على هامش اعمال المؤتمر السابع للوحدة الاسلامية والانشطة المصاحبة له، الذي عقد بالعاصمة البريطانية في الفترة من ١٨ – ٢٠ حزيران/يونيو ، أجرى مراسل وكالة أنباء التقريب (تنا) في لندن، حواراً مع سماحة آية الله الشيخ محسن الأراكي، الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، حاول من خلاله تسليط الضوء على أفاق مسيرة التقريب و التحديات التي تعترضها ، لا سيما في ظل الاوضاع الراهنة التي تعصف بالعالم الاسلامي و تنامي الارهاب التكفيري بنحو ينذر بأوضاع لا تحمد عقباها ؛ و فيما يلي أبرز ما جاء في هذا الحوار :
في معرض تقيمه لما استطاع مجمع التقريب تحقيقه حتى الآن ، خاصة بعد تسلم مسؤولية الامانة العامة للمجمع ، أوضح آية الله الشيخ الأراكي ان انشطة مجمع التقريب تتمحور حول ثلاث اهداف رئيسية :
١- مجال الابحاث و التنظير .
٢- اشاعة و تعميم حوار التقريب في العالم الاسلامي .
٣- ارساء دبلوماسية وحدة العالم الاسلامي تمهيداً لتشكيل الامة الواحدة.
ولفت سماحته الى ان "الامام الخامنئي وخلال تسليمه اياي مسؤولية الامانة العامة للمجمع، اكد على ضرورة متابعة هذه المحاور، حيث يتسنى تحقيق الهدف الثالث عن طريق الانشطة الميدانية و المشاريع العملية . و بناء على ذلك استطعنا انجاز مهام كثيرة في كافة المجالات"
وتابع اية الله الاراكي: فيما يتعلق بالبحوث و الدراسات، فقد تم انجاز الكثير من الانشطة ، سواء في عهد آية الله واعظ زاده و كذلك في عهد آية الله التسخيري ، فضلاً عن الاعمال القيمة و الكثيرة التي تم انجازها خلال السنوات الأخيرة . و الشىء نفسه ينطبق على الهدف الثالث ألا و هو دبلوماسية التقريب و الوحدة ، ففيما يخص الميدان العملي و محاولة تمهيد الارضية لوحدة الامة الاسلامية ، خاصة في ظل الظروف الراهنة حيث نواجه تحديات جديدة ، فأن تحركاتنا تتمركز في جانبين : ١- التصدي لمحاولات إثارة التفرقة ٢- تعزيز تضامن الامة الاسلامية و ترسيخ وحدتها ، و التركيز على الانشطة المشتركة التي تقود الى تحجيم التيار التكفيري و عزله و انزوائه .
و عن العقبات التي تعترض مسيرة التقريب و السبل الكفيلة بترجمة التقريب عملياً ، قال آية الله الأراكي : لابد من الاشلارة الى أننا في الجمهورية الاسلامية استطعنا أن نجسد إنموذجاً علميا للوحدة ، و لأول مرة في التاريخ؛ حيث نرى بكل وضوح حضوراً فاعلاً و مؤثراً لأبناء مختلف المذاهب الاسلامية من شيعة و سنة و طوائف أخرى ، في كافة المجالات و مختلف مناحي المجتمع و النظام ، بما في ذلك الدستور و المراكز الاجتماعية و السياسية الحكومية .
واردف سماحته : لأول مرة يقام نظام حكم اسلامي على اساس نظرية تحظى بقبول جميع المذاهب الاسلامية ألا و هي نظرية الولي الفقيه العادل الذي يختاره رجال منتخبين من قبل ابناء الشعب ؛ مبينا بقوله :إن نظام الحكم هذا يحظى بقبول و تأييد جميع الفرق و المذاهب الاسلامية ، إذ يضم هذا النظام الصعيد العملي - و لايقتصر على الجانب النظري - في مختلف اركانه و مؤسساته ، بما في ذلك مجلس خبراء القيادة و مجلس الشورى الاسلامي و المراكز الحكومية الأخرى ، اشخاصاً و مسؤولين من مختلف المذاهب الاسلامية ، و تم تجسيد مفهوم الوحدة عملياً و لم يعد إنموذجاً نظرياً فحسب ".
