ما أن يفشل الحكم البحريني في أسلوب من أساليبه لإخماد الثورة الشعبية السلمية والهرب من استحقاق الاستجابة لمطالب الشعب بالإصلاح والعدالة، حتى يسارع إلى ابتكار وسائل جديدة في إصرار وإمعان منه على مواصلة سياسته الهادفة إلى خنق الثورة.
فبعد أن وجد أن استراتيجيته الأمنية القمعية غير كافية، وأن محاولة شق صفوف الشعب عبر الفتنة المذهبية لم تنجح، قرر الحكم الملكي تغذية هذه الاستراتيجية بعناصر جديدة تقوم على:
١ ـ اعتماد سياسة العقاب الجماعي التي تشمل الاعتقال التعسفي، والمحاكمات السياسية، والطرد من الوظيفة، والتطهير الطائفي في وزارات الدولة ومؤسساتها بهدف ضرب النسيج الاجتماعي، والنيل من الوحدة الوطنية التي تتجلى في الثورة، ومحاولة مذهبتها، وإيجاد قاعدة اجتماعية مذهبية للحكم الملكي تخرجه من أتون العزلة الشعبية الخانقة التي يعاني منها على نحو غير مسبوق.
٢ ـ استقواء نظام الحكم بالمظلة الأمنية السعودية التي يوفرها له الاتحاد الأمني بين السعودية والبحرين.
٣ ـ زيادة الاعتماد على المرتزقة في الجيش وقوات الأمن لقمع الثورة.
٤ـ العمل على استدراج الثورة لفخ اللجوء إلى العنف رداً على عنف السلطة، وبالتالي دفعها إلى مغادرة ساحة النضال السلمي الذي يعري السلطة، وتوفير الغطاء لها لسحق الثورة عبر تنظيم أوسع عملية اعتقال لقادتها ورموزها وكوادرها، على غرار ما فعل "بينوشيه" في تشيلي ضد الثورة السلمية التي قادها الليندي وأوصلته إلى مقر الرئاسة، حيث قام بأكبر عملية تصفية لقادتها وأنصارها وأعاد تثبيت نظام الحكم الاستبدادي القمعي، ومنع التغيير السياسي والاقتصادي، والاجتماعي.
ومثل هذه الاستراتيجية تظهر بوضوح من خلال الممارسات التعسفية والإرهابية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية للقضاء على الثورة.
غير أنه بدا من الواضح أن قيادة الثورة أدركت الأبعاد الخطيرة لهذه الاستراتيجية التي ينفذها نظام الحكم، ويستهدف من ورائها إفراغ الثورة من قادتها والمراهنة على تعب الشعب، وعمدت إلى وضع استراتيجية مقابلة لإحباطها وضمان الحفاظ على استمرار الثورة وصولاً إلى تحقيق أهدافها.
وهذه الاستراتيجية تستند إلى:
١ ـ الإصرار على رفض الانجرار إلى ممارسة العنف، والتمسك بالطابع السلمي للثورة، وعدم التهور والوقوع في الشرك الذي تنصبه السلطة للثورة.
٢ ـ رفض الاتحاد الأمني مع السعودية باعتباره اتحاداً فوقياً لا يخدم مصلحة الشعب، وإنما مصلحة الحكام في البلدين لمنع الإصلاح وتحقيق العدالة.
٣ ـ توثيق الانتهاكات التي ترتكبها أجهزة السلطة ضد حقوق الإنسان والعمل على فضحها وتعريتها في المؤسسات الدولية، وهو ما أثمر أخيراً إدانة لهذه الانتهاكات من قبل ٦٠ دولة في اجتماع مجلس حقوق الإنسان في جنيف طالبت السلطة البحرينية بإعادة حساباتها وتحسين حقوق الإنسان.
٤ ـ الصمود وعدم الخنوع، أو التراجع بمواصلة الثورة لتحقيق الإصلاح والعدالة.
وكان لافتاً وعي قادة الثورة على اختلاف انتماءاتهم لاستراتيجية نظام الحكم لسحق الثورة، من خلال الشعارات التي رفعوها أخيراً والتي ركزت على رفض اللجوء إلى العنف وعدم التراجع عن الإصلاح والمطالبة بالحرية وحقوق المواطنة الكاملة، وأن يكون الشعب هو مصدر السلطات.
إن مثل هذا النهج الذي تعتمده قيادة الثورة يؤدي إلى إحباط مخطط نظام الحكم، وتعرية وفضح العنف الدموي الذي يقوم به، ويزيد من عزلته ومأزقه في الداخل والخارج، ويكسب الثورة التأييد والدعم الذي تحتاجه في معركة الحق والعدالة.
المصدر:"الثبات" - حسين عطوي