تتنادى دول مجلس التعاون الخليجي إلى شكل من أشكال الاتحاد تجري المفاضلة فيه بين الفيدرالية والكونفيدرالية، تحت ذريعة «مواجهة الخطر الإيراني»، نائية بنفسها عن هموم «الإخوة الفقراء»
المشرق يتمزق بالحروب الأهلية .. ومجلس التعاون إلى اتحاد مذهّب
تنا
14 May 2012 ساعة 19:01
تتنادى دول مجلس التعاون الخليجي إلى شكل من أشكال الاتحاد تجري المفاضلة فيه بين الفيدرالية والكونفيدرالية، تحت ذريعة «مواجهة الخطر الإيراني»، نائية بنفسها عن هموم «الإخوة الفقراء»
بينما تتشلّع أقطار المشرق العربي وتتهدد كياناته السياسية الحروب الأهلية، تتنادى دول مجلس التعاون الخليجي إلى شكل من أشكال الاتحاد تجري المفاضلة فيه بين الفيدرالية والكونفيدرالية، تحت ذريعة «مواجهة الخطر الإيراني»، نائية بنفسها عن هموم «الإخوة الفقراء»، كما عن المؤسسات التي كانت ـ ذات يوم ـ حاضنة لآمال الأمة في الوحدة أو في التكامل عبر جامعة الدول العربية وما تفرّع منها وعنها من منظمات وهيئات ومجالس عسكرية واقتصادية وثقافية إلخ...
ولقد كشفت الاشتباكات الدموية التي تفجّرت في طرابلس خلال اليومين الماضيين، لأسباب ظاهرها أمني وباطنها احتقان سياسي (وطائفي) تجري تغذيته باستمرار، أن لبنان هو الآخر في دائرة الخطر، مهما اجتهدت حكومته، محاولة النأي بنفسها عن النار المستعرة في سوريا منذرة بتحوّل الصدام الدموي المفتوح بين النظام المتجبّر ومعارضيه المتعددي الانتماءات والولاءات إلى حرب أهلية تهدد الدولة ووحدة شعبها.
وصحيح أن الحكومة في لبنان حكومات تمنع كل منها الأخرى من الإنجاز فيتعطل القرار وتخرج الخلافات إلى الشارع، الذي صار شوارع لكل منها قيادته و«عسكره» ومصادر تمويله، فيزداد الانقسام حدة واتساعاً، ثم تأتي تأثيرات الوضع المتفجر في سوريا، فإذا الدولة العاجزة عن إقرار موازنتها لا تعرف كيف تواجه مسؤولياتها في الداخل، فكيف في الخارج حيث تحتدم الحروب العربية ـ العربية وسط رعاية إقليمية ودولية مؤثرة، تمنع المصالحة وتديم الاشتباك بوصفه مصلحة عليا للخارج.
كيف ينأى لبنان بنفسه ونيران الحريق في سوريا تلفّه من أقصى الشمال إلى أقصى الشرق، والشعب على طرفي الحدود تربطه شبكة من الأنساب والمصاهرات والمصالح الأهلية المشتركة (بعيداً عن الدولة)... هذا قبل أن تتفجر سوريا بحركة الاعتراض التي سرعان ما وجدت من يرعاها ويستضيف رموزها السياسية والمنشقين من عسكرها، ويموّل «الكتائب المسلحة» ويأتيها بمزيد من السلاح «النوعي» والذخائر من ليبيا... ثم يتخذ من طرابلس مرفأ لاستقبال هذه الشحنات القاتلة، وتحت راية إسلامية مشرّعة.
وطرابلس هي طرابلس الشام، في الأصل، وبغض النظر عن الولاءات والأنظمة والانتفاضات الشعبية المنادية بالتغيير...
