علماء الأمة عندما يلتقون على تلك الأرض عليهم أن يكونوا في مستواها الروحي ، وينسون الخلافات المذهبية
باحث اسلامي لوكالة أنباء التقريب (تنا)
اذا لم يحل المسلمون مشاكلهم في الحج فأين يحلونها؟
وكالة أنباء التقريب (تنا)
11 Nov 2010 ساعة 15:28
علماء الأمة عندما يلتقون على تلك الأرض عليهم أن يكونوا في مستواها الروحي ، وينسون الخلافات المذهبية
نعيش هذه الايام الموسم العبادي الالهي وهو موسم الحج ولاشك لكل عبادة فلسفة واهداف، فما أهداف وفلسفة الحج، حول هذا السؤال وأسئلة أخرى حاورنا الكاتب الاسلامي المصري الدكتور علي ابو الخير مديرمركز الفارابي للدراسات الاستراتيجية والسياسية، وفيما يلي نص الحوار ..
ما هي المشاكل والتحديات التي تواجه المسلمين وهل أنهم مستعدون للتصدي لها؟
ان أدراك المسلمين لمشاكلهم هي أول الطريق لحل تلك المشاكل ، وإذا لم يستطيعوا حل المشاكل في الحج ،فأين يحلوها ؟ إن مكة المكرمة بقعة يقدسها المسلمون ، وأن مشاكلهم تبدأ عندما ينسون أن عليهم حلها ، وذلك في عالم تسوده المصالح والأهداف والاستكبار العالمي ، فيجب التصدي للمشاكل وإدراك أن المشاكل هي التي تفرق ، وهي التي تجعل العدو الصهيوني يستسهل فرض إرادته على المسلمين ، ويكفي أن تكون أحد أركان الحج البراءة من المشركين والمستكبرين، والمنافقين ، فلابد من البراءة منهم والعمل على سيادة الهدف الرسالي الذي يدعو اليه الإسلام ، فيجب إدراك المشاكل والعمل على إيجاد حلول لها، ومن ثم تناسي كل الخلافات المذهبية والتاريخية التي تمزق المسلمين .
كيف يمكن تفعيل الأهداف الحقيقية للحج؟
الحج يقوم على فكرة المساواة وعلى البر والتعاون ، والمسلمون مطالبون بأن يجعلوا الحج تذكيرا بضرورة وحدة الأمة الإسلامية ، وبما أن الحج لقاء سنوي فينبغي تفعيله من أجل الوصول لتلك الوحدة المنشودة ، وأن يوم عرفة الذي يتجمع فيه الحجاج يجب أن يكون قائما على أسس إسلامية خالصة ، و لا شك أن علماء الأمة عندما يلتقون على الأرض التي شهدت مولد الرسالة وصاحب الرسالة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، سيكون لقاؤهم مباركا ، لأنهم يقيمون على الأرض التي استقبلت أول كلمات السماء وارتوت من دماء الشهداء كسمية وياسر وسائر الشهداء، فعلماء الأمة عندما يلتقون على تلك الأرض عليهم أن يكونوا في مستواها الروحي ، وينسون الخلافات المذهبية ، وأنهم جميعا يشتركون في أركان الإسلام ، وأن خلافاتهم بسيطة ، أن خلاص النية للوحدة هو الطريق للوحدة ، لأن هدف الحج الأسمى هو وحدة المسلمين.
ما هي فلسفة الحج وفلسفة مناسكه؟
يعتبر الحج أحد أركان الإسلام ، ولا يصح إسلام الإنسان بدون الحج ، ولأن الحج فيه مشقة ولابد من الإستطاعة ، فجعل الله تعالى الحج فرضا على من استطاع إليه سبيلا ، والاستطاعة هنا تكون بالقدرة المالية والصحية ، ولكن لابد للإنسان أن يسعى للحج ، فإن لم يستطع يكون غير آثم، والحج بحد ذاته فريضة تذكّر الإنسان بالدنيا والآخرة ، والحج يجعل كل الناس سواسية كأسنان المشط ، ففلسفة الحج تكمن في المساواة بين المسلمين جميعا، ثم يأتي الإحرام ليذكّر الناس بالموت ، فهو زي يشبه الكفن ، ومن هنا تأتي مناسك الحج لتتناسب مع أهميته، فالطواف يذكّر بالكون والفلك الدائر الذي لا يفتأ يقوم بالتسبيح للخالق.