واشار الشيخ الاراكي الى السبل العملية الكفيلة بتعميم ذلك على المجتمعات الأخرى ؛ بالقول "بالنسبة لإيران فان هذا الامر واضح و مجرب ، و لكن لابد من البحث عن اساليب فاعلة و مؤثرة بالنسبة للمجتمعات الأخرى لا تتعارض مع الاستقلال السياسي لهذه الدول؛ أننا لا نهدف الى إلغاء الحدود الجغرافية ، أو مصادرة استقلال هذه البلدان .. واننا لا نسعى الى ادغام الانظمة السياسية مع بعضها البعض ، بل إن ما ندعو اليه تحت مسمى الوحدة هو أن بوسعنا ، مع صيانة الاستقلال السياسي لهذه الدول ، التأكيد على المواقف المشتركة في القضايا السياسية و الاجتماعية و الثقافية ، في محاولة لتجسيد مفهوم وحدة العالم الاسلامي مع الاحتفاظ بالتنوع السياسي و الاجتماعي و الثقافي ، و بناء على ذلك و ضمن الاحتفاظ بالتنوع الثقافي و السياسي و الاجتماعي ، نعمل بشكل منسجم و متناغم ازاء القضايا المشتركة .
واستطرد الامين العام للمجمع العالمي للتقريب قائلا : فنحن لدينا قضايا و مصالح مشتركة كثيرة في مختلف المجالات الاقتصادية و السياسية و الثقافية ، بوسعها أن تجسد وحدة الامة الاسلامية في اطار هذه المصالح و المنافع المشتركة . و إذا ما بدأنا بذلك من الدول المجاورة لنا ، فأن بالامكان تعميم التجربة الى الدول الأخرى أيضاً.
و حول امكانية تضافر جهود كبار العلماء المسلمين بمختلف مذاهبهم ، للتوصل الى اساليب ناجعة في التصدي لمحاولات المجموعات المتطرفة - بمختلف انتماءاتها المذهبية - في إثارة الخلافات و تأجيج نار الفتنة ، قال اية الله الاراكي : رغم كل التخرصات المثيرة للتفرقة و الفتنة ، فأن ثمة أصوات هادرة قوية مباركة تسمع في انحاء مختلفة من العالم الاسلامي تدعو الى التقريب و الوحدة ، و في هذا الصدد يضطلع المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية بدور رئيسي بارز و هام ؛ مبينا انه "خلال العامين المنصرمين تم تجسيد تعاون و انسجام قيم للغاية بتضافر جهود نخبة كبيرة من العلماء السنة و الشيعة . و في الاسبوعين الماضين بذلت جهوداً كبيرة لإقامة مؤتمر الوحدة الاسلامية بلندن الذي ترأسه كل من الدكتور سعيد الشهابي و الدكتور كمال الهلباوي ، حيث أكد فيه جميع علماء المسلمين و اساتذة الجامعات من السنة و الشيعة على موضوع التقريب و وحدة الامة الاسلامية . و فضلاً عن ذلك، شهد مهرجان الانشطة القرآنية الذي أقيم على هامش المؤتمر ، حضوراً مكثفاً و باهراً من الشخصيات الشيعية و السنية على حد سواء ، و كان المهرجان ملفتاً و مؤثراً ، اضافة الى الانشطة الأخرى التي اتسمت جميعها بحضور مشترك من مختلف اتباع المذاهب الاسلامية . علماً أن أنشطة مماثلة أقيمت في لبنان ايضاً ، و قد بدأ العمل في كل من باكستان و افغانستان و العراق ، بتأسيس مجلس علماء الدين من الشيعة و السنة و الشروع بأنشطة متنوعة كثيرة ".
و تابع سماحته : كما تم تنفيد برامج قيمة في كل من سوريا و مصر و ماليزيا ؛ ففي ماليزيا عقد مؤتمر " الدفاع عن الاقصى " ، و كان مؤتمراً هاماً على طريق التقريب . و من المزمع أن يقام بعد شهر رمضان ، مؤتمران هامان في كل من ماليزيا و اندونيسيا ، و نامل ان يكونا منشأ خير و بركة للامة الاسلامية.
واضاف : الحمد لله أن ثمة انطلاقة واسعة على صعيد التقريب عمت العالم أجمع ، و قد تم اتخاذ خطوات كبرى من قبل علماء الدين الشيعة و السنة على حد سواء ، و أن آخر هذه الخطوات تلك التي أقدم عليها أحد كبار مراجع الدين الشيعة آية الله العظمى وحيد خراساني ، باصداره فتوى تقضي بحرمة الاساءة الى مقدسات ابناء السنة ، و التأكيد على ضرورة الوحدة بين الشيعة و السنة ، و استنكار التحركات التكفيرية و محاولات إثارة التفرقة.
