الاختلافات المذهبية قديمة في العراق ولكن لم تصل ولقرون الى مستوى القيام بعمليات التفجير
الحكيم لوكالة انباء التقريب:
الانفجارات الأخيرة وراءها دوافع سياسية
5 Jul 2010 ساعة 12:38
الاختلافات المذهبية قديمة في العراق ولكن لم تصل ولقرون الى مستوى القيام بعمليات التفجير
وكالة أنباء التقريب-خاص
شهد العراق في الفترة التي سبقت وتلت الانتخابات النيابية موجة من العنف والانفجارات التي كان بعضها غير مسبوق وقد التقت وكالة انباء التقريب " تنا " بالدكتور السيد اكرم الحكيم وزير الدولة العراقي لشؤون الحوار الوطني وسألته هل الانفجارات والتوتر الأمني الذي يشهده العراق حالياً وراءه دوافع مذهبية وطائفية أم سياسية بحتة؟ فرد قائلا: بالتأكيد وراءها دوافع سياسية، فالأختلافات والحساسيات والتنافسات المذهبية قديمة في العراق (كما في بعض الدول العربية والإسلامية) ولكنها لم تصل يوماً ولقرون من الزمن الى مستوى القيام بعمليات تفجير وقتل وتخريب كالذي نشاهده في العمليات الأرهابية التي تحصل في العراق. كما أن طبيعة بعض العمليات الإرهابية وحجمها والمواد والتكتيكات المستخدمة فيها تشير وبوضوح إلى ضلوع أجهزة أمنية إقليمية أو دولية فيها أو ضلوع عناصر وأجهزة كانت يوماً ما تمسك قيادات ومفاصل الأجهزة الأمنية في العهد البائد في العراق. بمعنى ان أغلب الانفجارات وأساليب التخريب وإشاعة أجواء التوتر الأمني تفوق قدرات المواطنين العاديين، علماً ان اكثر المجتمعات العربية تماسكاً وأنسجاماً هو المجتمع العراقي والدليل هو أستمرار اتصافه بالتعددية القومية والدينية والمذهبية وحتى الأجتماعية والثقافية... أستمرار التعددية في بلد لقرون عديدة دليل على درجة عالية من التسامح والأصالة وقبول الآخر في مجتمع ذلك البلد.
وأعرب الحكيم عن اعتقاده بان أنفجار النزاعات القومية والدينية والمذهبية بمجرد سقوط النظام السابق دليل واضح على أن المستفيدين من ذلك النظام السابق والخائفين من أستقرار النظام السياسي الجديد هم الحاضنة الحقيقية للعناصر الأرهابية "بتصوّري أن عناصر ودوائر ومراكز قوى سياسية وأمنية محلية وخارجية، تعتمد الأرهاب كأستراتيجية للحصول على نفوذ سياسي وحتى اقتصادي في الواقع العراقي الراهن وأشك شخصياً بنوايا بعض القوى الدولية التي ربما ترى ان غض النظر لفترة معينة عن العناصر الإرهابية وعن الدول التي تدعمها مباشرة أو بشكل غير مباشر، قد يؤدي إلى إيجاد ضغوط كبيرة على القوى الوطنية العراقية لكي تقبل بصياغة النظام السياسي المستقبلي للعراق بما ينسجم والرؤية الأمريكية لدور العراق في المنطقة ويدفع مخاوف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة".
وحول رأيه بما يقوله السياسيون ان هناك دولاً تحقق أهدافها بأثارة الخلافات بين العراقيين؟ قال الحكيم: أنا شخصياً أعتقد بصحة هكذا رأي، ولا أنطلق في عقيدتي هذه من رؤية سياسية وتجربة تأريخية فقط، حيث عشنا ولعقود من الزمن أحداثاً وتجارب أكدت وجود تدخلات إقليمية ودولية في الشأن العراقي وأكدت ايضاً اعتماد تلك التدخلات على سياسة (فرق تسد)... بل وتوجد الآن المئات من الوثائق والاعترافات الموثّقة لدى أجهزة الأمن الوطنية العراقية التي تؤكد وجود تلك التدخلات المدعومة من قبل مراكز قرار مهمة في دول الجوار والمنطقة ودول أخرى، واذا وضعنا كل ذلك جانباً، ونأخذ فقط السياسات الأعلامية لفضائيات تلفزيونية (خاصة بعض الفضائيات الممّولة من قبل حكومات خليجية)، سنجد أن غالبيتها تعتمد المعايير الطائفية او المذهبية في توصيف الأحداث العراقية وفي تحليل الواقع السياسي في العراق وفي تحديد أسباب الازمة السياسية وفي وضع الحلول لها.
