تركيا بموقفها من سورية تفقد تأثيرها في الشارع العربي والإسلامي
الأزمة ستعصف بتركيا.. وقطر والسعودية عرضة لتغيير الجغرافيا السياسية
تنا - بيروت
3 May 2012 ساعة 23:56
تركيا بموقفها من سورية تفقد تأثيرها في الشارع العربي والإسلامي
يضحك الدبلوماسي الروسي كثيراً حينما يتحدث أمام زواره عن المعارضين اللبنانيين للنظام في سورية، لكن يستغرب كيف أن هؤلاء يواظبون منذ ما قبل نشوء الكيان عام ١٩٢٠، على السمسرة السياسية، التي غالباً ما يدفع اللبنانيون الفقراء المأخذون بالصيحات العصبية، سواء كانت سياسية أم طائفية، ثمنها دماً وخراباً، فيما زعماؤهم تزداد ثرواتهم وأرصدتهم.. وأيضاً قصورهم في الخارج.
إذا كانت هذه صورة عن النمط السياسي في "بلاد الأرز"، إلا أن معارضاً سورياً اسطنبولياً، يعبر عن خيبته ويأسه بعد متابعته المسلسل السياسي التركي الممل والطويل في استهداف النظام في سورية، فإذا بهذه المعارضات تصبح هي المسلسل بحد ذاتها، خصوصاً أن هذه المعارضات يتأكد كل يوم كم هي مفككة، وكم هي أصبحت دمى صغيرة في يد لعبة الأمم، التي كان حلمها ولا يزال تفكيك سورية.. أو بالأصح والأدق تفتيت كل بلاد الشام.
ونعود إلى المعارض السوري البائس واليائس، والذي يجد نفسه مجرد كومبارس في لعبة تركية – أميركية – خليجية، فيعبّر بشيء من القرف والخجل من نفسه أولاً قبل زملائه.. فيجد أن المال الذي يتساقط على رؤوس من يعتبرون أنفسهم معارضات من غليونيين وإخوانيين ومجالس تنسيق تحت أسماء مختلفة ومتنوعة، لم يعد يهمهم إلا أن يتساقط المال عليهم.. من دون أن ينسى التأكيد على أنه بالنسبة إليه حسم أمره بالبقاء بعيداً عن بلاد الياسمين، بعد أن ذهب بالعداء ضد بلده حتى النهاية، وهو الآن يسعى لتكريس مواطنيته الأميركية قبل أي شيء آخر، فقد ضمن شيخوخته ومستقبل عائلته بانتفاخ رصيده من المال القطري والسعودي.
تساق هذه الخبرية أمام الدبلوماسي الروسي، الذي يؤكد أن المعارضة - أو بالأدق المعارضات السورية - مفككة، رغم المحاولات التركية والخليجية والغربية لتوحيدها، وبالتالي فإن أدوات ووسائل الدعم متعددة الرؤوس والأوجه والمصالح والأطماع تنعكس على هذه المعارضات، التي هي بدورها متعددة الرؤوس والاتجاهات والمفاهيم والإيديولوجيات.. وهي إلى كل ذلك تتسم بأنانيات لم يشهد التاريخ السياسي مثيلاً لها في العالم، وهو ما يجعل مشيخة مثل قطر تتحكم بكثير من مفاصلها، ومهزوزاً مثل سعود الفيصل سيداً عليهم.
