لقد طرح امتناع اسرائيل عن توقيع المعاهدة الكثير من علامات الاستفهام حول نوايا اسرائيل في المجال الذري ،
الدکتور امین حطیط لوكالة أنباء التقريب (تنا):
عول العالم كثيرا على الوكالة الدولية للطاقة الذرية
28 Sep 2010 ساعة 9:55
لقد طرح امتناع اسرائيل عن توقيع المعاهدة الكثير من علامات الاستفهام حول نوايا اسرائيل في المجال الذري ،
خاص بوكالة أنباء التقريب (تنا)
صوتت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الآونة الأخيرة على قرار يلزم الكيان الصهيوني بالتوقيع على معاهدة الحد من الانتشار النووي، حول هذا الموضوع والتطورات التي طرأت على البرنامج النووي العالمي وجهنا الأسئلة التالية للخبير الاستراتيجي اللبناني الدكتور أمين حطيط:
ما هي أبعاد ارغام اسرائيل على التوقيع على اتفاقية الحد من الانتشار النووي؟
عندما انشئت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (A.E.A. atomic energy agency)في عام 1957 كجهاز يعمل تحت اشراف الامم المتحدة من اجل منع انتشار السلاح النووي و التأكيد على استعمال الذرة في المجال السلمي فقط، و الحد من المخاوف التي يشكلها السلاح الذري الموجود بيد عدد قليل من الدول (الاعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الامن) عول العالم آنذاك على هذه المنظمة خاصة بعد ان اعتمدت اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي NPT الاتفاقية التي بدأ التوقيع عليها في العام ۱۹۶۸ بقصد " منع انتشار الأسلحة النووية التي تهدد السلام العالمي ومستقبل البشرية " حمل معظم دول العالم الى المسارعة للتوقيع عليها خاصة وانها ضمنت للدول الأعضاء عدة أمور:
- الحق في امتلاك واستخدام التقنية النووية للاستعمال السلمي للطاقة.
- يتعين على الدول النووية مساعدة الدول الأعضاء من أجل امتلاك واستخدام التقنية النووية للأغراض السلمية.
- حظر تهديد اي دولة غير نووية او مهاجمتها بالسلاح النووي من قبل دولة نووية.
- حق الدولة المهددة او المعتدى عليها نوويا ان تطلب المساعدة من دولة نووية لدفع التهديد و العدوان عليها.
و بعد ان اكتمل توقيع الدول النووية الخمس على المعاهدة في عام ۱۹۹۲ بذلت جهودا عالمية لحمل باقي دول العالم على التوقيع وقد استجابت أغلب الدول لذلك ووصل عدد الموقعين على الاتفاقية حاليا الى ۱۷۰ دولة لكن اسرائيل امتنعت ولا تزال عن التوقيع. و هنا طرحت علامات الاستفهام حول اسباب هذا الامتناع خاصة وان اسرائيل تمتلك سلاحاً نوويا و تمارس حياله سياسة الغموض النووي، السياسة التي بمقتضاها لا تنفي امتلاكها للقنبلة الذرية بل تلمح وتوحي بامتلاكها القدرات النووية كما فعل بيرز و اولمرت مؤخرا،كما انها لا تكشف عما لديها من رؤوس نووية و لا تسمح بتفتيش منشآتها من قبل وكالة الطاقة النووية، الا أن المعلومات المتسربة تشير الى ان اسرائيل تملك في الحد الادنى ۸۰ رأسا نوويا جاهزا للاستعمال على ما جاء في التقرير السنوي لمعهد السلام العالمي في استوكهولم في العام ۲۰۰۹ ، و انها تملك ۲۵۰ راسأ على ما تتناقل تقارير اجهزة المخابرات الدولية غربية او سواها.
لقد اثار امتناع اسرائيل عن توقيع المعاهدة الكثير من علامات الاستفهام حول نواياها في المجال الذري، فاذا كانت تخشى من تهديد نووي مثلا فان المعاهدة تعطيها الحق بطلب المساعدة من دولة نووية للدفاع عنها، خاصة و ان لها ثلاثة اصدقاء او حلفاء استراتيجين من بين الدول النووية (اميركا بريطانيا و فرنسا) اذن لا يمكن ان نجد في الخوف من السلاح النووي مبررا لعدم التوقيع. و اذا كانت تريد الاستعمال السلمي فان المعاهدة تضمن لها ذلك، و يبقى امران يبدو ان اسرائيل تتوخاهما من عدم التوقيع، التهديد بالسلاح النووي من اجل الضغط السياسي، و الاستعمال النووي ضد دولة لا تملك هذا السلاح و هو ما تمنعه الاتفاقية. وبما ان اسرائيل تتمتع بنفوذ و حلفاء في الساحة الدولية الامر الذي مكنها من الصمود امام الضغوط فقد استطاعت حتى الان و منذ اربعة عقود من التفلت من التوقيع و الاستمرار في سياسة الغموض النووي.
و لكن طرأ في الاونة الاخيرة بعض التغيير في السياسة النووية العالمية وذلك عندما اطلق الرئيس الأميركي باراك اوباما استراتيجيته النووية الجديدة الرامية الى نزع السلاح النووي من العالم بشكل عام ، و ان يكون البدء بشكل خاص من الشرق الاوسط، المنطقة الاخطر و الاكثر خصوصية في العالم من حيث موقعها الاستراتيجي و جغرافيتها السياسية.
مدى تأثير نزع الأسلحة النووية على الامن و السلام العالميين ؟
هنا وجد من يرى في امتلاك اسرائيل للسلاح النووي تهديدا له و لأمن المنطقة و لأمن العالم برمته، وجد ان الفرصة باتت مناسبة لفتح الملف النووي الاسرائيلي، ودعوة اسرائيل الى التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، لتبدأ بعد ذلك فرق التفتيش الدولي العمل على كشف البرنامج والمنشآت والترسانات النووية الاسرائيلية النووية كمقدمة لحملها على التخلي عن هذا السلاح.
