أكد حجة الإسلام والمسلمين الشيخ أحمد المبلغي رئيس مركز البحوث والدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في حوار مع وكالة أنباء التقريب: إن عملية التقريب بين المذاهب الإسلامية تهدف بصورة أساسية إلى التقليل من شأن الخلافات في العالم الإسلامي، وعلى هذا الأساس يجب أولاً تشخيص مبادئ نشوء الخلافات وتحديد نطاقاتها لكي يتم وضع الحلول المناسبة إزاءها. وعليه ينبغي أن تكون الحركة التقريبية، حركة مبرمجة شاملة ومتعددة الجوانب.
وكالة أنباء التقريب
حوار خاص
وأضاف: إن نطاق الخلافات في العالم الإسلامي واسع، ويمكن ملاحظة هذا الأمر في مختلف المجالات، فهي لا تنحصر بالخلافات المتواجدة بين الناس العاديين، بل تتعدى ذلك إلى المجالات الثقافية والسياسية وغيرها، ولا شك أن هذه الخلافات تعود بالأساس إلى قيام أعداء الأمة بتركيز فعالياتهم ضد العالم الإسلامي، وسعيهم الجاد والمتواصل للإيقاع بالمسلمين ودفعهم نحو التنازع والتناحر على كافة الأصعدة.
وتابع: من هنا يجب على عملية التقريب أن تحدد أولاً المجالات التي يستهدفها العدو، ومن ثمّ تباشر أنشطتها في جميع تلك المجالات، وبصورة متزامنة، وبناءا على ذلك فالأنشطة التقريبية ينبغي أن لا تنحصر بمجال واحد وبنطاق معين دون غيره، وإلا فإنها ستؤول للفشل في نهاية المطاف.
وأضاف قائلاً: إن التقريب يجب أن يتم تعريفه باعتباره نظرية شاملة، وفكرة متعددة الجوانب والأبعاد، تستهدف النخبة والعامة على حد سواء، وتعنى بجميع المجالات الثقافية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية والعلمية، وكافة الأصعدة الفقهية والأصولية والكلامية، وأيضاً المواضيع المستحدثة المطروحة على الساحة كمسألة حماية البيئة والحفاظ على الآثار القديمة وغير ذلك.
قادة الإرهاب في العالم الإسلامي جهلة منحرفون
وأكد الشيخ المبلغي: إن هناك في الداخل الإسلامي ثمة من يصب الزيت على النار ويسعى لتصعيد الخلافات في العالم الإسلامي وتوسيع الهوة بين المسلمين، وها نحن نسمع في كل يوم أخبار جديدة حول ممارسات إرهابية وأعمال عنف هنا أو هناك. مشيراً إلى إن الإرهاب والقتل وإن كان يستهدف الناس، إلا أنه ليس نابعاً عن محض إختيارهم وإرادتهم، فلا الشيعة يطيقون هذه الممارسات ولا السنة.
وأضاف: إن ملف الإرهاب ملف معقد، ولو بحثنا عن جذوره وأصوله، لانتهينا إلى تيار إرهابي تكفيري يضم مجموعة من الجهلة والمنحرفين الذين يفتقدون لأبسط المعلومات البدائية حول المسائل والضوابط الإجتماعية، والبعيدين كل البعد عن المفاهيم القرآنية.
وتابع بالقول: علاوة على ذلك، فإن هنالك جهات غربية تسعى لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في العالم، ولذا نجدهم لا يألون وسعاً في دعم وإسناد أولئك الإرهابيين الجهلة.
وأضاف: يجب علينا من أجل القضاء على هذا التيار الإرهابي، أن نتعرف أولاً على أبعاد ظاهرة التكفير، الذي يتخذه الإرهابيون كغطاء لعملياتهم وممارساتهم الإرهابية، وهذا ما يتطلب تحركاً واسعاً من قبل علماء الشيعة والسنة في العالم الإسلامي على حد سواء، والقيام بتوضيح مفاهيم هذه الظاهرة، وبيان مدى خطورة النتائج المدمرة الناجمة عنها، وكذلك رفضها واستنكارها بشدة.
