الولايات المتحدة الاميركية تنذر بحرب عالمبة ثالثة، وتستعد عسكرياً واستراتيجياً للأمر. البنتاغون يعلن عن بدء العمليات التجسسية لاستهداف الصين والجمهورية الاسلامية الايرانية.
أميركا تخطط لحرب عالمية
تنا - بيروت
7 May 2012 ساعة 22:41
الولايات المتحدة الاميركية تنذر بحرب عالمبة ثالثة، وتستعد عسكرياً واستراتيجياً للأمر. البنتاغون يعلن عن بدء العمليات التجسسية لاستهداف الصين والجمهورية الاسلامية الايرانية.
قبل أربعة أشهر ظهر بحث مطول على موقع «غلوبال ريسيرش» الالكتروني الاميركي تحت عنوان «عولمة الحرب: خريطة الطريق العسكرية الى الحرب العالمية الثالثة». وقد انقسم البحث المذكور الى عدة أجزاء، كان الجزء الأول منه تحت عنوان: «التصميم العسكري العالمي لـ «البنتاغون» تقسيم يهدف الى غزو العالم»، والجزء الثاني تحت عنوان: «الانتشار العسكري لقوات الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي يتم في مناطق عديدة من العالم في وقت واحد». وأما الجزء الثالث فحمل عنوان: «مفهوم الحرب الطويلة يميز المذهب العسكري الاميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية».
بدا البحث قريباً للغاية من كتابات الاستراتيجيين السوفيات قبل اكثر من عشرين عاماً ولمدة طويلة من زمن الاتحاد السوفياتي. ولهذا بدا يكرر مفاهيم قديمة كنا قد اعتقدنا انها انطوت بتفكك الاتحاد السوفياتي والنهاية التي ختمت وجوده.
ولكن تطورات الشهور الماضية تعيد الى الأذهان مفاهيم العسكرية الاميركية، وتجعل الاتهامات السوفياتية تبدو مبررة ومعقولة. بل إن هذه المفاهيم المتجددة تبدو مثيرة للفزع، خاصة أنها تأتي من كتاب اميركيين للشؤون الاستراتيجية، وأن هؤلاء الكتاب ابعد ما يكونون عن الشيوعية في اي صيغة من صيغها.
فما الجديد؟ أمران على درجة قصوى من الأهمية، أولهما ما اعلنه البنتاغون قبل ايام (بالتحديد في ٢٦ نيسان /ابريل الحالي) عن إنشاء وكالة جديدة للمخابرات العسكرية الاميركية باسم «خدمة الدفاع السرية». وأعلن «البنتاغون» ان الوكالة الجديدة ستنشر عدة مئات من ضباط المخابرات للقيام بعمليات تجسس موجهة الى اهداف تتعلق بحروب اميركية مستقبلية وتستهدف كلاً من الصين وإيران.
أما الامر الثاني فهو الجهد الهائل الذي تبذله الولايات المتحدة لتحويل حلف شمال الاطلسي الى حلف دولي، لا تقتصر مهامه الدفاعية او الهجومية على شمال الاطلسي من ناحيته الغربية حيث تقع الولايات المتحدة نفسها، او من ناحيته الشرقية حيث تقع اوروبا. فالواضح ان خطة توسيع نطاق المهام العسكرية للحلف لا تقتصر على مد مظلة الحلف لتشمل اوروبا الشرقية، انما تمتد لتشمل منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي وكل افريقيا و كل آسيا، بما فيها الصين وجنوب شرق آسيا التي تشمل فيتنام وماليزيا والفيلبين وأندونيسيا حتى استراليا، بل تمتد الى اميركا اللاتينية لتشمل القارة الاميركية الجنوبية بأكملها.
وقد عقد «حلف الاطلسي» في بروكسل مؤتمرا على مدى يومين حضره القادة العسكريون من خمسين دولة، اي ما يزيد على ربع دول العالم. كان الهدف المعلن للمؤتمر «بحث مستقبل افغانستان». ولكن الهدف غير المعلن الذي تسرب الى الاعلام الاميركي والاوروبي، ربما بصورة متعمدة من القيادة الاميركية للحلف، ارتبط باجتماع سابق عقد في بروكسل ايضاً في كانون الثاني/ يناير الماضي وحضره القادة العسكريون من ٦٧ دولة، وبالتالي كان «اكبر اجتماع لرؤساء اركان الحرب في تاريخ العالم كله». بالاضافة الى هذا، فإن اجتماعي القادة العسكريين كانا تمهيداً لاجتماع اكثر توسعاً لما يسمى «اللجنة العسكرية لحلف الناتو». وهذا الاجتماع مقرر عقده على مستوى رؤساء الاركان في مدينة شيكاغو الاميركية. وتفيد المعلومات المتاحة حتى الآن عن اجتماع «القمة العسكرية» هذا ان موضوعه الرئيسي سيكون دور حلف «الناتو» العسكري العالمي.
