الأولى في الانفاق العسكري والأمني. ومخطئ من يظن ان السلاح كله للتكديس ولدعم شركات صناعة الحروب، فإن الانفاق المرتفع في السعودية ولعدد من دول مجلس التعاون الخليجي (المسالم طبعاً) يتجاوز التسلح في المستويات المحلية، لتمويل النشاطات العسكرية والأمنية على المستوى الاقليمي العام وعلى مستوى بؤر التوتر الدولية، التي لا تجرؤ دول الغرب على تمويلها أو الخوض فيها.
مموّل الحروب محارب أيضاً. وتثبت العقود الأخيرة، منذ حرب اليمن مع الجمهورية اليمنية المدعومة من جمال عبد الناصر، التي أخرجتها ثورة السلال من عصور الظلمات إلى العصر الحديث، ان السعودية، كانت تخوض حرب استنزاف، بكل ما أوتيت من مال وقوة وسلاح ونفوذ على المستوى الدولي. بالطبع، كانت تدافع عن نظام متخلف يشبهها أو تشبهه، سيّان.
موّلت «الكونترا» الرجعية في أميركا اللاتينية، موّلت الحركات الاسلامية في أفغانستان، إبان الجهاد الأفغاني ضد «الملحدين الشيوعيين»، فيما هي حرب أميركية ضد التدخل السوفياتي في بلد استنزف العالم في حروبه التي لم تتوقف. موّلت «الطالبان»، وبعض المنظمات التي تحولت إلى «القاعدة» التي ارتكبت مجزرة ١١ أيلول.
إضافة إلى نفقات الأمن الداخلي ونفقات التسلح، أنفقت دول مجلس التعاون الخليجي الست (ومن بينها السعودية) «نحو ٨٠ مليار دولار كمدفوعات نقدية وعينية، ثمن دعمها المباشر وغير المباشر لبغداد خلال الحرب العراقية ـ الايرانية التي دامت ثمانية أعوام». (عن «أمن الخليج»، لعبد الجليل زيد مرهون ـ دار النهار ـ ص٩٤).
وساهمت هذه الدول بنحو ٣٧ مليار دولار كمساهمة في المجهود الحربي لقوات التحالف ضد العراق (أموال مع العراق، وأموال ضده). وقد بلغت الكلفة الإجمالية لهذه الحرب على دول مجلس التعاون نحو ١٢٥ مليار دولار. ولقد كبدت هذه الحرب الدولية، المدعومة بأموال سعودية وخليجية، ما يقارب ١,٩٧ تريليون دولار، «وشكلت خسائر ايران منها ٦٤٤,٣ مليار دولار، وبلغت خسائر العراق ٤٥٢,٦ مليار دولار. (عصام الخفاجي ـ الاقتصاد العراقي بعد الحرب مع ايران. ص١٨٧).
وان هذه الخسائر لأكبر قوتين اقليميتين في الخليج «لم تكن لتبلغ هذه الأرقام لولا الامتداد الطويل للحرب العسكرية بينهما، وأن هذا الامتداد بدوره لم يكن ليحصل لولا الدعم الخليجي المالي واللوجستي المفتوح لبغداد».
السعودية محارب شرس بأموالها وجيوش الآخرين والمنظمات غير النظامية. كل عجز في الحرب كانت تسدد نفقاته السعودية أولا. ولأن الحروب تتوالد من الحروب، ومن الانفاق المستدام على نيرانها وأسلحتها وقتلاها، فقد عادت السعودية لتنفق مليارات اضافية طلباً للأمن بواسطة الدبابات والبوارج والمقاتلات على أرضها وعلى تخومها. وهكذا عادت بعد سنتين «لتنفق مئات المليارات الأخرى كدفوعات نقدية وكخسائر جراء الاجتياح العراقي للكويت وحرب الخليج الثانية».
لم يكن هذا الانفاق لحاجة أميركية أو لدعم صدام حسين، بقدر ما كان نتاج سياسة سعودية ـ خليجية، كانت ترى في شاه إيران، حليف الغرب، حليفاً اقليميا، ولو من موقع المنافس. فالشاه «حليف صديقي» إذاً هو صديق، فيما الآتون بعده، منافسون أعداء، وبموجب هذه النظرة وضعت استراتيجيات الحد من الحركات المناهضة للشاه، وانبرت السعودية لقيادة حركة مناهضة للاضرابات والاحتجاجات التي تكاثرت في أواخر السبعينات، أي، عندما بلغ الشاه خريفه السياسي، بعد سنوات القمع والاستبداد والعنجهية الاقليمية.
