لا يمكننا تصديق أن المناورة معزولة عن الشأن السوري، فالمناورة ما كانت لتكون لولا الاخفاق الاميركي في سورية، وهي جزء من خطة إنقاذ أميركا من هذا الاخفاق فهل ستحقق أميركا منها ما تصبو اليه؟
شارک :
أمين حطيط
عندما بدأت ١٩ دولة عربية وأجنبية بقيادة أميركية مناورات في الاردن تحت تسمية «الاسد المتأهب»، كان منطقياً ان يسارع الذهن الى البحث عن علاقة ما لتلك المناورات بما يجري في سورية. لكن المعنيين سارعوا الى النفي واستبعاد اي علاقة للتمرين العسكري الدولي المشترك هذا بالشأن السوري ؟ فأين الحقيقة وما خلفية المناورات واهدافها ؟
من المستقر عليه في العلم العسكري ان التدريب العملي المشترك اوما يسمى المناورة الميدانية، لا يلجأ اليه إلا طلبا لهدف محدد يتركز على الرغبة في اختبار التدريب النظري، اواختبار الللياقة العسكرية للقوى وتعاونها الميداني المنسق، اوالتحضير لعملية عسكرية مرتقبة . وفي ظل استبعاد الهدف الاول يبقى مهماً التوقف عند الأخيرين وهنا لا بد من اخذ الواقع السوري بالاعتبار بحثا عن تحديد ذلك.
اذ عندما انتقلت الى سورية شرارة ما سمي زورا بانه «ربيع عربي «، كان واضحاً ان الغرب بالقيادة الاميركية يسعى الى تعويض هزائمه خلال العقدين الاخرين، والانتقام من محور المقاومة والممانعة باسقاط سورية منه ليتمكن بعد ذلك من عزل حزب الله ومقاومته، وتطويق ايران ومحاصرتها ومنع اندفاع العراق باتجاهها وقطع الطريق على قيام قوس المقاومة والممانعة من ايران الى حدود فلسطين.
وقد استسهل الغرب القضية معتقداً انه سيجد في سورية نظاما واهناً – حسب تصوره -، ودولة تخلى عنها شعبها، وجيشاً ينوء بالاحمال والتعب، وبالتالي ستكون الخطة الهجومية مضمونة النتائج وان التخلص من النظام امر بات بذهن الغرب يقينياً، ولهذا وفي خلال اسابيع من اندلاع الشرارة وقبل ان يتبين الخيط الابيض من الاسود سارعت اميركا واتباعها وعملاؤها الى تنفيذ خطة متدرجة متسارعة «لاسقاط شرعية الحكم السوري» واخراج سورية من الجامعة العربية، ثم تعريضها لشتى انواع العقوبات الاقتصادية والسياسية.
وفي هذا الاطار كان المخطط واثقاً من نفسه جداً فحدد تاريخ السقوط المطلوب في أيار ثم عدل واعتمد شهر اب ٢٠١١ موعدا نهائيا لانتصار الحلف الصهيواميركي على سورية وبادوات عربية اسلامية.
لكن الميدان كذب المخطط وسفه أحلام أميركا وأتباعها، فجاءت النتائج والتداعيات كلها بعكس ما توقعوا، حيث ان الشعب السوري لم ينجرف بغوغاء ودهماء واعلام تحريضي، والجيش لم يبد الا كل تماسك وقوة وشجاعة في تحمل اعباء المهمات المطلوبة، والحكم أظهر من صلابة الاعصاب وهدوئها مع حكمة في القيادة ما جعل الخصم يتخبط في ذهول مطبق .
ثم كانت الصفعة الاستراتيجية الكبرى التي تشكلت بموقف روسيا والصين في مجلس الامن واستعمالهما الفيتو ضد مشروع قرار احتيالي رمى الغرب من خلاله الى التوطئة لتكرار التجربة الليبية لاسقاط سورية بالضربة العسكرية الاطلسية .
ومع ايلول ٢٠١١ بات الغرب متقيناً ان الرئيس بشار الأسد لن يسقط «بثورة ملونة اومعلبة اومزورة» تنفذها تظاهرات مدنية ملفقة لان الشعب باغلبيته يؤيده، وان ما سمي "جيش سورية الحر" هو خدعة لا تملك من القدرات ما يمكنها من اسقاط النظام بالقوة العسكرية الداخلية رغم امداده بعصابات ارهابية جاءت من اكثر من بلد عربي واسلامي، وان باب مجلس الامن لن يفتح مجددا امام الحلف الاطلسي للتدخل عسكرياً في سورية.
ولم يبق بيد الحلف الغربي الصهيوأميركي وادواته الاسلامو عربية الا العمل باستراتيجية الانتقام و التدمير من اجل زعزعة الامن والاستقرار ودفع الدولة الى الشلل والتعطيل الذي تتآكل معه قدراتها وتحضير البيئة بعدها لتدخل عسكري سلس ذي قاعدة دولية واسعة دون الحاجة الى قرار من مجلس الامن (الطريقة العراقية ) .
وهنا كانت وقاحة الادوات الاسلاموعربية بالدعوة الى تسليح المعارضة، ثم كان القرار الاميركي بتنظيم مناورة عسكرية للدول المعنية تنفذ على الساحة الاردنية من اجل الضغط على سورية اولاً ثم الاعداد للتدخل العسكري فيها بعد استنفاد مهمة انان الدولية دورها في كسب الوقت وتحضير البيئة .