والدول التي سيمثلها في هذا المؤتمر رؤساء اركانها هي دول اميركا الشمالية واميركا الوسطى واميركا الجنوبية واوروبا والشرق الاوسط ودول القوقاز (الجمهوريات السوفياتية السابقة في وسط آسيا) وشمال شرق آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية) وجنوب شرق آسيا ودول جنوب المحيط الهادي. وقد تأكد ان الإمارات العربية المتحدة ستكون بين الحضور.
واذا عدنا الى التطور الاول الذي ذكرناه فإن صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت عن مسؤول عسكري اميركي قوله إن الهدف من إنشاء «خدمة الدفاع السرية» هو اعادة ترتيب العمليات البشرية المخابراتية لوزارة الدفاع الاميركية ككل، فضلاً عن تأمين وجود ضباط المخابرات الاميركيين في المواقع الصحيحة لمتابعة المتطلبات. والمسؤول العسكري نفسه لم يشأ ان يوضح ما يعنيه على وجه التحديد بهذه «المتطلبات».
ولكن الباحث الاستراتيجي الاميركي بيل فان اوكين قال إن من المرجح ان يكون هدف الوكالة الاميركية الجديدة للتجسس هو «إيران التي تنظر اليها واشنطن على انها عقبة لا يمكن احتمالها أمام مسعى الامبريالية الاميركية لتأكيد هيمنتها على المناطق المنتجة للطاقة ذات الاهمية الاسترايجية، مناطق الخليج وآسيا الوسطى».
وألمح الباحث الى ان «وكالة المخابرات الدفاعية الاميركية تركز أساساً على إمداد القادة الميدانيين خاصة في العراق وأفغانستان، إلا ان الخدمة الدفاعية السرية ستوجه فيما يبدو نحو الاستعداد لحروب لم تقع بعد».
معنى هذا أن إيران تقع في دائرة الاهتمام العسكري الاميركي، ليس فقط من زاوية التعهد الاميركي بالوقوف الى جانب إسرائيل اذا قررت هذه ان تنفذ تهديداتها بشن هجمات عسكرية على المنشآت النووية الايرانية.
وهنا ينبغي ان يؤخذ بعين الاعتبار ما ذكرته صحيفة «واشنطن تايمز» اليمينية الاتجاه في ٢٦ نيسان/ ابريل الفائت، من ان الادارة الاميركية تعتقد ان ايران تسعى لتشكيل «جيش قراصنة» بغرض استهداف «وحدات البنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة كمحطات توليد الكهرباء وشبكات المياه عبر هجمات على انظمة التشغيل بـ«الإنترنيت» حال نشوب مواجهات مستقبلية بين البلدين». وذكرت الصحيفة أيضاً أن لجنتي الامن الداخلي بمجلسي النواب والشيوخ الأميركيين عقدتا جلسة استماع مشتركة لمناقشة هذا الامر مع تصاعد المخاوف من طموحات نووية إيرانية وتوقعات بوجود عملية عسكرية وشيكة من جانب إسرائيل ضد ايران.
في الوقت نفسه كشف الجنرال بيني غانتز، رئيس اركان حرب الجيش الاسرائيلي، عما وصفه بأنه «إمكانية مشاركة دول اخرى مع اسرائيل في شن هجوم على المنشآت النووية الايرانية». وعقبت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية على هذا التصريح قائلة إن هذا التلميح يفيد بوجود ضوء اخضر من دول أخرى لمهاجمة ايران والبرنامج النووي الايراني المثير للجدل».
وعلى الرغم من ان رئيس الاركان "الاسرائيلي" رفض الإفصاح عن تلك الدول الاخرى واتخذت الصحيفة البريطانية الموقف نفسه، إلا أن أسماء دول مثل السعودية وقطر والامارات تتردد في مصادر إعلامية عديدة في الفترة الاخيرة باعتبارها دولاً تؤيد مهاجمة إيران وتبدي استعداداً للمشاركة في هذا الهجوم. وقد ورد ايضاً اسم جمهورية آذربيجان في آسيا الوسطى، عندما ذكرت صحافة الغرب منذ نحو اسبوعين، ان "اسرائيل" وأذربيجان وقعتا اتفاقاً عسكرياً بأن تستخدم طائرات "اسرائيل" اراضي هذه الدولة كقاعدة لشن الغارات على اهداف ايران المجاورة.
