في ظل الصمت العربي والدولي الكبير على ما يحدث في المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس؛ من أعمال تهويدية صهيونية، تهدف لمحو الطابع العربي والإسلامي عن المدينة ، كان لمجلة "القدس" الحوار التالي مع الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي - قاضي قضاة فلسطين، وأمين سر الهيئة الإسلامية بالقدس - لتسليط الضوء على ما يحدث في مدينة القدس والمسجد الأقصى، ولمعرفة ما هو مطلوب عربيًا وإسلاميًا ودوليًا لحماية القدس قبل فوات الأوان. المقدسة والتوسع في أعمال الاستيطان .
- كيف ترون عملية الاقتحامات الصهيونية المتكررة لباحات المسجد الأقصى المبارك؟
الاقتحامات الصهيونية للمسجد الأقصى المبارك، أصبحت تنفذ الآن يوميًا من ناحية باب المغاربة، وتشارك فيها الجماعات والأحزاب اليهودية المتطرفة، والتي يتكون منها ائتلاف حكومة نتنياهو، وبقرار منه مباشرة وبدعم من الكنيست الإسرائيلي، الذي يناقش حاليًا مشروعات قوانين لشرعنة هذه الاقتحامات التي يرافقها أداء الصلوات التلمودية في ساحاته.
وبالطبع تهدف هذه الاقتحامات على هذا النحو إلى تنفيذ مخطط تقسيم المسجد زمانيًا ومكانيًا، كما فعل الاحتلال في المسجد الإبراهيمي الشريف في الخليل بعد المجزرة البشعة التي ارتكبت ضد المصلين في صلاة فجر يوم الجمعة عام 1994م، الذي وافق الخامس عشر من شهر رمضان المبارك.
وهذه الاقتحامات الصهيونية المتكررة، هي مرحلة أولى نحو هدم المسجد الأقصى المبارك؛ لإقامة الهيكل المزعوم في مكانه، ولتصبح منطقة الحرم القدسي معبدًا يهوديًا، وصولًا إلى تهويد مدينة القدس بشكل كامل وتغيير مشهدها الحضاري بطمس معالمها العربية والإسلامية، وتغيير هويتها لتظهر أمام العالم، وكأنها مدينة يهودية في عملية تزوير إجرامية للتاريخ لا مثيل لها.
- ما هي التحركات التي تتخذونها لمقاومة هذه الاقتحامات الصهيونية؟
نسعى بكل ما أوتينا من قوة لوقف هذه الاقتحامات ومواجهتها والحد من خطورتها، وذلك عبر عدة إجراءات، منها:
* حشد المرابطين والمعتكفين والمصلين لمواجهة هذه الاقتحامات الصهيونية ومحاولة إفشالها.
* إرسال المذكرات إلى كافة الجهات العربية والإسلامية والدولية؛ لحثهم على القيام بدورهم لمنع هذه الاقتحامات والانتهاكات ضد المسجد الأقصى المبارك، ووقف مخططات تهويد مدينة القدس ومصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات عليها وتهجير أصحاب البيوت منها.
* توزيع بيانات على وسائل الإعلام المتعددة وعقد المؤتمرات الصحفية، والمشاركة في مؤتمرات محلية وإقليمية ودولية؛ لفضح ممارسات الاحتلال ضد المدينة المقدسة وضد أهلها ومقدساتها، ولبيان مكانتها العقدية والحضارية والإنسانية، وبالأخص في عقيدة الأمة الإسلامية.
- هناك أعمال تهويدية في باب الحديد أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، لو تطلعنا أكثر على هذه الأعمال التهويدية، وما الهدف من ورائها؟
هناك أكثر من مئة بؤرة استيطانية في البلدة القديمة من القدس المحتلة، والتي تبلغ مساحتها كيلو متر مربع واحد فقط، والتي تضم المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة وغيرهما، من المباني والعمائر التاريخية والأثرية، وفي كل مستوطنة يوجد كنيس يهودي، ويسعى الصهاينة لبناء مستوطنة في باب الحديد والاستيلاء على العقارات الوقفية ومصادرة المساكن الفلسطينية فيها وطرد أهلها الأصليين منها.
- يعتزم الاحتلال تنفيذ مجمع (كدام) في محيط المسجد الأقصى المبارك، كيف ترون هذا المخطط؟
مجمع (كدام) الذي قرر الكيان الصهيوني، إقامته مدعيًا أنه مجمع سياحي للتغطية على حقيقة كونه مشروعًا تهويديًا، يتألف المجمع من سبعة طوابق على مساحة ثلاثة آلاف متر مربع - يشمل كنيسًا ومدارس تلمودية ومتحفًا للتراث اليهودي، يضاف إليها ثلاثة طوابق تحت الأرض، ومركزًا للتوراة ونفقًا للوصول إلى ساحة البراق وعين سلوان والبلدة القديمة، ويضم موقفًا للسيارات، ومركزًا سياحيًا وتجاريًا بمساحة 17 ألف متر. هذا المجمّع الذي سيحوّل محيط المسجد الأقصى المبارك من جهة سلوان، وساحة البراق، وأكثر من 20% من ساحة المسجد من جهة باب المغاربة إلى معبد يهودي كبير، وهذا سيسهم في تهويد المسجد الأقصى المبارك من الجهتين الغربية والجنوبية.
يضاف إلى ذلك أن جميع البنايات الخاصة بهذا المجمع ستكون أجزاء هذا المعبد اليهودي المتوقع بما فيها المساحة المراد اقتطاعها من المسجد الأقصى المبارك.