لماذا اندفعت السعودية «بتهور» لتسليح المعارضة السورية، وتحديداً قوى المعارضة المتعسكرة، وهي تدرك، وفق خبراتها العسكرية والأمنية ومساعداتها اللوجستية، ان موازين القوى، غير قادرة على وضع الخاتمة السعيدة أو التعيسة لهذه المعارك الدامية.
المملكة الطاعنة في الحروب إذاً، لم تخرج عن نهجها الايماني بقدرة السلاح على تنفيذ السياسات الخاصة بالسعودية، والسياسات الداعمة لأصدقائها. غير انها هذه المرة، تجرأت فوق عادتها... لعل ذلك يعود إلى خوفها المتزايد. إذاً، هي تحارب من أجل السعودية، وليس من أجل أي دولة أو معارضة.
انها خائفة من «الربيع العربي». هذا كابوس لكل سلطة استبدادية. وخوفها مبرر وتشعر به ويملي عليها سياسات متناقضة. انها خائفة من ربيع تونس، وقد أوت عندها الطاغية زين العابدين. وخائفة من ربيع مصر، وقد عملت المستحيل لإنقاذ حسني مبارك، وحاولت شراء انقاذه وبراءته وفشلت، وخائفة من «الاخوان» في مصر وتونس وقطر، لأن «الاخوان» ليست مشروعاً راغباً في ان تكون تحت عباءة عرش او سلطة. «الاخوان» مشروع سلطة كاملة، او مشاركة بسلطة من موقع القوة.
السعودية ليست في وارد مشاركة «الاخوان» عندها، او حتى «الوهابية». للحركات الاسلامية لدى السعودية وظيفة إلى جانب السلطة وليس في السلطة. العرش ملك آل سعود. وليس ملك آل «وهاب» أو آل «اخوان»... والمملكة خائفة من امتداد «الربيع العربي» إلى تخومها. ولما بلغ الحراك العربي البحرين، تبرعت السعودية «بدرع الجزيرة»، لتئد الحركة الاصلاحية، الراغبة في تحديث العرش البحريني، وجعله ديموقراطيا بنسبة شعبية... السعودية لا تسمح بذلك. لأن العدوى تنتقل بسرعة، والحالة السعودية المهترئة، تشكل قطب جذب للحراك من بوابة المنطقة الشرقية المؤهلة، بسبب حرمانها، ومن قلب السعودية الوهابي، حيث تحرك جيل من الشباب السني المطعم بليبرالية بالتقسيط.
والسعودية خائفة من جهة الجنوب كذلك. الحوثيون قاتلوها وغزوها. ولهؤلاء هوية دينية تلتقي في أحد اجتهاداتها، بالشيعة الايرانية. هذا الالتباس تفسره السعودية ضدها. ولا تطمئن إلى نفوذ إيراني في داخلها وعلى تخومها المتماسة بها ومعها.. والسعودية خائفة من انحراف النظام العراقي بقيادة المالكي، إلى جانب إيران وسوريا، بسبب تشيعه.
هذه الحلقات ليست متناثرة. انها تشكل جبهة ممانعة ناجحة تمتد من بلاد فارس إلى بلاد ما بين النهرين إلى بلاد الشام إلى تخوم ما بين البحر والنهر (فلسطين) مروراً بلبنان. هذه السلسلة الاستراتيجية المتنامية والمقاتلة للنفوذ الخارجي وللاحتلال الاسرائيلي، نقطة ضعفها راهنا، هي سوريا. إذاً، فلتكن المعركة فيها وعليها. فيها، عبر دعم المعارضة المسلحة، وعليها عبر جعل المعارضة الخارجية، أو «المجلس الوطني» خندقا تنتظم فيه القوى الاقليمية والدولية والمحلية، الراغبة في تغيير المسار السوري، اكثر من رغبتها في إسقاط النظام. معركة السعودية في سوريا، لإصابة إيران وتحرير لبنان «من حزب الله»، وتقطيع الأذرع الإيرانية في الخليج.