وفيما يتردد الحديث عن استعداد دول اخرى لمشاركة "اسرائيل" في مهاجمة ايران عسكرياً، فإن وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك رأى هذا الوقت مناسبا للتحذير من انضمام دول اخرى الى ايران في مجال التسابق على امتلاك القوة النووية. ولكن في هذا المجال لم يتردد الوزير الاسرائيلي في تحديد اسماء الدول الاخرى.
فقد حذر من انضمام مصر وتركيا لسباق التسلح النووي أسوة بإيران. وقال باراك، الذي كان يتحدث في ذكرى يوم الاستقلال "الاسرائيلي"، «إن التعامل مع هذا التصميم الايراني الذي قد تنتهجه مصر او تركيا امر معقد، غير ان التعامل مع هذا التحدي نفسه بعد حصول إيران على قدرة نووية عسكرية سيكون اكثر تعقيداً بشكل ملموس».
وذهبت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون الى اقصى مدى في تأكيد تأييد الولايات المتحدة ودعمها لـ«إسرائيل»، إذ اصدرت بياناً في يوم الاستقلال "الاسرائيلي" وصفت فيه أمن "اسرائيل" بأنه حجر الزاوية في السياسة الخارجية الاميركية في منطقة الشرق الاوسط، مؤكدة ان واشنطن وتل ابيب تجمعهما روابط عميقة تقوم على اساس المصالح والاحترام المتبادل.
وأضافت «ان علاقاتنا مع «اسرائيل» تزداد قوة يوماً بعد يوم، ونحن نعمل على تعزيز الامن الإقليمي وإنشاء شراكات اقتصادية جديدة وزيادة حجم التجارة البينية وتوسيع التعاون في مجال الطاقة... «اعلموا، وأنتم تحتفلون بعيد استقلالكم وسط التغييرات التي تجتاح المنطقة، ان الولايات المتحدة تقف معكم للحصول على فرص جديدة ومواجهة التحديات الصعبة وستواصل العمل معكم ومع جيرانكم لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الاوسط».
ويبقى سؤال لا يمكن الإفلات من الإجابة عليه «هل تستطيع الولايات المتحدة ان تستعد لعولمة الحرب، أي لإثارة حرب عالمية ثالثة - لتأكيد هيمنتها الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية على العالم - بينما هي عاجزة تماماً عن الخروج من مأزقها في حرب أفغاستان التي استمرت حتى الآن لنحو احد عشر عاما، من دون التوصل الى نتيجة حاسمة تمكنها من الخروج من هذه الورطة»؟
لعل الإجابة الوحيدة الممكنة على هذا السؤال هي ان الولايات المتحدة بصدد خطط حربية ضد الصين وفي الشرق الاوسط، لمساندة "إسرائيل" ضد إيران وتأمين سيطرتها على مصادر الطاقة النفطية لأجل غير مسمى، وفي اوروبا لفرض هيمنتها الاقتصادية، وبالمثل في اميركا اللاتينية، بسبب هذا العجز الواضح الملموس عن الخروج من مأزق الحرب «الصغيرة» في أفغانستان.
إن خطة الحرب العالمية الثالثة تهدف بالدرجة الاولى والاخيرة الى تأخير تراجع الولايات المتحدة الى مركز الدولة الثانية ـ بعد الصين ـ اقتصادياً واستراتيجياً، الامر الذي يتوقعه الاستراتيجيون الاميركيون انفسهم بحلول العام ٢٠٢٠. ولهذا فإن التقدير الاستراتيجي الاميركي يقوم على استخدام القوة الاميركية من الآن وقبل ان يحين وقت التراجع. والتقدير الاستراتيجي الاميركي يعتمد اعتمادا اساسيا على قوة حلف الاطلسي الموسع وليس على القوة الاميركية في حد ذاتها.
واذا اخذنا بوجهة النظر القائلة إن التغييرات الاخيرة في الشرق الاوسط ما هي إلا جزء من الخطة الاميركية فإن الصورة تصبح اكثر تعقيداً مما كانت في اي وقت.
ان اميركا تريد الخروج من الازمة بتكبير هذه الازمة.
والامر المؤكد ان "اسرائيل" هي الطرف الاوحد الذي يمكن ان يخوض هذه الحرب الاميركية عارفاً بتفصيلاتها من الألف الى الياء. مع ذلك فإن اميركا نفسها لا تبدو موحدة وراء هذا الهدف. انما يبدو لها ان مصلحة "إسرائيل" يمكن ان توحد الاميركيين وراءه. وهذه بدورها رؤية تنظر الى الخلف، فإن النظرة للأمام تؤكد ان تيارات قوية داخل المجتمع الاميركي لم تعد ترى تطابقاً بين مصالح اسرائيل ومصالح اميركا.
صحيفة السفير
الكاتب الساسي المصري: سمير كرم
رقم: 93594