جذور فكرة حقوق الإنسان هي جذور أوروبية وتحولت إلى فكرة كونية فيما بعد، لكن تتم خيانتها باستمرار من أصحابها أنفسهم أي الغرب وأوروبا قبل غيرهم.
جان زيغلر في حوار مع الجزيرة :
الأنظمة الغربية تخلق من الإسلام عدوا وهميا - القسم الاول -
20 Jul 2010 ساعة 10:05
جذور فكرة حقوق الإنسان هي جذور أوروبية وتحولت إلى فكرة كونية فيما بعد، لكن تتم خيانتها باستمرار من أصحابها أنفسهم أي الغرب وأوروبا قبل غيرهم.
وكالة انباء التقريب (تنا) :
جان زيغلر باحث وسياسي وعالم اجتماع وأستاذ بجامعتي جنيف والسربون بباريس وقد لد سنة ١٩٣٤. عمل ثماني سنوات مقررا خاصا لبرنامج الغذاء في الأمم المتحدة. وله العديد من الكتب ترجم بعضها إلى اللغة العربية ومنها: ضد النظام العالم (١٩٨٣)، أمراء الجريمة (١٩٩٨)، كتاب الرأسمالية الأسود (١٩٩٨)، سادة العالم الجدد (٢٠٠٢)، إمبراطورية العار (٢٠٠٥)، كراهية الغرب (٢٠٠٨). وغير ذلك من الكتب والمقالات.
الغرب والإسلام
الغرب والعالم الثالث
التطرف في العالم الإسلامي
أمريكا وصراعات الشرق الأوسط
الدول الصاعدة والنموذج الصيني
من الملاحظ ونحن نحاور جان زيغلر حول رؤيته لعلاقات الغرب بالإسلام والمسلمين أن دولا مثل ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا هي ديمقراطيات حقيقية عندما يتعلق الأمر بما يحدث داخل ترابها الوطني، لكن حماية حقوق الإنسان تتوقف عند حدودها وليس أكثر.
عندما يحرق الأطفال العرب تتغافل الدول الغربية عن ذلك، بينما تسارع للدعوة بعقد اجتماع لإدانة النظام في السودان، وعليه فإن أسلوب الكيل بمكيالين يؤدي بالنتيجة إلى إنهاء كلي لمصداقية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. جذور فكرة حقوق الإنسان هي جذور أوروبية وتحولت إلى فكرة كونية فيما بعد، لكن تتم خيانتها باستمرار من أصحابها أنفسهم أي الغرب وأوروبا قبل غيرهم.
منذ حوالي خمسة قرون يمارس الغرب سياسة وحشية في إطار ازدواجية الخطاب بين ما هو معلن وبين ما يتم تنفيذه في أرض الواقع. استخدم الغرب أسلوب القتل ضد كل من رآه خطيرا على مصالحه.
وفي هذا السياق رأينا أن نحاور المفكر جان زيغلر حول بعض القضايا التي تناولها في العديد من كتبه وبحوثه.
الغرب والإسلام
آخر كتبك جاء تحت عنوان "كراهية الغرب"، لماذا هذا الكتاب اليوم؟
جان زيغلر: صحيح، إن العنوان يصدم. أولا أود أن أنبه إلى وجود الكراهية تجاه بلدان الجنوب بتعلة الإرهاب، أو القاعدة، هذه هي الجريمة المنظمة مهما كانت الأعذار الأيديولوجية أو الدينية أو الثقافية، فلا يوجد أي عذر لأشخاص يلقون بالقنابل على حافلات مدرسية. والقرآن هو كتاب تسامح وحب.