ولفت اية الله الاراكي الى القول : في السياق نفسه شدد شيخ الازهر الاستاذ احمد الطيب ، بكل صراحة على اعتبار المذهب الشيعي كباقي المذاهب الاسلامية الاخرى لا اشكال فيه ابدا؛ مستنكراً و مديناً التخرصات المثيرة للفتنة التي تستهدف التشيع .
و أردف قائلاً : أن هذين الموقفين يشكلان خطوتين كبيرتين على طريق تأكيد و دعم فتاوى أخرى لعلماء كبار أمثال سماحة قائد الثورة المعظم ، و آية الله العظمى السيد السيستاني ، و كذلك آية الله العظمى مكارم الشيرازي ، و الكثير من العلماء الآخرين من الشيعة و السنة ، و كلها كانت فتاوى فاعلة و مؤثرة .
و عن السبل القانونية المتاحة للتصدي لمحاولات العديد من القنوات الفضائية الفتنوية - بغض النظر عن انتمائها الفكري و المذهبي- في إذكاء نار الفتنة و تأجيج الخلافات و تشتيت وحدة الصف الاسلامي ، قال آية الله الأراكي : لا شك أن ثمة طرق قانونية متوافرة في هذا المجال ، غير ان المؤسسات القانونية الحالية لا ترى ذلك من اهتماماتها ، لذا فأن تشكيل مراكز قانونية بامكانها أن تأخذ على عاتقها مهمة المتابعة القانونية من القنوات الدولية ، و إذا ما تمت مثل هذه المتابعة عبر الطرق القانونية و الضوابط الدولية فمن الممكن تحقيق نتائج مثمرة .
واضاف : غير أن ذلك لا ينفي بأننا جميعاً نعلم بان القوى الاستكبارية و القوى الكبرى لا تتوانى عن تقديم الدعم لهذه الفضائيات المغرضة . على سبيل المثال ، أن وسائل الاعلام البريطانية لا تكف مؤخراً عن تصوير الاحداث الاخيرة في العراق بمثابة حرب بين الشيعة و السنة ، في حين أن الحكومة العراقية حكومة قانونية منتخبة من قبل الشعب و قد تسلمت مهام عملها بناء على تصويت الغالبية الشعبية لها بغض النظر عن انتماءاتها المذهبية . في حين أن تنظيم ( داعش ) الذي يقاتل الشعب العراقي و حكومته ، و على الرغم من ان هذا التنظيم يشن حرباً ضروساً ضد جميع ابناء الشعب العراقي سنة و شيعة ، و يحاول تهديد سيادة العراق و وحدة اراضيه ، و لكن و على الرغم من كل ذلك فأن وسائل الاعلام الاستكبارية البريطانية تصر على أن تنعت هؤلاء الارهابيين بالسنة ، و نعت الجماهير التي تحاول التصدي لعناصر هذا التنظيم الارهابي بالشيعة ، و بالتالي محاولة تصوير هذه المواجهة بالحرب بين الشيعة و السنة ، و هو أمر يتنافى مع الواقع و ليس له وجود.. و الطريف أن نفس هذا الاسلوب قد تم اتباعه ازاء الازمة السورية ، و لن يألوا جهداً في تصوير محاولة التصدي للارهاب التطفيري بمثابة حرباً بين الشيعة و السنة ، من أجل تحجيم نهج المقاومة و الحاق الهزيمة به .
ومضى سماحته يقول : لقد سمعنا جميعاً ما صرح به الرئيس الاسرائيلي السابق ، من أن ما تواجه سوريا اليوم إنما هو نتيجة لعدم انصياعها لمباحثات السلام ، و هي تدفع اليوم ضريبة عدم تعاونها مع سياسة التفاوض و التطبيع ، و اصرارها على نهج المقاومة ضد اسرائيل . و لعل هذا خير دليل على أن الحرب في سوريا إنما هي حرب بين المقاومة و بين اعدائها .
و تابع الشيخ الاراكي : و الشيء نفسه يصدق على لبنان . ففي لبنان ثمة حشود كبيرة من ابناء السنة تساند حزب الله و تدعمه في مقاومة العدوان الاسرائيلي و التصدي لأطماعه . و يعلم الجميع أن حزب الله لا يقتصر على الشيعة وحدهم ، بل أن جمع كبير من انصار الحزب هم من ابناء السنة في لبنان . و هنا ايضاً توجد جبهتان ، جبهة المقاومة ، و أخرى تدعو للتطبيع مع اسرائيل الكيان الغاصب للقدس . . و هكذا بالنسبة للبحرين و اليمن . فالقوى الشعبية التي تنتفض ضد الحكومة لا تقتصر على المواطنين الشيعة ، بل هي من كافة الانتماءات الدينية ، غير ان وسائل الاعلام تحاول تصوير ما يحدث بمثابة حرب بين الشيعة و السنة ، في حين أن المنتفضين هم من جميع فئات الشعب ، و انهم يطالبون بحقوقهم المشروعة و يناضلون من أجلها .