وتابع الحكيم: هكذا بدأ المشاهدون يسمعون مصطلحات من قبيل (القوى الشيعية) و(المقاومة السنّية) و(رئيس الوزراء الشيعي) و(الكتلة البرلمانية الشيعية أو السنّية...الخ) ولا نعلم لِمَ لم تُستخدَم مثل هذه المصطلحات قبل سقوط سلطة صدام مع انها كانت اكثر الحكومات طائفية أو لماذا لا يتم استخدام نفس المصطلحات في توصيف ما يجري في العديد من الدول العربية علماً بأن مجتمعاتها لا تقل انقساماً عن المجتمع العراقي وبعض حكوماتها ليس فيها حتى وزير واحد ينتمي الى المذهب المخالف لمذهب حكّامها، في قناعتي ان بعض الحكومات العربية وحتى الغربية تلعب بالنار في محاولاتها لأثارة الخلافات (خاصة الدينية والمذهبية) بين العراقيين، لأن عدم إستقرار الأوضاع في العراق لا تنحصر آثاره داخل حدود العراق، كما أن المستفيد الحقيقي والوحيد هي القوى المعادية للعرب وللمسلمين.
وبشأن دور قوات الاحتلال في اثارة الخلافات لفت الحكيم الى أنه ربما تسعى بعض الدوائر الأمنية والعسكرية في الولايات المتحدة الامريكية لتمترس وراء الخلافات الداخلية في العراق لكي تؤخر خروجها من العراق أو ربما تسعى بعض الأجهزة الامريكية (ليست بالضرورة الادارة الامريكية) لتأجيج بعض تلك الخلافات أو تضخيمها أمام الرأي العام الامريكي أو تخويف بعض حلفائها في المنطقة بها أو تسعى (كما تشير بعض الادلة) الى خلق أوساط سياسية وأمنية واقتصادية وحتى إجتماعية ومن طبقة داخل العراق مستفيدة من بقائها، وأيضاً ربما تسعى للتلاعب ببعض نصوص الأتفاقية (التي تقضي أنسحابها تماماً أواخر عام ٢٠١١) أو السعي لخلق معادلات برلمانية ومعادلات في السلطة تتساهل مع البقاء المقنّع لبعض قواتها ومعسكراتها وقواعدها بحجج مكافحة الأرهاب أو حماية الديمقراطية أو مواجهة الخطر الأيراني.. أو السوري...الخ وهو ما يفسّر التدخل الواسع لبعض عناصرها في الانتخابات الاخيرة وربما تقوم بعقد صفقات تسليح ضخمة لتكون مبرراً لوجود الآلاف من الخبراء وشركات الأمن... ربما تقوم بعض الدوائر الامريكية بكل ذلك...
"ولكن ويجب أن يكون واضحاً لنا جميعاً أن الولايات المتحدة الامريكية والادارة الامريكية الحالية بالذات في مأزق كبير وخطير، ومصداقية ادارة اوباما بالذات التي تشير كل الدلائل الى أنها ليست فقط تسعى الى تنفيذ اتفاقيتها مع الحكومة العراقية والخاصة بأنسحاب القوات، بل وربما تقوم بتسريع مراحل ذلك الانسحاب وأهم من ذلك قد يتراجع موقع العراق في قائمة اولوياتها العالمية، فلا الوضع الاقتصادي الامريكي (ولا العالمي) ولا الاهتزاز الكبير الذي وقع في منظومة تحالفات امريكا في منطقتنا وفي العالم، يسمحان بالتورط اكثر في المستنقع العراقي، ويُمكن أن نشير هنا الى عجز الإدارة الأمريكية عن القيام بدور حاسم في بعض الملفات في المنطقة، مثل الملف الفلسطيني والملف اليمني والملف اللبناني، وحتى تشجيعها لبعض الحكومات العربية (وضغطها عليها) للعب دور ينوب عن الدور الامريكي ولصالح بعض التوجهات الامريكية في العراق.. هو في الواقع احدى مظاهر العجز عن لعب الدور المباشر الذي وضعه القادة الامريكان لأنفسهم عام ٢٠٠٣ وما نريد قوله ان الأختباء خلف خلافات العراقيين لتبرير اطالة الاحتلال خطة فاشلة ولا يُمكن أن تستمر.