لكن ماذا يمكن لمهمة كوفي أنان أن تحقق؟ وماذا يمكن للمراقبين الدوليين أن ينجزوا؟ وماذا عن تقريرهم؟ وهل يمكن أن يكون ضد الدولة السورية؟.. يسأل الدبلوماسي المحنّك، وهل كان تقرير المراقبين العرب، رغم واقع جامعة الدول العربية، وفق ما تشتهيه الإرادة القطرية والسعودية؟ ويضيف سائلاً: إذا كان المخرّبون في سورية في زمن المراقبين العرب قد استفادوا من انتشار المراقبين العرب للتغلغل والتمركز في بعض المناطق، كـ"بابا عمرو" و"إدلب" وغيرهما.. فهل حسم تقريرهم التوجه التخريبي للمجموعات المسلحة وداعميهم؟ ثم هل نسبة احتمال التدخل الأجنبي في سورية في السابق كانت أقل من الآن؟ مؤكداً أن نسبتها عالية جداً، لكنها الآن معدومة تماماً، والدولة الوطنية السورية مدعومة بحلفائها الدوليين؛ روسيا والصين ودول البريكس وإيران، حسمتها قطعياً بأن "لا للتدخل العسكري في سورية".
ثم إن المراهنة كانت في السابق على انقسام في الجيش العربي السوري، لكن الحسم في "بابا عمرو" و"إدلب" و"ريف دمشق" أكد استحالة انقسام هذا الجيش، الذي يؤكد يوماً بعد آخر هويته القومية والوطنية كأحد الجيوش الكبرى التي تُعتبر صمام أمان لدولته الوطنية.
كما أن هذا الحسم والتجربة السورية على مرارتها أكدا استحالة أن تشهد سورية حرباً أهلية، بفعل التماسك الوطني الداخلي، وتماسك الجيش وقوى حفظ النظام، والدبلوماسية الرافعة، ليشدد على أن كل المال الخليجي والتدخل الغربي والأميركي لن يهزموا سورية التي يقود رئيسها حملة إصلاحية كبرى، لا تستطيع أي من دول المنطقة أن تقوم بها في ظل قياداتها المنبثقة من قرون العصر الحجري.
ويخلص هذا الدبلوماسي الخبير إلى التأكيد أن عام ٢٠١١ كان عام المواجهة، وعام ٢٠١٢ هو عام التفاوض، ومهمة كوفي أنان هي نتيجة تفاهم غايته وقف العنف، وبدء وضع الحلول التي باشرتها القيادة السورية منذ زمن طويل بالإصلاحات التي تُترجم على الأرض.
والسؤال الآن إذن:
ماذا تريد سورية من مهمة أنان؟
ماذا تريد المعارضات السورية؟
ماذا تريد أميركا والغرب والخليج؟
وماذا تريد روسيا والصين؟
مع مهمة المراقبين العرب، حسمت الدولة الوطنية في سورية الأحداث في ريف دمشق ودرعا وبابا عمرو وإدلب.. وبالتأكيد مع المراقبين الدوليين ستحسم بؤر التوتر، ولن يُسمح للمخربين بخلق "تورا بورا" في سورية.
ويلفت الدبلوماسي إلى ملاحظات أهمها: انتبهوا إلى ثرثرات التركي العالية.. هو يهدد بالتدخل لكنه سرعان ما يتراجع، مشترطاً أن يكون تحت قيادة الناتو، لكن أمين عام الناتو راسموسن يرفض التدخل العسكري بأي شكل من الأشكال.
وأكثر من ذلك، فإن باراك أوباما طلب من مساعديه إعادة قراءة وثيقة بيكر - هامتلون.. أي التفاوض مع إيران وسورية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة. وينبه إلى أن الأزمة تعصف في تركيا، لكن لديها أدوات التصحيح من خلال الآليات الديمقراطية، إنما ماذا بشأن قطر والسعودية؟
باختصار، تركيا بموقفها من سورية تفقد تأثيرها في الشارع العربي والإسلامي، والقيادة السياسية الحالية ستكون أمام الجدار والسقوط الحتمي، خصوصاً أن دعوات لتظاهرات مليونية في أنقرة بدأت تُطلق.
قطر والسعودية، كما يؤكد الدبلوماسي، سيكونان في عام ٢٠١٣ أمام تغيير الجغرافيا السياسية، ولأن أدوات الديمقراطية معدومة فيهما، فانتظروا الوضع المر.. لأن العالم العربي لم يعد يتحمل التخلف والرجعية.
أحمد زين الدين - "الثبات"
رقم: 93080