الدكتور فاروق مصطفى: إن (موائد الرحمن) مستمرة لحد الآن رغم تعاقب العصور وتيمناً بالسيدة زينب (ع)
يوجد في مصر القديمة (القاهرة القديمة) حيين كبيرين وهما حي السيدة زينب(ع) وحي سيدنا الحسين(ع) وهي أحياء ضخمة جداً ،تنصب فيهما سرادقات كبيرة بعد الإفطار تقدم فيها مختلف الفنون الشعبية المصرية وسرادقات أدبية ثقافية وذلك حتى أذان الفجر كما تتضمن هذه السرادقات دروس في قرآءة القرآن والتفقه الديني،وهذا عرف معمول به حتى اليوم
وكالة أنباء التقريب (تنا )
التقى مراسل وكالة أنباء التقريب (تنا) في دمشق السيد الأستاذ الدكتور فاروق مصطفى رئيس قسم الإعلام الموجه في جامعة تورينو بايطاليا (له كتاب بعنوان الطقوس العربية في رمضان باللغة الايطالية ومترجم إلى العربية) وأجرى معه المقابلة التالية:
س- جناب الدكتور هل لكم أن تحدثونا عن العادات والتقاليد التراثية الرمضانية في مصر؟
ج- كانت الحياة الاجتماعية في مصر نمطية قبل الدولة الفاطمية ثم ابتدأ المصريون يتأثرون بالموجة التي نشرها الحكم الفاطمي المزدهر ، ومن أشهرها ما يعرف بفانوس رمضان (وهو ما يتداوله الأطفال في اللعب اليوم) وأصله أن الخليفة الفاطمي كان يقوم بعمرة رمضان قبل اسبوع من الشهر الفضيل وعند عودته إلى القاهرة يستقبله ولاة الأمر والقائمين على الحكم وكبار المسؤولين على مشارف القاهرة ، وكان دائماً ما يصل ليلاً فكان المستقبلون يحملون الفوانيس لإضاءة الطريق واستقبال الخليفة ،ثم يستعد الناس لاستقبال الشهر الفضيل باستهلال هلال رمضان حيث يقوم دار الإفتاء بتأكيد بداية الشهر من عدمه ، وفي حالة ثبوت الرؤيا يعلن المفتي بداية الشهر الفضيل ،وكان أبناء الشعب يقومون باحتفال ضخم جداً يشترك فيه كافة شرائح المجتمع وكل القطاعات الصناعية والخدمية والحرفية في استعراض يبلغ طوله حوالي ٢ كم ويسمى هذا الاحتفال الرؤية (أي رؤية هلال شهر رمضان) فيسيّروا مركبات تجرها الخيول تمثل كافة الأنشطة التجارية والصناعية والحرفية وغيرها فمثلاً عربة للنحاسين وأخرى للحلاقين وثالثة للمنجدين ووو... إلخ ... ويصطف الناس على جانبي الطريق لتحية الحرفيين بنثر الورود والأرز عليهم، ويرأس هذا العرض (المهرجان) شاهبندر التجار الذي يمر بموكبه على دار الإفتاء حيث يكون المفتي بانتظاره، ثم يصطحبه وجمهور العارضين إلى مقر الخلافة وهناك يستقبلهم الخليفة ويصدر (فرماناً) يقضي بأن يوم الغد هو أول أيام شهر رمضان المبارك.
س- كيف نشأت فكرة المسحراتي؟
ج-بما أن الخلفاء كانوا كثيروا الأكل ،فقد وكلوا من يقوم بايقاظهم لتناول طعام السحور ومن هنا جاءت فكرة المسحراتي وانتشرت في بقية الدول الإسلامية.
س- أرجو أن تحدثونا عن الأطعمة والحلويات الخاصة بالشهر المبارك؟
ج- كان الخليفة المستنصر بالله كثير الأكل ، وكان يتضور جوعاً من الصوم ، فأرسل في طلب الطهاة من مختلف أنحاء الدول العربية وطلب منهم أن يقوموا بعمل (أكلة) تشبعه ويستمر تأثيرها في الصائم حتى موعد الإفطار كي لا يشعر بالجوع، ومن هنا نشأت (الكنافة والقطائف) ، وأخذ الناس من الخليفة هذه الأكلة وأصبحت من عادات شهر رمضان في مصر، فنجد أن من مظاهر رمضان في مصر أن الناس يقومون بعمل فرن الكنافة على رأس كل شارع أو حارة كبيرة ويعد هذا مؤشر لقرب قدوم شهر رمضان ، كما وتبدأ موائد الرحمن التي يمولها الخليفة في كل حي من الأحياء حيث تنصب السرادقات الضخمة وتقدم فيها أفخر أنواع الأطعمة والحلويات ،وهي لا تختص بفئة دون أخرى بل تقدم لكافة طبقات المجتمع ، وهذا الاجراء (موائد الرحمن) مستمر لحد الآن رغم تعاقب العصور وتيمناً بالسيدة زينب (ع) كان يصنع نوع من الحلوى اسمها أصابع زينب في حي السيدة زينب ، فقط في رمضان ثم انتشر في بقية الأحياء والدول العربية والإسلامية.