ثمة ثلاثة منابع للكراهية المكشوفة: أولا، الذاكرة المجروحة والتي لا يستطيع أحدا أن يسيطر عليها تحليليا. أما الجيل الثاني فأيضا لا يستطيع، فقط مع الجيل الثالث أو الجيل الرابع تتحول هذه الذاكرة المجروحة إلى وعي سياسي ومطالبة بالتعويض المادي والمعنوي... بالنسبة لشعوب الجنوب فإن الاستعباد والمجازر الاستعمارية هي الذاكرة المجروحة عندهم وتعود دائما في شكل وعي سياسي. وذلك غريب فعلا، فمنع العبودية حدث في التاريخ البشري منذ القرن الماضي فالبرازيل منعته سنة ١٨٨٨ وفي سنوات الستين أصبحت أغلب البلدان الإفريقية وبلدان جنوب آسيا مستقلة وتوقفت المجازر الغربية. وهنا فقط بعد ثلاثة أجيال تحولت الذاكرة المجروحة إلى وعي سياسي.
أعطيك مثالا: في شهر ديسمبر/ كانون الأول ٢٠٠٧ ، ذهب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى الجزائر ليتفاوض حول اتفاقيات بترول وغاز وتبادل البضائع بين الجزائر وفرنسا. وقبل أن يبدأ الطرفان في التفاوض قام الرئيس بوتفليقة وقال أريد اعتذار فرنسا على مجازر سطيف سنة ١٩٤٥ حيث قتل الجنود الفرنسيون حوالي ٤٠ ألف مواطن جزائري عزلا بمن فيهم النساء والشيوخ والأطفال. وأجابه الرئيس الفرنسي ساركوزي حرفيا: "لم آت إلى هنا من أجل الحنين إلى الماضي". فأجابه بوتفليقة: "الذاكرة قبل الاتفاقيات التجارية". وقد ألغى بوتفليقة زيارة الدولة المقررة لفرنسا في شهر يونيو/ حزيران الماضي ٢٠٠٩ بسبب عدم اعتذار فرنسا. وهذا شيء جديد وراديكالي. وقد تحولت الذاكرة المجروحة في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية إلى وعي سياسي ومن ثمة انتصارات انتخابية رائعة مثل ما حدث في بوليفيا أو في فينيزويلا أو في الإيكوادور.
وما هو المنبع الثاني لكراهية الغرب؟
- يكمن المنبع الثاني للكراهية في ازدواجية اللغة لدى الغربيين وبخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان. وأعطي هنا مثالين: إن مجلس حقوق الإنسان يتكون من ٤٧ دولة منتخبة من كل القارات وعليه أن يراقب تطبيق الثلاثين مادة التي تشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من قبل الدول المختلفة المنظمة لهيأة الأمم المتحدة. إن الغرب يطبق ما يطلق عليه عالم السياسة الفرنسي موريس دو فرجيه "الفاشية الخارجية" حيث إن دولا مثل ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا هي ديمقراطيات حقيقية عندما يتعلق الأمر بما يحدث داخل ترابها لكن حماية حقوق الإنسان تتوقف عند حدودها. أعطيك مثالين: من ٢٨ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠٠٨ إلى يوم ٢٠ يناير/ كانون الثاني ٢٠٠٩ ارتكب الجيش الإسرائيلي وطيرانه مجازر بشعة ضد الفلسطينيين في غزة. وسكانها المحشورين في غيتو وعددهم مليون ونصف يقيمون على ٣٦٥ كلم مربع. وهو على الأرجح الغيتو الأكثر كثافة سكانية في العالم. وقتل ألفا وأربعمائة فلسطيني أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ.
ودعا مجلس حقوق الإنسان بطلب من المجموعة العربية إلى عقد جلسة طارئة تم فيها إصدار قرار بإدانة المجازر الإسرائيلية المرتكبة في حق الفلسطينيين في غزة ولكن أيضا أدان استخدام حركة حماس للصواريخ ضد المدنيين الإسرائيليين. وقد رفض السفراء الغربيون التصويت على القرار.
وبعد شهرين، دعت مجموعة الدول الغربية إلى انعقاد جلسة طارئة ضد عمليات التطهير العرقي في دارفور وطالبت في القرار النهائي الذي صدر، بإرسال ٢٢ ألف جندي من القبعات الزرق وإنشاء خمسة ممرات إنسانية انطلاقا من التشاد ومنع الطيران فوق الجنوب السوداني ودارفور دون ترخيص من الأمم المتحدة. هنا سفراء دول الجنوب صوتوا ضد القرار.
