يجب تجاوز خلافات الماضي الفكرية والسياسية والاجتماعية، تلك الخلافات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي لا فائدة ترجى من بحثها واجترارها إلا المزيد من الفرقة والانقسام والضياع، فالعقلاء يبحثون أمور الحاضر والمستقبل ولا يجترون مشاكل الماضي المأساوية.
الدكتور الكتاني لوكالة أنباء التقريب:
الحوار والتقارب والتضامن الإسلامي بات ضرورة ملحة لخدمة الإسلام والمسلمين
18 Nov 2010 ساعة 3:37
يجب تجاوز خلافات الماضي الفكرية والسياسية والاجتماعية، تلك الخلافات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي لا فائدة ترجى من بحثها واجترارها إلا المزيد من الفرقة والانقسام والضياع، فالعقلاء يبحثون أمور الحاضر والمستقبل ولا يجترون مشاكل الماضي المأساوية.
أجرى مراسل وكالة أنباء التقريب (تنا) لقاءً مع الدكتور عبد القادر الكتاني نائب رئيس قسم الدراسات الإسلامية العليا في مجمع الفتح الإسلامي الذي أجاب على أسئلتنا مشكوراً:
س: ماهي -في نظركم- العوامل التي تشجع على التقارب بين المذاهب الإسلامية المختلفة وتعزز الوحدة بين المسلمين، وما هي سبل دعم هذه العوامل وتنميتها؟
ج: الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) والصلاة والسلام على نبي الرحمة الذي وحد الأمة وأزال عنها الغمة، القائل في جوامع كلمه ( مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ الواحد إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى) والقائل ( يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا) عن أنس بن مالك، وبعد:
فإن هذه الأمة أمة التوحيد، ربها واحد، وكتابها واحد، ورسولها واحد، وقبلتها واحدة، ومع ذلك ويا للأسف فقد تشتت أهواؤها، وتفرقت أهدافها، وتعددت مذاهبها، وضلت عن الصراط بعض فرقها، فظهرت فيها عصبيات كثيرة كالمذهبية والشعوبية والعرقية، وجواباً لسؤالكم فإنني أرى أن بإمكاننا أن نشجع التقارب بين المذاهب الإسلامية المختلفة ونعزز الوحدة بين المسلمين باتباع النصائح التالية:
آ - تثقيف الناس بحقائق الإسلام وثوابته الأصيلة ومقاصده النبيلة، ليعلم الجميع أن الاختلاف في الفروع لا يفسد قضية، ولا يخرج عن ربقة الإسلام، وأن المعيار لكون الرجل مسلماً هو إيمانه بأركان الإسلام الأساسية دون فروع المذاهب، وأن فروع كل مذهب ميزان لعد الرجل من أتباع ذلك المذهب لا لكونه مسلماً.
ب - التأكيد على أن الدعوة إلى التقريب لا تعني بحد ذاتها الدعوة إلى مذهب جديد أو تحويل أفراد فريق ليتمذهبوا بالمذهب الآخر، وإلا فإن الدعوة ستكون دعوة إلى التفريق لا إلى التقريب.
ج - التأكيد على أن الحوار والتضامن الإسلامي الإسلامي بات ضرورة ملحة تخدم الإسلام والمسلمين عموماً ويعتبر هذا الحوار ومن بعده التقارب والتضامن واجباً شرعياً لأنه تلبية لأمر إلهي امتثالا لقوله تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
د - وإذا كان الحوار الإسلامي مع غير المسلمين واجباً علينا بالحسنى لوجوب الدعوة إلى الله عملاً بقوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)، فمن باب أولى أن يكون هنالك حوار إسلامي داخلي بين المذاهب المختلفة وبالحسنى ايضاً، وقبل أي حوار آخر.
هـ - اختيار لجان فقهية معتدلة مشتركة من جميع المذاهب المعتمدة ووضع مناهج للعمل المشترك بينها، ويتبع لهذه اللجان الفقهية لجنة إعلامية من الخبراء الإعلاميين المؤمنين بفكر التقارب لكي تعمل على نقل الأفكار إلى أعمال مصورة وأفلام سينمائية وكرتونية تعبر عن نفسها وكذلك العمل على بناء استراتيجية إعلامية موازية للمقررات الفقهية المتنورة، مما يزيل الحساسيات والمتوارثَ من الأحقاد، ويزيدُ التفاهم والتوافق والانسجام.
س - ماهي ـ في رأيكم ـ الخطوات العملية لجعل مسألة التقارب والوحدة بين المسلمين واقعاً ملموساً وليس مجرد أفكار نظرية؟
ج – لا بد لجعل مسألة التقارب والوحدة بين المسلمين واقعاً ملموساً من اعتمادنا على خمسة بنود أراها من الأهمية بمكان لإزالة أسباب التوتر والشحناء والبغضاء، وعودة الوحدة الشعبية، وأن يتبناها جميع العلماء والدعاة المتنورين في المذهبين والمذاهب الأخرى إذا أردنا حقيقة أن نلم الشمل ونعيد الوحدة للصفوف إن شاء الله تعالى وهذه البنود هي :
١ـ الاتفاق على عدم تكفير أحد من المؤمنين بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وبأركان الإٍسلام خوفا من الوقوع في محذور قول الرسول (من كفر مسلما فقد كفر)، وتصحيح مفهوم ما يسمونه حديث الفرقة الناجية على الرغم من أن بداية الحديث الوارد بهذا المعنى وهي (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى إلى اثنين وسبعين فرقة وتفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة) صحيحة ومتواترة أخرجها عدد من أئمة الحديث، وأوردها جدي سيدي محمد بن جعفر الكتاني في كتابه الشهير (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) وهي في الواقع توقع للاختلاف وسماح به و قبول لنتائجه، أما الإضافة التي أضافها بعض التكفيريين وهي ( كلها في النار إلا واحدة ) فهي من الإدراج، ضعفها عدد من أئمة الحديث قال عنها الإمام السيوطي في (اللآلئ المصنوعة بالأحاديث الموضوعة): لا أصل له بهذا اللفظ، ورواه الترمذي وقال :غريب، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال المناوي: لا أصل له موضوع باتفاق أهل الحديث. وهناك رواية أخرى ضعيفة هي (كلها في الجنة إلا واحدة).