- ماذا تقول للسلطة الفلسطينية والقادة العرب والمسلمين؟
أقول للسلطة الفلسطينية (وفصائل العمل الوطني)، يجب عليكم التالي:
* وقف المفاوضات والتنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني.
* إنهاء حالة الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية على أساس الاتفاقيات الموقعة.
* توحيد الشعب الفلسطيني على برنامج وطني لإنهاء الاحتلال.
* الترفع عن المصالح الحزبية الفئوية وجعل مصلحة الشعب الفلسطيني هي المصلحة العليا والقضية الفلسطينية هي الهدف والغاية الأسمى.
وبالنسبة للقادة العرب أقول لهم: إن صمتكم يشجع الكيان الصهيوني على المضي قدمًا في تنفيذ مخططاتها الصهيونية الخبيثة؛ لتصفية القضية الفلسطينية، وتهويد مدينة القدس، وعليكم حشد جميع القوى المادية والبشرية لإنقاذ القدس، ففريضة الوقت تجعل الدفاع عن القدس بالنفس والمال والكلمة من أوجب الواجبات المفروضة على العرب والمسلمين.
وأقول للأمة الإسلامية قاطبة:
* أرض فلسطين ومدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، كانوا محور معجزة الإسراء والمعراج، وبالتالي فهذه الأرض ليست للفلسطينيين وحدهم، وإنما هي للأمة الإسلامية بأسرها؛ لأنها جزء من عقيدة أبنائها.
* إن ضياع المسجد الأقصى المبارك الذي ارتبط بالمسجد الحرام في مكة المكرمة مقدمة لهو ضياع باقي المقدسات، والتفريط في المسجد الأقصى المبارك هو تفريط فيها.
* إن العمل على تحرير المسجد الأقصى المبارك والدفاع عنه، هو حفاظ على كل المقدسات الإسلامية واسترجاع لكرامة وشرف كل العرب والمسلمين.
وفي هذا الإطار، أؤكد أن العالم عليه مسؤولية أخلاقية تتطلب منه الضغط على الكيان الصهيوني بشتى الوسائل لوقف إرهابه المنظم الذي يشنه ضد الشعب الفلسطيني، وعدم تمكينه من تحقيق أهدافه بخلق توتر دائم في المنطقة من خلال استفزاز مشاعر الأمة الإسلامية الدينية والمساس بمقدساتها ورموزها الدينية، وبإثارة كل ما يؤدي إلى إشعال الحرب الدينية في العالم ويهدد الأمن والسلم الدوليين.
- دأب الاحتلال الصهيوني على إغلاق المؤسسات المقدسية في الآونة الأخيرة، بنظركم ما الهدف الذي يرمي إليه الاحتلال من وراء هذا الإغلاق؟
يأتي إغلاق المؤسسات المقدسية في إطار تهويد مدينة القدس وقطع صلتها بهويتها وانتمائها الفلسطيني، وجزءًا من عملية التطهير العرقي التي تمارس ضد كل ما هو عربي وإسلامي فيها، وتهدف إلى تكميم أفواه الشخصيات الدينية والوطنية في الدفاع عنها، ولحرمان أهلها من الخدمات التي تدعم صمودهم ولمحاربتهم في أرزاقهم وأقواتهم لتهجيرهم منها قسرًا، ولتنفيذ مخطط 20/20، الذي يسعى إلى زيادة عدد سكان القدس من اليهود إلى مليون من غلاة المتطرفين على حساب أبناء القدس الأصليين ومؤسساتها.
- هناك دعوات لحاخامات اليهود لإصدار فتوى للصلاة فى المسجد الأقصى المبارك، هل يمكن أن تستجيب حكومة الاحتلال لمثل هذه الدعوات؟
هناك مشروعات قوانين مقدمة من أحزاب يهودية للكنيست لإصدار قوانين تمكن الحاخامات من الصلاة في ساحات المسجد الأقصى المبارك، وتقف الحكومة الصهيونية وراء ذلك، على الرغم من أن الحاخامات الأصوليين يحرمون دخوله كما صرح بعضهم مؤخرًا بقوله: [نحن نقتحم المسجد الأقصى ليس لأهداف دينية، وإنما لتنفيذ أوامر الموساد والحكومة الإسرائيلية؛ تحقيقًا لمكاسب سياسية وتهويد القدس].
- هل ترى أن جذوة الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك ونصرته قد خفت مع انشغال العالم العربي والإسلامي بالثورات في الوطن العربي؟
نعم، للأسف الشديد الكل يتهرب من القيام بواجبه في نصرة المسجد الأقصى المبارك لأسباب كثيرة، منها عدم إغضاب الكيان الصهيوني لنيل رضا أميركا، والحفاظ على المصالح الشخصية والحزبية، والخوف من ملاحقة المؤسسات الصهيونية، وهي للأسف كثيرة في أوطاننا العربية.
ويجب على الجميع أن يعلم أن المسجد الأقصى المبارك، هو رمز وحدة وقوة ومجد الأمة الإسلامية، ما دام في حوزتها، أما إذا وقع تحت الاحتلال؛ فإنها تكون في ضعف وانكسار وانهزام، هذا ما فهمه السلف الصالح من قادة الفتح الإسلامي وأبناء الأمة الإسلامية، فكانوا يهبون لنصرته وتحريره كلما وقع تحت الاحتلال، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك، فالمسجد الأقصى المبارك خير من يوحد الأمة، ويلملم شتاتها وينفض عنها غبار الذل والهوان، إذا ما توفرت لديها الإرادة، فهي تملك الإمكانيات المادية والبشرية الكثيرة لتحريره.