فعندما يحرق البيض الأطفال العرب يوافق الغربيون على ذلك ولكنهم يسارعون للدعوة بعقد اجتماع لإدانة النظام في السودان، وهو نظام فظيع، والأفارقة يرفضون هذا السلوك المزدوج للغرب حيث يستخدم أسلوب الكيل بمكيالين ما يؤدي إلى نتيجة إنهاء كلي لمصداقية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
الغرب والعالم الثالث
أين تكمن جذور حقوق الإنسان إذن في الغرب؟
- نعم المشكل يزداد حينما نعرف أن جذور فكرة حقوق الإنسان الثلاثة القائمة في العالم اليوم هي بخاصة جذور غربية. الأول ظهر في فيلادلفيا في ٤ يوليو /تموز ١٧٧٦ في الولايات المتحدة الأمريكية. أما الثاني فظهر في فرنسا في شهر أغسطس ١٧٨٩ عبر إعلان حقوق الإنسان والمواطنة. والجذر الثالث ظهر في المزج بين الجذرين السابقين عبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته هيأة الأمم المتحدة في ١٠ ديسمبر/ كانون الأول ١٩٤٨.
إذن جذور فكرة حقوق الإنسان هي جذور أوروبية وتحولت إلى فكرة كونية. لكن يتم خيانتها باستمرار من أصحابها أنفسهم أي الغرب وأوروبا. ومثال نيجيريا، الذي أوردته في الفصل السابع من كتابي، وهي المنتج الثامن في العالم للبترول. وتحكمها شراذم عسكرية تتوالى على السلطة منذ سنة ١٩٦٦، مرة يحكمها الجنرالات المسيحيون المنحدرون من الجنوب ومرة أخرى يحكمها جنرالات الشمال المسلمون. وهم ضباط عسكريون شباب مرتشون كلية من قبل شركات الاحتكار النفطي الكبرى "شال" و"تكساكون" وغيرهما... وهي شركات تستغل ثروات البلاد استغلالا فاحشا.
كيف نفهم علاقة الغرب بالعالم الثالث؟
مسلسل احتقار وازدراء الغرب للشعوب الأخرى مسلسل متواصل. مثل ساركوزي في مواجهة الذاكرة المجروحة لشعوب إفريقيا، حيث قام في العاصمة السنغالية داكار بإلقاء خطاب في شهر يونيو / حزيران ٢٠٠٧ كله إهانة وتجريح للأفارقة قائلا أن مشكلتهم تكمن في أنهم لم يدخلوا التاريخ وفي عدم انتفاعهم كما يجب من الاستعمار... ففي مواجهة ذاكرة الجنوب المجروحة نجد ذاكرة الغرب الحجرية المتعجرفة المهينة.
وأعطي مثالا آخر وهو هايتي. في سنة ١٧٨٩ حدثت فيها ثورة العبيد. وفي سنة ١٨٠٢ أرسل نابليون بونابرت حملة عسكرية لإعادة احتلال البلاد. وفي سنة ١٨٠٤ أصبحت أول جمهورية سوداء تابعة للمجال الغربي. وبعد سقوط نابليون قامت فرنسا فورا مع بريطانيا بمحاصرة هايتي بحريا. واضطر رئيسها في ذلك الوقت إلى قبول شروط فرنسا التي تطالب بتعويض قدره ١٥٠ مليون فرنك ذهبي مقابل تحرير العبيد. ووجب على هايتي، إحدى الدول الأكثر فقرا في العالم، التوقيع على الاتفاقية ودفع التعويض إلى آخر مليم إلى حد سنة ١٨٨٣. وبالتالي فإن هذا البلد لا يمكنه القيام بأية عملية تنمية بسبب ما دفعه من تعويضات.