وها هي المناورة تنفذ اليوم، بمشاركة ١٩ دولة وعلى مدار اسبوعين، بشكل يثير الملاحظات التالية :
تنقسم الدول المشاركة الى مجموعات اساسية ثلاث ويضاف اليها رابعة مختلطة ولكل منها دور محدد في الازمة السورية:
أولاً، مجموعة دول الجوار السوري والمشتركة بحدود برية معها ( تركيا، العراق، الاردن، لبنان ) ويعول عليها في مسألة الحصار المفترض مستقبلاً اثناء العملية وتقديم اراضيها ممرات عبور الى سورية تحتاجها القوى المتدخلة.
ثانياً، مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي ( السعودية، الامارات العربية، البحرين، قطر، الكويت ) ويعول عليها بشكل اساس في المسائل المالية والاعلامية فضلاً عن تشكيل الغطاء العربي للعملية باشراك بعض التشكيلات العسكرية منها.
ثالثاً، المجموعة الاطلسية ( الولايات المتحدة الاميركية، بريطانيا، فرنسا، ايطاليا واسبانيا ) وهي الاساس في العملية قيادة سياسية وقوة عسكرية تعمل باسم الناتو.
وأخيراً، المجموعة المختلطة المتنوعة ( مصر، باكستان، استراليا، اوكرانيا، بروناي ) ووظيفتها الاساسية اعطاء البعد الدولي والاسلامي والعربي للعملية، فضلا عن تمويه المقاصد الاولية لها.
اما من حيث الطموحات وغايات المناورة اميركياً فيمكن ان نذكر :
توجيه رسالة ضغط الى سورية مفادها أن هناك تحضيراً دولياً ما، للعمل العسكري بعد الفرصة الاخيرة المعطاة لمهمة انان ( والتي لم يصدق احد من دول المناورة بانها ستنجح لا بل ان الاساسيين منهم نعوا المهمة الدولية قبل بدئها) .
بالإضافة إلى تمكين الدول المشاركة من بناء منظومة تعاون عسكري وتمرس الاطراف على ادوارهم المستقبلية فيها .
و التحضير العسكري الجدي للتدخل في الازمة السورية بعد مهمة انان (المحكومة بالفشل برأيهم) وفقا لما يؤول اليه الوضع كما يلي :
- في حال الحاجة الى التدخل العسكري المباشر من الخارج، ونضوج البيئة الدولية الملائمة له، تكون القوى قد اعدت وتحضرت للعمل الميداني السريع والناجح لإسقاط النظام في سورية بالقوة، كما اسقط النظام الليبي.
-في حال نجاح المسار الارهابي - الاجرامي القائم حاليا في اجبار الدولة السورية على الانكفاء والتآكل والسقوط التلقائي، تكون هذه المنظومة جاهزة للتدخل ومسك الامور وبناء الواقع كما يناسبها .
- في حال صمود سورية (وهوالارجح في ظل ما هو قائم من معطيات) وتعذر التدخل الاجنبي العسكري فيها، تكون هذه القوى قد تآلفت وتوزعت الادوار من اجل امداد الحالات الارهابية السورية بالوقود اللازم لمنع استعادة الاستقرار وكسب الوقت لسنتين اضافيتين في ظل ذاك الواقع.
اما الاهداف الاضافية التي تصبو المناورة لتحقيقها، ففضلا عما ذكر عسكرياً يبدو لافتاً ادراج مسائل التعامل مع اللاجئين ونقل السكان، وفي هذا تأكيد مباشر آخر على الغايات المضمرة حول مسائل التغيير الديمغرافي الذي يروج له وتحريك المدنيين اخلاء واجلاء كما حصل مع مسيحي العراق، وتهجير بعض الاحياء والقرى المسيحية في سورية على يد التكفيريين ونتساءل هنا عن الاهتمام الجدي للغرب بالسير قدما في عمليات الفرز السكاني والتهجير، ونتذكر كيف اختلقت مسألة لاجئين سوريين قبل ان يخرج احد من منزله, وكيف نصبت تركيا الخيم للاجئين مرتقبين ؟ ثم منعت من جاء اليها من العودة الى دياره .
وملاحظة اخيرة لا بد من تسجيلها حول مشاركة لبنان والعراق في هذه المناورات وهما البلدان اللذان يتنافى موقفهما المعلن من الازمة السورية والاهداف الحقيقة لتلك المناورات.
ما يطرح السؤال عما اذا كان تغيير ما في الشأن هذا، وهنا قد نسمع تبرير المشاركة بالاضطرار اليها حتى لا يعزل احدهما نفسه عن حدث اقليمي عسكري وامني مهم، اوحتى لا يقطع الصلة باميركا خاصة انه يعول على علاقات عسكرية معينة معها، ولكننا لا يمكن ان نتصور اي تغيير في الموقف من سورية لاعتبارات ذاتية وموضوعية تتعلق بالقائمين على القرار في تلك الدول وظروف دولهم .
لكل هذه الاسباب لا يمكننا ان نصدق من قال إن المناورة معزولة عن الشأن السوري، فالمناورة برأينا ما كانت لتكون لولا الاخفاق الاميركي في سورية، وهي جزئية من خطة انقاذ اميركا من هذا الاخفاق فهل ستحقق اميركا منها ما تصبو اليه؟
للاجابة هنا لن نعيد ما رددناه كثيرا حول استحالة التدخل العسكري الاجنبي في سورية، كما اننا لا نرى فرصا للارهاب في تحقيق اهدافه، انما يبقى الخطر من هذه الخطط والمؤامرات متمثلا في ابقاء الاجواء العامة في المنطقة موسومة بعدم الاستقرار ما يسبب للناس المعاناة، معاناة يأمر بها الاجنبي وينفذها العربي والاسلامي ويكون الضحية عربياً اومسلماً او انساناً بريئاً، ولكنها معاناة لن تغير النتيجة المتمثلة بهزيمة أميركية أخرى. أمين حطيط