فكل شيء يسبح بحمد الله ولكن لا نفقه تسبيحه، ويأتي الطواف متناغما مع دورة الفلك ودورة حياة الإنسان، ودورة الكون اللامتناهي، أما الإقامة في منى فهي عنوان الطاعة الله في أيام محددة لا يقوم فيها المسلم سوى بذكر الله، كما أن الوقوف بعرفة عنوان لوحدة المسلمين والتقائهم على اختلاف مذاهبهم، أما رمي الجمرات فهي تذكّر برحلة وسيرة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام والسيدة هاجر ونبي الله إسماعيل، بالإضافة إلى أنها تجعل المسلم يفكر في التكفير عن ذنوبه التي سترها الله تعالى، وأن الشيطان هو العدو الأكبر الذي يجب رميه، وأيضا هناك شياطين من الإنس لا يقل مكرهم عن الشيطان الأكبر، أما النحر فانه يرمي الى التكافل الاجتماعي وتجعل الفقراء يشعرون أن الله معهم لأنه فرض على الحجاج الأضحية ، وجعلها سنة لغير الحجاج ، وأن عيد الأضحى المبارك يقوم على البر والإخاء .
هناك من يعتقد أن الحج فريضة فردية وعبادية بحتة وليست اجتماعية فما رأيك بذلك؟
الحج فريضة فردية بالدرجة الأولى، ولكنها في النهاية فريضة اجتماعية وسياسية واقتصادية والحاج يطيع ربه أولا ، ولكن عليه أن يلتقي بإخوانه المسلمين ، للتفاعل مع الآراء والأفكار التي تجعل الحج فريضة للوحدة ، كما أنها فرصة لتفاعل المصالح الفردية والجماعية، والمنافع هنا منافع دينية روحية واقتصادية استثمارية، فلا يمكن فصل فريضة الحج الفردية على هدفها الاجتماعي والسياسي والمعنوي والروحي، فالحج هو كما قلنا لقاء بين المسلمين، ولا يمكن فصل هذا عن ذاك، وهنا يكون الحج حقيقيا، ولا أنسى كلمات الإمام الخميني لحجاج بيت الله الحرام بأن عليهم أن يؤدوا الفريضة كما أداها النبي الأكرم، وعليهم أن يجعلوا الحج مناسبة للتفاعل ، وأن لا تطغى المصالح على الروح والوجدان، فلا ينشغل المسلم عن عبادته ويتركها أو لا يؤديها كما يجب ويخرج للتسوق، فالحج أسمى من ذلك، ولكن على المسلم أن يتأمل في كل شيء في مكة المكرمة ، وعند زيارته للمدينة المنورة وقبر الرسول العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، فالحج في النهاية هي الفريضة التي تشهد كل المسلمين في مكان واحد وزمان واحد.
ما هو دور العلماء والنخبة والحكام في تكريس الفلسفة الحقيقية للحج؟
إذا كان على العوام أن يؤدوا الحج كما أداه النبي ، فلابد للعلماء والمفكرين أن يكونوا طليعة وقادة الحجاج، وأن يأخذوا بيدهم ويعرفوهم بأن الحج طاعة فردية ولها أبعاد اجتماعية وسلوكية ووحدوية ، فالعلماء هم القادة ، وعليهم أن يلتقوا على أهداف مشتركة وأرضية واحدة ، ولا ينبغي الحديث عن الخلافات طالما أنهم موجدون على الأرض المباركة ، وإلا كان حجهم عبثا ، فمثلا على ممثلي علماء المذاهب أن يلتقوا ليشعر المسلمون أن علماءهم يسعون الى الوحدة ، ولا ننسى فتوى الإمام الخميني للمسلمين الشيعة بأن يصلوا خلف إمام الحرم النبوي أو المكي ، وهي فتوى وحدوية تصب في النهاية لخدمة الإسلام .
كيف يمكن تنفيذ مشروع التقريب بين المذاهب في الحج؟
إن الحج كما هو معلوم فريضة يجتمع فيها المسلمون للوقوف أو البقاء في أماكن واحدة وفي زمان واحد ، وأن هذا تنبيه للمسلمين بأن قبلتهم واحدة وإلههم واحد ، وعليهم أن أن يتقاربوا فيما بينهم، وكما قلنا أن على أئمة المذاهب أو ممثليهم أن يؤدوا الحج معا من أجل أن يشعر العوام أنهم وحدة واحدة ، لهم دين واحد وقبلة واحدة وعدوهم واحد ومشترك ، وأن التقريب فيما بينهم أولى خطوات الوحدة الإسلامية ، مع العلم أن من القضايا التي توجب الكفارة هي التنابز والجدال ، ومن هنا يجب على المسلمين عدم الجدال في أي شيء ، فما بالنا اذا كان الجدال يؤدي للفرقة وأنه يدمر الأخوة الإسلامية ، إن الجدال منهي عنه في غير الحج ، فهل يمكن المجادلة في الحج؟ هذا لا يكون ، إن فرصة الحج للوحدة والتقريب أهم من أي شئ آخر ، بل هو هدف إسلامي عام لا يجب التخلي عنه أبدا.
اجرى الحوار :لقاء سعيد
رقم: 30840