س- ماهي النشاطات الدينية والثقافية في هذا الشهر المبارك؟
ج- يوجد في مصر القديمة (القاهرة القديمة) حيين كبيرين وهما حي السيدة زينب(ع) وحي سيدنا الحسين(ع) وهي أحياء ضخمة جداً ،تنصب فيهما سرادقات كبيرة بعد الإفطار تقدم فيها مختلف الفنون الشعبية المصرية وسرادقات أدبية ثقافية وذلك حتى أذان الفجر كما تتضمن هذه السرادقات دروس في قرآءة القرآن والتفقه الديني،وهذا عرف معمول به حتى اليوم ، وهو ما تنفرد به مصر دون بقية البلدان الإسلامية ،وكان مما يتصف به هذا الشهر الفضيل أن يبدأ أمير الحج (وهو وزير الداخلية) بإعطاء الأمر بالشروع في خياطة كسوة الكعبة المشرفة ، حيث يقوم معظم الناس بالذهاب إلى منطقة الخيامية عند باب النصر في حي سيدنا الحسين(ع) حيث مقر خياطة الكسوة ويتبرع كل حسب مقدرته الكمالية بما يتيسر له ومهما كان المبلغ بسيطاً (قروش) ، ويستمر العمل في تجهيز كسوة الكعبة المشرفة مدة شهرين ويشترك في العمل ١٠٠ صناعي ،وبعد اتمام العمل يقوم المحمل بنقل الكسوة إلى مكة المكرمة ، وذلك قبل اسبوع من بداية موسم الحج ضمن مهرجان يسمى (مهرجان المحمل)الذي يشرف عليه وزير الداخلية بصفته (أمير الحج)
س- هل هناك مظاهر للتواصل وتبادل الزيارات في هذا الشهر الفضيل ؟
ج- كانت الأسر عادة ما تجتمع على مائدة الإفطار في بيت كبير الأسرة (الجد أو الجدة) وهذا مظهر من مظاهر صلة الرحم حيث يشكل زيارة يومية ولقاء دائم خلال هذا الشهر الفضيل .
س- كيف يتم الاستعداد لاستقبال عيد الفطر المبارك؟
ج- قبل الحديث عن العيد لابد لي أن أذكر لك طقوس توديع الشهر المبارك ،ففي الجمعة الأخيرة من هذا الشهر تقوم مشيخة الطرق الصوفية (وهم كثيرون) بعمل موكب ينتهي في جامع الأزهر القريب جداً من مقام سيدنا الحسين (ع) (حوالي ٥٠ متر) حيث يقوم شيخ الإسلام (شيخ جامع الأزهر) بإلقاء خطبة وداع شهر رمضان وهذا دليل على قرب انتهاء الشهر ،كما كان كبار قراء القرآن يجتمعون في قصري عابدين والقبة في القاهرة ، ورأس التين والمنتزة في الأسكندرية لقراءة القرآن بحضور الملك أو من ينوب عنه ، كما يتم ذلك في مقام السيدة زينب (ع) ورأس سيدنا الحسين (ع) والسيدة نفيسة والسيدة عائشة وكل الجوامع في مختلف المدن المصرية وخاصة الكبيرة منها تقوم بهذا التقليد حيث تبدأ بقراءة القرآن وتنتهي بقراءة التواشيح الدينية طوال الليل حتى موعد صلاة الفجر، واستعداداً لعيد الفطر المبارك يقوم المصريون على كافة مستوياتهم بعمل نوع من الكعك يسمى (كعكة العيد) وأطرف ما في كعكة العيد أن كل من يعمل الكعكة يوزعها على الآخرين وممنوع أن يأكل من صنع يده ، كما تقوم العائلات على كافة المستويات بتجهيز أولادها بملابس جديدة ، كما وتقام صلاة العيد في كافة الجوامع وأيضاً في الشوارع والساحات العامة الكبيرة.
شكراً لكم حضرة الدكتور.
حوار : ناصر الحكيمي\دمشق