٢ـ تجاوز خلافات الماضي الفكرية والسياسية والاجتماعية تلك الخلافات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي لا فائدة ترجى من بحثها واجترارها إلا المزيد من الفرقة والانقسام والضياع، والتي ينظر إليها العالَم المتحضر على أنها صورة من أبشع صور تخلفنا وضياعنا، فالعقلاء يبحثون أمور الحاضر والمستقبل ولا يجترون مشاكل الماضي المأساوية.
٣ـ الاتفاق على عدم المساس بأئمة آل البيت والصحابة الكرام وبأئمة المذاهب الإسلامية، هذا المساس الذي يوغر الصدور، ويزيد الشحناء والبغضاء دون أية مكاسب ترجى، وإصدار التشريعات المحرمة لذلك، وقد سررنا جداً وسر أهل السنة عموما لصدور فتوى من سماحة المرشد الأعلى الإمام الخامنئي حفظه الله بتحريم الإساءة للصحابة الكرام وأمهات المؤمنين الطاهرات، تلك الفتوى التي أثلجت صدور الجميع.
٤ ـ تشكيل لجان من العلماء المتنورين من المذاهب المختلفة لدراسة ملفات الخلاف، ومحاولة الاتفاق على مرجعية معتمدة ثابتة، للتوفيق بين المذاهب ما أمكننا إلى ذلك سبيلاً، وشعارنا (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه).
٥- نقل فكرة التقارب المذهبي من الرفاهية الفكرية والثقافية لدى النخبة من العلماء والمفكرين المعتدلين إلى الشارع الإسلامي لتتعايش وتترعرع بين عامة المسلمين وتنمو من خلال الممارسة حتى تصبح الألفة والمحبة والصداقة شيئاً طبيعياً، إذ ينبغي أن يعي الجميع أن لا حرج ولا غضاضة في الاختلاف، ويستحسن لإظهار ذلك مشاهدةُ علماء السنة والشيعة يؤدون الشعائر الدينية جنباً إلى جنب أئمة ومأمومين، والعمل على تعمد إظهار ذلك من خلال الصورة التلفزيونية أو الانترنت وخصوصاً في المناسبات والاحتفالات الدينية التي يحرص على حضورها العلماء والجماهير من المسلمين وفي مواقع الطرفين المعروفة والمشهورة حتى تأخذ فكرة التقارب مصداقيتها من التطبيق، ولا تبقى حبيسةً في مجتمعات النخبة الثقافية.
فإذا ما استطعنا تحقيق ذلك فعلاً نكون قد وضعنا اللبنات الأولى للتقارب المذهبي ولعودة اللحمة الشعبية للأمة، مما يمكننا من إزالة ما علق بأذهان البعض من ترهات لا أصل لها في أساسيات المذهبين العظيمين، عندها فقط نستطيع توحيد موقف الأمة من مختلف القضايا المصيرية وتحقيق التكافل والتضامن في مختلف المجالات.
والحمد لله العزيز العليم القائل في محكم التنزيل (وفوق كل ذي علم عليم) صدق الله العظيم.
س- في رأيكم هل أن طرح المسائل الخلافية ومناقشتها على الملأ، يساعد على التقارب والتآلف أم على العكس من ذلك يؤدي إلى الفرقة والتباغض والتباعد بين المسلمين؟
ج - المسائل الخلافية متعددة المستويات فهنالك:
١- مسائل خلافية بسيطة قابلة للنقاش على الملأ.
٢- ومشاكل خلافية عقدية إشكالية قد تثير الحساسيات ولا أرى جدوى من بحثا على الهواء مباشرة، وعلى كل لا بد من تقيد المتحاورين ببعض آداب الحوار ومن أهمها:
١ـ التأدب بأخلاق الإسلام وسيرة النبي العدنان والمجادلة بين المذاهب بالتي هي أحسن فإن كانت المجادلة بالتي هي أحسن مطلوبة شرعا مع غير المسلمين عملاً بقوله تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن) فما بالك بالوضع بين المسلمين.
٢ـ الحكمة في طرح المشكلات والأمور الخلافية طمعاً في أن يشملَنا قوله تعالى (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا).
٣ـ الاحترام المتبادل بين أتباع المذاهب المختلفة امتثالاً لقوله تعالى (وقولوا للناس حسنا).
٤ـ الإنصاف ونبذ التعصب والكراهية والإساءة للآخر عملا بقوله تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
أما ما يقوم به بعض مثيري الفتن من استعراض لبعض الإساءات الموجودة في كتب الطرفين من أشخاص غير معصومين وليسوا حجة فهو نوع من الإفساد المقصود لا يقوم به إلا العملاء والمأجورون ولا حول ولا قوة إلا بالله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في الختام نشكركم فضيلة الدكتور على هذه الإفادات وجزاكم الله خيراً.
أجرى الحوار: ناصر الحكيمي - دمشق
رقم: 31511