وشدد على أهمية التواصل بين علماء الأمة وزعماء العالم الإسلامي والمفكرين والجامعيين عبر المؤتمرات والندوات واللقاءات المتبادلة، مضيفاً: إن الجهود العلمية المبذولة يجب أن تتركز حول محور رفض الفكر التكفيري ومقاطعته وبيان حقيقة المغالطات الموجودة في مباني هذا الفكر، والكشف عن أن هذا التيار قد أضحى آلة بيد قوى الإستكبار.
وحذر من أن الإهمال والتقصير في هذا المجال سيفسح المجال أمام التكفيريين لتحقيق أهداف المستكبرين.
مصالح كل مذهب مرتبطة بمصالح الأمة الإسلامية ككل
وأكد الشيخ المبلغي: إن ما يهدف إليه التيار التكفيري الذي يحض على الفرقة والتناحر في صفوف الأمة، لا ينسجم مع مفهوم "الأمة الواحدة" بأي شكل من الأشكال، باعتبار أنه يسعى لترجيح مصالح فريق معين على مصالح الأمة الإسلامية بأكملها.
وأضاف: إن هذا التيار لو كان يتمتع بالعقلانية والمنطق الصحيح، لكان قد سعى إلى تأطير شعاراته وأهدافه في إطار مصالح الأمة الإسلامية.
وأشار إلى أن التيار التكفيري لا يمتلك القدرة على إدراك المستقبل وعواقب الأمور، ويسعى لتحقيق مصالحه الآنية الضيقة فحسب، دون الإلتفات إلى النتائج والتبعات المستقبلية، وهو بهذا يسلك طريقاً خاطئاً ومنحرفاً حتى في طريقة إشاعة أفكاره، وإذا ما حاول دعاة الفكر التكفيري فهم المسائل بالصورة الصحيحة وبالأسلوب المنطقي، فسيدركون حقيقة أن مصالح كل مذهب مرتبطة بشكل مباشر بمصالح الأمة الإسلامية ككل.
واعتبر الشيخ المبلغي أن أنجع الوسائل لكبح جماح التيار التكفيري المتطرف، هو تذكير الناس بمخاطر هذا الفكر ونتائجه المدمرة على مستوى المذاهب الإسلامية كلها بدون إستثناء، موضحاً: إن قوام الفرق والمذاهب الإسلامية إنما هو بالإسلام، وفي إطار الأمة الإسلامية، فإذا تم تضعيف الإسلام، ضعفت تلك الفرق والمذاهب لا محالة، ولو برز الصراع في داخل الأمة الإسلامية، فإن الصراع سينتقل إلى داخل إطار المذاهب نفسها.
ضرورة التجسيد العملي لمفهوم "الأمة الواحدة"
وأكد الشيخ المبلغي: إن التكفير وبث الفرقة والتناحر في صفوف الأمة هو على نقيض مفهوم "الأمة الواحدة" الذي يؤكد عليه القرآن الكريم، مشدداً على أن متابعة ملف مشروع "الأمة الواحدة" هي السبيل الوحيد لمواجهة التكفيريين والمتطرفين.
وأضاف: يجب مضاعفة الجهود في سبيل تجسيد هذه الفكرة القرآنية، ومتابعة العمل على كافة المستويات العلمية والثقافية والإجتماعية.
وتابع قائلاً: يجب العمل على ترسيخ مفاهيم وأبعاد "الأمة الواحدة" في أذهان الناس وأفكارهم باعتبارها أصلاً أساسياً يؤكد عليه القرآن الكريم، وأن لا تتحول هذه المسألة إلى مجرد شعار.
واختتم الشيخ المبلغي حديثه بالقول: إن نوعية العلاقة بين "الأمة الواحدة" وبين "التعددية المذهبية" لم يتم توضيحها بالشكل الصحيح، فقد يتصور المرء ابتداءا بأن مقولة "المذهب الأصيل" لا تتلائم مع مفهوم "الأمة الواحدة"، وهذا التصور غير صحيح على الإطلاق، باعتبار إمكانية تجسيد تلك المقولة أيضاً على أرض الواقع في إطار "الأمة الإسلامية الواحدة"، وهذا ما يؤكد ضرورة القيام بتفسير مفهوم "الأمة الواحدة" وطبيعة العلاقة بينها وبين مفهوم "المذهبية" وبذل الجهد العلمي اللازم في هذا المجال.
اجرت الحوار : سميه عظيمي