أما أولويات العراقيين وأولويات الكيان العراقي فهي:
١) أستكمال مقومات السيادة الوطنية وتحقيق الاستقلال الكامل.
٢) أستكمال بناء المؤسسات الديمقراطية الدستورية الحقيقية، والتي تقوم على تحقيق الحرية الكاملة لأبناء الشعب وضمان حقهم في أنتخاب ممثليهم في البرلمان وأنتخاب حكومتهم ومحاسبتها وفق الدستور وضمان أحترام هويتهم الحضارية.
٣) بناء النظام السياسي والأجتماعي العادل الذي يكون كل همّه خدمة المواطنين وضمان حريتهم وعيشهم الكريم وتمتعهم بخيرات بلدهم وضمان المستقبل الكريم لأبنائهم.
وفي الختام وجهنا السؤال التالي للحكيم، ما هي الآليات التي تتّبعها وزارتكم للحوار بين القوميات والنُخَب ومؤسسات المجتمع المدني والعشائر وهل يقتصر اداءكم على القوى السياسية؟ فاجاب: بأختصار أن مفهومنا عن (المصالحة الوطنية) أو (الوفاق الوطني) أو (السلم الأهلي) وهي كلها مصطلحات تشير الى هدف واحد، ينطلق مما يلي:
أن ممارسات نظام صدام وطيلة ثلاثة عقود ونصف زرعت بذور نزاعات داخل المجتمع العراقي على أسس عنصرية ومذهبية ومناطقية وعشائرية وحتى على أسس طبقية وأجتماعية، والكثير من الظواهر السلبية التي نشاهدها اليوم في العراق هي في واقعها حصاد نمو تلك البذور..هذا من جهة ومن جهة اخرى، فان أنطلاقة الكثير من القوى السياسية والاجتماعية بعد عقود من القمع والكبت والمحاصرة أدت الى أندفاعة وعنفوان لم تتقيد خاصة في السنوات الاولى بقواعد العمل السياسي البنّاء وخرج التنافس في أحيان كثيرة عن منظومة القيم والقواعد التي تضمن المصالح العليا للمجتمع والبلد..اضافة الى قيام النظام السابق بمنع المجتمع العراقي من التفاعل اليومي (ولعقود من الزمن) مع المستجدات العالمية في المجالات السياسية والثقافية والعلمية، جعل هذا المجتمع عند سقوط النظام في ٢٠٠٣ وكأنه خرج من كهف كان نائماً فيه لعشرات السنين (بالطبع كلامنا يشمل الغالبية وليس الجميع).
وحسب الحكيم فان كل ذلك يجعل من مشروع (الحوار أو الوفاق الوطني) أستراتيجية طويلة الأمد يجب أن تهتم بها كل الحكومات العراقية، ليس فقط بين القوى السياسية ولا بين ممثلي المكونات القومية والدينية والاجتماعية، بل حتى المستويات الابتدائية من المؤسسات التعليمية والتربوية للأطفال "ويجب أن تتّسع الآليات لتشمل آليات التربية والتعليم والفنون والثقافة فضلاً عن الحوارات السياسية والمؤتمرات والحلقات الدراسية، وليس فقط العراق بحاجة الى هذا المنهج، بل غالبية الدول العربية والأسلامية لأن مجتمعاتها تعيش أنقسامات وتناقضات سياسية وثقافية وأجتماعية بارزة وكامنة أضافة لكونها مُستهدفة من قبل قوى معادية لها، والحرب النفسية هي أكثر الأساليب أستخداماً في هذه الأيام".
اجرى الحوار : قزويني حائري
رقم: 20255