في تاريخ الصراعات والأزمات في الشرق الأوسط، لطالما كانت الغلبة للسياسة على حساب المصالح الاقتصادية، وهو ما لن يكون استثناء في ملف التنقيب عن الغاز، المرشّح للاحتدام بين إسرائيل ولبنان، مع ما يُحكى عن احتمال "وارد جدا" لجهة اكتشاف حقل متداخل بين المناطق الاقتصادية الإسرائيلية واللبنانية، يمتد إلى المياه الإقليمية القبرصية.
على هذا الاحتمال، تبني الأستاذة في جامعة "هارفرد" ميغان سوليفان مقاربتين ترى أنهما سيحكمان المشهد المقبل وفق السياسة التي ستقرّر الأطراف المعنية انتهاجها.
في المقاربة الأولى، حسب سوليفان التي عملت نائبة لمستشار الأمن القومي في عهد جورج بوش، ستصر تركيا على عدم تطوير الحقل قبل أن تحل مشكلة قبرص المنقسمة، في حين سيهدّد "حزب الله" باللجوء إلى العمل العسكري إزاء ما يراه محاولة إسرائيلية للتحكم بالموارد الطبيعية اللبنانية. أما أميركا فستجد نفسها منقسمة في اتجاهين بين تركيا، حليفتها في "الناتو"، وإسرائيل.
في هذا السياق، يكون خيار"السياسة قبل الاقتصاد" هو الأول الذي يقضي بحلّ الصراعات في المنطقة قبل الدخول في مجال تطوير حقول النفط. وهذا النموذج يفترض أنه من غير المرجح أن تقوم الشركات باستثمار مليارات الدولارات في حالة من عدم الاستقرار السياسي الحاد، كما أن عمليات الحفر قد تواجه تهديدات صاروخية من "حزب الله"، وعليه سيبقى استغلال الموارد مجمداً لسنوات طويلة من دون أن يعود ذلك بالإفادة على أي طرف، كما في حالة بحر قزوين.. أضف إلى ذلك أن التركيبة المعقدة لاستخراج الغاز، والتي تتطلّب رأس مال ضخم فضلاً عن بنية تحتية مثل خطوط الأنابيب ومنشآت الغاز الطبيعي المسال تعني أن هناك العديد من الأهداف المعرّضة للتخريب.
بناء على هذا الطرح، ترى سوليفان أن التفاؤل يقضي بتوقع أن يحصل الاستثناء هذه المرة، ويدفع الغاز، بما يقدمه من وفرة اقتصادية، باتجاه حلّ الأزمات العالقة. لبنان وإسرائيل اليوم هما في حالة حرب باردة، وهذا الخيار قد يدفع باتجاه الاتفاق على الحدود البحرية وآلية اقتسام استثمار وتسويق الغاز، كما قد يدفع أميركا إلى التوسط في أزمات الشرق الأوسط.
أما المقاربة الثانية، فهي تندرج تحت عنوان "الاتفاق على عدم الاتفاق"، حيث سيكون هناك لجوء إلى الحلول والتسويات الجزئية (عبر وسطاء)، بدل الحلّ الشامل لمجمل النزاعات الإقليمية والسياسية. فكل من لبنان وإسرائيل، كما قبرص، يمكن أن يختار اتفاقاً محدوداً، حيث يحافظ كل طرف على مطالبه، لكنه يوافق على الشروع بالتنقيب عن الغاز والنفط بعد وضع المبادئ التوجيهية للعمل، وتأجيل القرار السياسي في القضايا الكبرى إلى وقت لاحق.
ولتدعيم فكرتها، تستعيد سوليفان نماذج شهدت حلاً مشابهاً. ففي العام ١٩٧٩، اتفقت كل من ماليزيا وتايلاند على صفقة استغلال موارد الجرف القاري، في وقت حيدتا "مسألة ترسيم الحدود في خليج تايلاند لمدة ٥٠ عاماً". حتى في الشرق الأوسط هناك بعض النماذج السابقة، كما في العام ١٩٧١، عندما اتفقت كل من إيران والإمارات، المتخاصمتين على جزيرة أبو موسى، على وضع خطة لتنمية الموارد المشتركة، مع التوضيح أن الاتفاقية ليست اعترافاً من أي طرف بالتنازل عن حقه في الجزيرة أو اعتراف بشرعية مطالب الآخر.
هيفاء زعيتر - "السفير"