ما هي آليات ما تسمونه الهيمنة الغربية على العالم؟
منذ حوالي خمسة قرون مارس البيض سياسة وحشية في إطار ازدواجية الخطاب بين ما هو معلن وبين ما يتم تنفيذه في أرض الواقع. ويمثل اليوم البيض نسبة ١٢.٨% من السكان في العالم، أية أقلية، لكنهم يهيمنون على العالم، ومارسوا في الماضي الإبادة العرقية في أمريكا ضد الهنود الحمر ثم مارسوا تجارة العبيد لمدة ٣٥٠ سنة واستعمروا أراضي غيرهم لمدة ١٥٠ سنة في إفريقيا وآسيا. واليوم يكمن أبشع نظام استغلال في دكتاتورية الرأسمال المالي المعولم. ففي السنة الماضية وحسب البنك العالمي، فإن أكبر خمسمائة شركة خاصة عابرة للقارات سيطرت على أكثر من ٥٢% من الناتج الإجمالي الخام العالمي. وتمتلك سلطة لم يمتلكها أحد سابقا لا إمبراطور ولا ملك في تاريخ البشرية. وقد أدمجت هذه الأولغارشيات العالمية كل من الهند والصين في نفس النظام الاستغلالي. وقد أدى ذلك إلى جنيها جبالا من الذهب وفي الآن نفسه إلى جبال من الجثث والشهداء. والآن على سبيل المثال، يموت في كل خمس ثواني على الكرة الأرضية طفل عمره أقل من عشر سنوات بسبب الجوع. ويموت ٤٧ ألف شخصا كل يوم بنفس السبب أي الجوع. ويعاني أكثر من مليار في العالم من سوء التغذية. رغم أن منظمة الزراعة العالمية تقول أن الأرض يمكن أن تطعم ١٢ مليار نسمة أي ضعف عدد سكان المعمورة الحالي.
أنت تنتقد الغرب بحدة وتضعه محل اتهام دائم، لكن ما هو دور قادة العالم الثالث الفاسدين في تخريب بلدانهم بأنفسهم حيث شهدنا فشلا كاملا وذريعا لأنظمة الاستقلال؟
لعب الغرب دورا بارزا في تصفية القادة الثوريين المخلصين، حيث حدثت تصفية جسدية لكل من يستطيع فعلا أن يبني دولة جدية ناجحة. حيث تم اغتيال باتريس لوممبا في ١٧ يناير/ كانون الثاني ١٩٦١، وتم قتل أميرال كابرال في ٢٠ يناير/ كانون الثاني ١٩٧٣، وبارتيمي في أوغندا سنة ١٩٦٠ بتفجير طائرته في الجو، وتم إغراق حركة الاستقلال المسلحة في الكاميرون في مستنقع من الدماء من قبل الجيش الفرنسي وتم اغتيال الزعيم المغربي المهدي بن بركة في فرنسا وفرحات حشاد، الزعيم النقابي، في تونس .
يجب أولا التأكيد على هذه الأحداث المتعاقبة التي استهدفت القادة الوطنيين المخلصين. فالغرب قد استخدم أسلوب القتل ضد كل من رآه خطيرا على مصالحه. وثانيا، يأتي الفساد والاستغلال حيث يتم نهب ثروات البلاد، فموبوتو وضع ثروته هنا في سويسرا... وبخاصة أن الفساد والرشوة يدمر علاقة الثقة بين المواطن والسلطة.
فهو وسيلة للهيمنة الأجنبية وهذا ما بينته في معالجتي لحالة نيجيريا بالوثائق والأرقام... ونفس المشكل يتكرر في كل مكان في إفريقيا: الكونغو والنيجر ونيجيريا... فشركات النفط تدفع أموالا لهؤلاء الحكام وتفسدهم وتدعمهم... ولو حدثت انتخابات نزيهة شفافة لأوصلت إلى السلطة حكاما وطنيين مخلصين يدافعون عن مصالح بلدانهم بدل مصالحهم الخاصة. واعتبر مسؤولية الغرب مزدوجة فهو يساعد هؤلاء الحكام الفاسدين في بلدانهم ضد معارضيهم وفي الآن نفسه يستقبل أموالهم المهربة في بنوكه.
حوار: رياض الصيداوي
رقم: 21221