يأتي سيناتور أميركي له مواقفه السياسية المعادية، فيذهب إلى الحدود الشمالية عبر طرابلس، «يتفقد» الأسر الهاربة من الحريق في سوريا، وكذلك المعارضون، مدنيين وعسكريين، الذين يفيدون من صلات القربى والتداخل في الحدود بين البلدين، فلا يجد من يسأله ـ رسمياً ـ عن الهدف من هذه الزيارة التفقدية... خصوصاً أنه لا يحمل المساعدات، غذاء وأدوية، ولا هو آت لنقل الجرحى، كالصليب الأحمر، ثم ينصرف مشيعاً بالإكرام، ومن دون أن يستوضحه أحد عن الهدف من زيارته التي سيسجلها النظام السوري على الحكم في بيروت من دون أن تكون مفيدة للبنان وحكومته التي شعارها النأي بالنفس عن... السياسة! فهل عرفت الحكومة بمن اتصل هذا الموفد العالي المقام، وماذا قال لمن التقاهم من خلفها أو من فوقها، لا فرق؟!
وتعلن دولتان خليجيتان، الأكبر والأصغر، والأغنى في الحالين، أنهما طرف في الحرب على النظام السوري، وأنهما تمولانها ومستعدتان لتزويد المعارضات بالسلاح... وتدخل تركيا الحرب على النظام، في حين تعلن روسيا والصين أنهما ستدعمانه وتحميان استمراره، مهما بلغت الأكلاف، في تجاوز واضح لموقف الدعم الإيراني المؤكد... ويكون مؤكداً أن لبنان سيكون بعض «الساحة السورية» التي باتت الآن مفتوحة لكل ريح.
وبعيداً عن الهموم اللبنانية الثقيلة، وعن مخاطر تفجّر سوريا بحرب أهلية مديدة، وعن التصدع الواضح في قمة السلطة في العراق والذي ينذر بتفجرات دموية قد تنتهي بنتائج مدمرة لوحدة الكيان السياسي فيه.
وبعيداً أيضاً عن تضاؤل الاهتمام بالقضية الفلسطينية، إلى حد تناسيها وإسقاطها من جدول أعمال النظام العربي، مما يجعل من العدو الإسرائيلي المرجعية السياسية الوحيدة، عملياً، لمنظمة التحرير، وبالتالي لكل ما يتصل بمستقبل الشعب الفلسطيني وحقوقه في أرضه، وبعض هذا الشعب في لبنان يشكو شيئاً من الاضطهاد الرسمي ومحاربته في رزقه، فضلاً عن كرامته.
بعيداً عن ذلك كله، يطل علينا اللقاء الاستثنائي لدول مجلس التعاون الخليجي تحت عنوان البحث في تحويل المجلس إلى اتحاد، وإن كان الرأي لم يستقر تماماً بعد على صيغته، وهل يكون فيدرالياً أو كونفيدرالياً.
وبرغم أن الذريعة المعلنة هي ردع الخطر الإيراني، إلا أن اللحظة السياسية، بإرهاصات التغيير التي تجتاح الأرض العربية مشرقاً ومغرباً، تعطي لهذا المشروع أبعاداً أخرى، قد يصلح شعار «النأي بالنفس عن العرب الفقراء» عنواناً لها...
وبين المبررات التي تُساق للترويج لفكرة الاتحاد ـ قبل مصادمة نظام البحرين لحركة المعارضة السلمية ـ أن دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تكون «قوة اقتصادية تتحكّم في أهم مصدر للطاقة في العالم، بناتج محلي إجمالي بلغ في العام ٢٠١١ أكثر من ١,٤ تريليون دولار، أي أكثر من نصف الاقتصاد العربي ككل... كون هذه الدول تمتلك نحو /٦٣٠/ مليار دولار من الاحتياطي النقدي الرسمي، ونحو تريليوني دولار من الاستثمارات الخارجية، تشمل موجودات الصناديق السيادية... إضافة إلى حجم المبادلات التجارية الذي يبلغ حالياً تريليون دولار مقابل ٢٦١ مليار دولار في العام ألفين، في الوقت الذي استقطبت هذه الدول استثمارات أجنبية قيمتها ٣٠٠ مليار دولار، وتصدّر ما لا يقل عن ١٥ مليون برميل من النفط يومياً.
(وهذه المعلومات مأخوذة بالحرف عن مصادر رسمية سعودية).
المصدر : "السفير" - طلال سلمان
رقم: 94485