شُبه لها انها نجحت في البحرين، نجاحها العسكري مهدد باستعادة الحراك قواه ومواجهاته ببسالة. شبه لها انها فازت في اليمن. الاخبار عنه ومنه غير مطمئنة. يُحكى عن نفوذ ايراني مستجد هناك. شبه لها انها نجحت في تكتيل دول الخليج. أخبار القرضاوي والاخوان مقلقة. شبه لها انها فازت سابقاً في العراق، فلم يعد لها من نفوذ فيه، سوى لدى نائب رئيس العراق المتهم بالارهاب. شبه لها أنها تستطيع ان تكسب في لبنان، فخسرت آخر مواقعها، باخراج الحريري من السلطة وخروجه من لبنان.
علام تراهن السعودية بعد كل معاركها الفاشلة؟ وأي معركة عسكرية تريد من المعارضة ان تخوضها؟ مصادر مقربة جداً من مواقع خليجية تتخوف من تهور السعودية، لأن اندفاعتها إذا فشلت، قد تفقد الخليج استقراره الذي نعم به طوال عقود. مايكل نايتس المتخصص في الشؤون الأمنية العسكرية للعراق وإيران والدول الخليجية، يحذر من انخراط دول الخليج في العمل السري (العسكري) ضد سوريا، «لأن الصراع العراقي سيتداخل مع السوري في ظل وجود متمردين في البلدين اللذين يديرهما نظامان حليفان لإيران». ويحذر «واشنطن كذلك من انها إذا رغبت في دعم التدخل، فهي ستواجه مشكلة ردع دول الخليج عن تقديم المساعدة العسكرية للمعارضة السورية، وإذا أعطيت دول الخليج الضوء الأخضر للتحرك العسكري، فعلى هذه الدول ان تقدم ضمانات عالية للدول الغربية التي يهمها بالدرجة الأولى استقرار الدول الخليجية على المدى البعيد» (السفير: تقرير أميركي حول شروط حرب الخليجيين بالوكالة على سوريا. في ١٨ نيسان ٢٠١٢).
ومع التنبؤ بإمكانية انتقال العدوى إلى دول الخليج، وخاصة السعودية، تسعى المملكة الطاعنة في خوفها إلى جعل سوريا كوسوفو عربية. فإذا ما أقدمت على تسليح «الجيش الحر» بأسلحة قتالية نوعية، صاروخية ومضادة للدروع وسواها من الأسلحة القادرة على الحاق الأذى البالغ بالقوات النظامية السورية، فإنها تكون قد نجحت في دفع النظام إلى ارتكاب المزيد من القتل وتسعير الرأي العام الدولي ضد مجازر، حقيقية او مفبركة، يرتكبها النظام أو تلصق به... وانه من طبيعة المعارك بالأسلحة النوعية المتدفقة على المعارضة، ان يرتفع عدد القتلى والشهداء بالعشرات، وهذا ما لا طاقة للعالم على تحمله، ولا رهان على عدم تأثر روسيا والصين بإحراجاته الكبيرة.
السعودية تمتطي المعارضة، لحربها الخاصة، بهدف استدعاء العالم لحرب في «كوسوفو» العربية... لكن دون ذلك أوهام وحقائق، لأن سوريا هي ميدان المعركة العسكرية، وأي قصف من أي دولة، قد يقود إلى اشتعال الأرض العربية بنيران مختلفة، بعضها يصل إلى الخليج.
سوريا ليست كوسوفو. ولا تُسقط الأسلحة النظام السوري. بل تسقط سوريا في حروب داخلية لا خلاص منها إلا بعد استنزاف لقواها ووحدتها وقضيتها. وحدها، كما يؤكد معارضون سوريون منذ البداية، المقاومة السلمية، اللاطائفية، اللااتكالية على قوى خارجية، هي التي تسقط النظام او تجبره على التغيير والانتقال إلى سوريا الجديدة. أما المعارك المدعومة عسكريا من الخارج، فإنها تسقط سوريا وتبقي النظام حارساً للركام، وتجعل المعارضة، حفّار قبور.
المصدر :"السفير" - نصري الصايغ
رقم: 91265