لقد اختار المعنيون منصة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاتخاذ قرار يدعو اسرائيل الى التوقيع على الاتفاقية، وقدموا مشروع قرار بذلك عندها وقعت الفضيحة حيث كان تصويت الاكثرية ضد هذا الطلب، اي ان الوكالة رفضت ارغام اسرائيل على التوقيع على المعاهدة، و رفضت اخضاع اسرائيل للنظام العالمي الذي يحظر انتشار السلاح النووي، و قد كان لاميركا و للدول الاوربية الدور الاساس في اجهاض المحاولة و منع اتخاذ الوكالة لمثل هذا القرار.
و هنا تطرح اسئلة عدة حول صدقية ما يسمى بـ "المجتمع الدولي" في تحركه لتطبيق اتفاقية حظر الانتشار النووي، خاصة و اننا نرى و نتابع حالتين متناقضتين في موضوع واحد : ايران واسرائيل، فيرفض أغلبية أعضاء الوكالة الضغط على اسرائيل لارغامها على التوقيع على المعاهدة و لا تحرك الوكالة الدولية ساكنا تجاه ملفها النووي رغم أنه عسكري بينما تمارس شتى الضغوط على ايران التي وقعت على المعاهدة بشكل طوعي، ونفذت البروتوكول الملحق بالمعاهدة، و فتحت منشآتها النووية للتفتيش، ورغم كل ذلك تبتز و تلاحق في مجلس الامن و تفرض بحقها العقوبات الدولية للمرة الرابعة على التوالي وتهدد بالمزيد، كل ذلك لوجود ظن لا يرتكز الى دليل بان لايران نوايا في امتلاك السلاح النووي .
ما انعکاسات هذا الموقف علی الوکاله بالذات؟
مع هذا المشهد حيث التناقض الفاضح في السلوك نرى ان سقوط مشروع قرار دعوة اسرائيل للتوقيع على معاهدة حظر السلاح النووي يؤكد على ما يلي :
۱) ان الوكالة ليست هيئة دولية نزيهة وعادلة ، و ليست صادقة في ما تعلن وأنها لا تريد حفظ الامن و السلام العالمي، انما هي جهاز دولي تسيره منظومة تسمى" المجتمع الدولي "وتقوده أميركا، و غايتها الحقيقية ابقاء السلاح النووي حكرا على الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية و حلفائها او من ترضى عنهم ويلتحق بهم ، كما هو حال باكستان و الهند و اسرائيل، اما من لا يسير في فلكها، فيمنع من السلاح و كذلك من الطاقة و التقنية النووية حتى و لو كانت للاستعمال السلمي. ان امنتاع الوكالة عن دعوة اسرائيل للتوقيع على اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي، لم يسقط مشروع القرار فحسب، بل اسقط صدقية الوكالة ذاتها و عراها امام الراي العالم الواعي و المتجرد.
۲) ان سقوط مشروع القرار الذي قدمته الدول العربية، فضح علاقة هذه الدول باميركا، و اظهر هذه الدول بانها مجرد كيانات هشة لا وزن سياسي او استراتيجي لها في الميزان الاميركي عندما تكون اسرائيل في الكفة الاخرى من الميزان.
۳) ان سقوط مشروع القرار المذكور يعني ان اوباما غير جاد في استراتيجيته، و ان ما اطلق من وعود بشان نزع السلاح النووي من العالم هو سلوك كاذب يقصد منه فقط الخداع و ان ما يقصد بالضبط هو نزع سلاح الخصم او منع الخصم من امتلاكه اما الحلفاء فلا يسري عليهم الامر.
۴) ان تبرير الموقف الاميركي بخدمة المفاوضات بين السلطة الفلسطنينة و اسرائيل و الحرص على السلام في المنطقة امر فيه من الخطورة ما لايستهان به، حيث انه يفسر و ببساطة ان لاسرائيل الحق بالضغط بالسلاح النووي و التهويل به على الاقل حتى يسلم لها على طاولة التفاوض بما تريد من مصالح حتى و لو كانت هذه المطالب حقوقا ثابتة للغير، فالمهم غربيا و اميركيا مصلحة اسرائيل.
و هنا نتذكر ما جاء في مؤتمر هرتزيليا التاسع الذي اوصى اسرائيل برفض اي قرار يقيدها في المجال النووي و الاستعداد لاستعمال القنبلة النووية التي تملكها عندما تعجز الاسلحة التقليدية عن دفع الخطر المهدد بزوال الدولة، او عندما يكون العدو قد شارف او امتلك قنبلة نووية او سلاح دمار شامل.
۵) ان في رفض الوكالة الدولية لفتح الملف النووي الاسرائيلي، و اقدامها على منح حصانة دولية غير معلنة، دعوة واضحة للقوى و الهيئات التي لا تنضوي تحت الراية الاميركية ان لا تتكل على المنظمات الدولية لرعاية مصالحها و ملاحقة خصومها، بل أن المبادرة المستندة الى القوة هي الوحيدة التي يعول عليها في الدفاع عن المصالح الوطنية و القومية و الانسانية لتلك الجهات. و هذه رسالة موجهة تحديدا بشكل خاص الى ايران التي عليها ان لا تنتظر عدلا او نزاهة من وكالة الطاقة الدولية او من مجلس الامن لحماية ملفها النووي السلمي، بل ان الحماية هذه لا تحققها الا قوتها الذاتية و قوة تحالفاتها الصادقة.
أجرى الحوار: لقاء سعيد
رقم: 26911