وفي هذا الجانب، اكد الامن العام للمجمع العالمي للتقريب قائلا : لابد لنا من العمل على تعزيز النشاط الاعلامي الملتزم و تقديم مختلف أنواع الدعم اللازم له ، من أجل التصدي للنشاط الاعلامي الموالي للغرب و المعادي للشعوب . و بشكل عام ان لدينا مشكلتان فيما يتعلق بوسائل الاعلام الاولى ، أن ثمة وسائل اعلام متحالفة مع الاستكبار العالمي ، و تعمل كل ما بوسعها من أجل تأجيج الفتنة الطائفية و ترويج الارهاب التكفيري . أما المشكلة الثانية فهي أن وسائل الاعلام المعادية للاستكبار ، بما في ذلك وسائل اعلامنا ، لا تنشط كما ينبغي في التصدي لوسائل الاعلام التكفيرية . . و نأمل أن نتمكن في ظل تضامن و تلاحم و تآزر وسائل الاعلام الهادفة و النبيلة ، من الثبات و الصمود في وجه وسائل الاعلام المثيرة للتفرقة و محاولة افشال مخططاتها و تحجيم دورها و عزلها .
و في محاولة للتعرف على سياسات مجمع التقريب إزاء الاديان السماوية الأخرى، و الوقوف على أبرز ما يميز هذه العلاقة وهذا التواصل، يقول آية الله الأراكي : من المعلوم ان التواصل مع الاديان الأخرى يشكل جزءً من نشاط و مهام رابطة الثقافة و العلاقات الاسلامية ، و لكن و مع الاخذ بنظر الاعتبار ان مجمع التقريب يسعى الى تشكيل الامة الواحدة ، و أن ثمة أقليات أخرى موجودة في اوساط الامة الاسلامية ، لذا ثمة نشاطات للمجمع تتمحور حول هذا المجال . أننا و طوال التاريخ الاسلامي ، اذا ما كنا نتحدث عن الامة الواحدة ، فهذا يعني أن في اوساط هذه الامة هناك أنسجة اجتماعية أخرى من غير المسلمين تداخلت مع نسيج الامة الاسلامية ، أي أن هناك اتباع للديانات الابراهيمية نظير اتباع السيد المسيح (ع) و اتباع النبي موسى (ع) ، و كذلك الزرادشت ، كل هؤلاء موجودين في اوساط هذه الامة الواحدة ، و في ظل هذا النسيج الواحد لابد من الأخذ بنظر الاعتبار التعدد الديني الماثل في المجتمع . و لهذا ينبغي لنا العمل بنحو يستطيع اتباع هذه الاديان الابراهيمية أن يمارسوا طقوسهم الدينية بحرية تامة ، في ذات الوقت الذي يتمتع فيه افراد الامة الاسلامية بكافة حقوقهم المصرح بها . و بناء على ذلك فان النماذج الذي نحاول تسليط الضوء عليها ينبغي أن تأخذ بنظر الاعتبار حقوق الاديان الأخرى و تحرص عليها، و يجب النظر الى الاديان الأخرى بمثابة جزء من نسيج الامة الاسلامية .
و خلص آية الله الأراكي للقول : بناء على ذلك ، فان هؤلاء الذين يستهدفون وحدة الامة الاسلامية ، لا يكتفون بإذكاء نار الحرب بين الشيعة و السنة ، بل و يستهدفون وحدة الاديان من أجل تفتيت نسيج الامة الاسلامية ، و لهذا فإذا ما عجزوا عن تحقيق اهدافهم عن طريق بث الخلاف بين الشيعة و السنة ، سوف يلجاون الى ذلك عن طريق إثارة الخلاف بين الاديان نظير الاسلام و المسيحية و الاديان الأخرى . و إذا ما عجزوا عن هذا الطريق ايضاً، سوف يلجاون الى إثارة الصراعات العرقية و القومية ، من قبيل إثارة الصراع بين العرب و الكرد في البلدان العربية ، أو إثار الخلاف بين الفرس و الاترك و البلوش و امثال ذلك في ايران ، و هكذا بالنسبة للبلدان الأخرى . و لهذا فان نموذج الوحدة الذي ندعو اليه يجب ان يأخذ بنظر الاعتبار تعدد المذاهب و الاديان اضافة الى تعدد الطوائف و الاقليات .