الأمة الإسلامية أمة عظيمة وثرواتها كبيرة لكن بحاجة إلى قيادة؛ قيادة من نوعين: قيادة سياسية وقيادة العلماء

قال "الدكتور رائد نصري أبو مؤنس" أستاذ قسم الفقه وأصوله بالجامعة الأردنية خلال حوار خاص مع وكالة أنباء التقريب (تنا) أن الحج فريضة إلهية لها معان سامية ومتعددة من أهمها الوحدة الإسلامية قائلا: الحكمة الأساسية من الحج هي الوحدة الإسلامية. أن هذه المعاني والحكم الجليلة في الحج لايمكن أن تتحقق إلا إذا ساهم الناس وخصوصا العلماء في شرحها للناس، وأضاف أبو مؤنس: الحج فرصة ممتازة لتتعرّف الشعوب الإسلامية على مشاكل بعضهم وأن يعود كل شعب إلى بلاده وفي عقله صورة عن المشاكل التي يعيشها إخوانهم المسلمون ويحاولون مساعدتهم .
وإليكم نص الحوار: 

ما هي فلسفة الحج ومناسكه؟
الحج عبادة عظيمة فرضها الله على المسلمين لمعان متعددة من أهمها الوحدة الإسلامية؛ ففي مناسك الحج وشعائره تختفي كل الفواصل والفوارق بين المسلمين ولاتمييز بين غني وفقير، ولاتمييز بين الأعراق المختلفة؛ فالكل أمام الله في هذا الموقف عباد الله سبحانه وتعالى ولهذا جعل الله أحد مظاهر الحج اللباس والرداء الذي يرتديه الرجل، فجعله الله سبحانه وتعالى على أبسط هيئاته حتى يكون جميع الناس سواسيا؛ فالفقير والغني يرتدون نفس الرداء وبنفس القيمة تقريبا ونفس الشكل حتى يشعر المسلم بأنه أخو المسلم وأنه كان غنيا أو حاكما أو موظفا كبيرا أو فقيرا، كلهم أمام الله تعالى سواسي يرفعون يديهم إلى السماء ويقولون ياربّ ويستجيب لهم ربّ واحد، فالحكمة الأساسية من الحج هي الوحدة الإسلامية. 

ما هو دور العلماء والنخبة والحكام في تكريس الفلسفة الحقيقية للحج؟ 
هذه المعاني والحكم الجليلة لايمكن تحقيقها إلا إذا ساهم الناس وخصوصا العلماء في شرحها. ولمساهمتهم مرحلتان: مرحلة ما قبل الحج ومرحلة أثناء الحج. مرحلة قبل الحج هي لشرح هذه المعاني للمسلمين عموما وللذين يؤدون الحج خصوصا فيقولون لهم، أنكم ستنتقلون إلى الديار المقدسة وستجتمعون على صعيد واحد تُخلصون فيها النية فعليكم أن تفتحوا قلوبكم لإخوانكم بغض النظر عن مذاهبكم وانتماءاتكم وأعراقكم. 

وعلى العلماء أن يطبقوا هذه المفاهيم على أرض الواقع بأن يدخلوا بين الحجاج ويتواصلوا معهم ويلقوا لهم المحاضرات التي تُبين أهمية الوحدة الإسلامية والتي تُقرّب بين الشعوب الإسلامية والتي تعمل على غرس المحبة بين الشعوب الإسلامية والتي تعمل على أن يتعرف كل الشعوب الإسلامية على مشاكلهم وهموم الشعب الآخر. 

فعلى سبيل المثال قد يتعرض بعض أجزاء العالم الإسلامي لمشاكل كالحروب والكوارث و... وهذه القضايا قد تغيب تفاصيلها عن الشعوب الأخرى والحج فرصة ممتازة لتتعرّف الشعوب الإسلامية على مشاكل بعضهم وأن يعود كل شعب إلى بلاده وفي عقله صورة عن المشاكل التي يعيشها إخوانهم المسلمون ويحاولون مساعدتهم. مثلا نعود إلى أندونيسيا أو ماليزيا أو إيران أو تركيا ونعرف أن هناك جزءا من العالم الإسلامي اسمه فلسطين بحاجة إلى المساعدة ومن ثَمّ نخطط كيف نساعدهم وذلك بعد أن تعرفنا على الحجاج المسلمين الذين أتوا من فلسطين. أو نعرف مثلا أن هناك حجاجا من باكستان تعرضوا لأزمة الفيضانات. نريد أن نتعرف كيف يمكن مساعدتهم لأننا جميعا مسلمون وجميعنا يسألنا الله سبحانه وتعالى لماذا لاتساعد أخاك المسلم؟ فالحج ليس مجرد عبادة أو مجرد مضي الوقت وإنما هو مؤتمر عالمي للوحدة الإسلامية يُجدد كل سنة في نفس المكان و في نفس الوقت. 

من هذا المنطلق وكما أشرتم اذا كان الحج مؤتمرا عالميا فبرأيكم ما هي المحاور التي ينبغي أن يتضمنها البيان الختامي له؟ 
مرة أخرى أقول الوحدة الإسلامية. الله سبحانه وتعالى عندما فرض الحج كان يعلم أن المسلمين سينقسمون وسيتفرقون ويريد أن يذكّرهم في كل عام أنكم مسلمون وأنكم يجب أن تكونوا متوحدين؛ كوحدة الجسد يشعر بعضنا ببعض، فاذا كان هذا الجزء من الأمة ضعيف على الأجزاء القوية من الأمة أن تساعده وهذا الجزء من الأمة فقير فعلى الأجزاء الغنية أن تساعده وهكذا. 

فالوحدة الإسلامية هي الرسالة الأساسية للحج التي يجب على المسلمين أن يفهموها وأن يتذكروها وأن يعملوا على تحقيقها كل سنة وأن يستغلوا الحج فرصة لوضع برامج عملية تساعد على تحقيق هذه المعاني السامية؛ وعلى سبيل المثال بإمكاننا أن نناقش في هذا العام من الحج الأزمة الاقتصادية للأمة الإسلامية بأكملها وبالتالي نعرف أي بلاد ضعيفة أو أي بلاد تضررت بالأزمة الاقتصادية فكيف يمكن أن نساعدها وهذه مهمة العلماء والنخب والحكام والمثقفين أن يستغلوا فرصة الحج لتطوير الأفكار. 

الأمة الإسلامية أمة عظيمة وثرواتها كبيرة لكن بحاجة إلى قيادة؛ قيادة من نوعين: قيادة سياسية وقيادة العلماء؛ وإذا اجتمعت القيادتان ستنهض الأمة وإذا لم تجتمع ستبقى الأمة ضعيفة، أننا أغنى الأمم وعندنا نفط وغاز ومعادن وأننا أمة شابة، فما الذي يمنعنا من القيام بدورنا في العالم؟ ينبغي أن نستثمر الحج كفلسفة وحكمة وأن نتوحد.