بمناسبة احياء ذكرى استشهاد ابو الحرار الامام الحسين عليه السلام, الذي ثار ضد الفساد والظلم والانحراف عن الدين, الثائر الذي لم يمجده فقط المسلمين وانما مجده الكتاب والشعراء والعظماء من الديانات والاتجاهات المختلفة في العالم, وكل اللذين لا يريدون الرضوخ تحت وطأة الاستعمار والاحتلال والظلم والاستبداد.
بهذه المناسبة الخالدة التقينا بالشيخ الدكتور احمد فاضل السعدي, استاذ الحوزة العلمية وجامعة المصطفى(ص) العالمية في قم وكذلك جامعة طهران في العلوم الانسانية والاسلامية ، في حوار اكد فيه ان خط الحسين (ع) ومنهجه ممتد الى يومنا هذا وكذلك منهج يزيد ممتد, فيجب ان نمثل الحسين (ع) في ثورته ضد الظلم والاستبداد والتضليل المتمثل بالدول المتغطرسة والمعادية للاسلام وخاصة امريكا والكيان الصهيوني, والدفاع عن المظلوم. وقال في حواره هذا ان البكاء على الحسين عليه السلام يجب ان يعبر عن الرفض للانحراف والظلم الذي يحيط بنا.
وهذا نص الحوار :
س – ما هي العوامل التي ادت الى تقاعس اهل الكوفة عن نصرة ثورة الحسين (ع) التي دعوه اليها؟
ج – هناك عدة اسباب لهذا التقاعس, فمنها ما يرتبط بالبعد النفسي والقسم الاخر يرتبط بالبعد الاجتماعي. علم النفس يقول ان بعض الناس عند مواجهتهم للازمات يفقدون توازنهم وتضعف ارادتهم ولا يستطيع ان يتخذ الموقف المناسب, وتنطبق هذه النظرية على المجتمع كذلك. فبعض المجتمعات عند مواجهتهم لبعض الازمات, ولعدة اسباب, يفقدون توازنهم ويصابون بالنكوص والجمود او القلق النفسي والاضطراب بحيث تؤدي هذه الحالة الى ردود افعال غير طبيعية.
فالمجتمع الكوفي كان يعاني من مشكلة فكرية وضعف في الوعي وعدم دراية للاحداث. فالكوفة لم تقراء الاحداث على اساس ان هناك تيارين فكريين مختلفين في فهم وتفسير الاسلام وسنة الرسول(ص) وان هناك صراع قائم بين هذين التيارين. فعندما جاء عبيد الله بن زياد الى الكوفة قلب الموازين وحينها لم يكن امام الكوفيين الحل المناسب ولهذا فقدوا توازنهم .
العامل الثاني هو التركيبة الطبقية للمجتمع الكوفي : طبقة شيوخ القبائل وطبقة القاعدة التابعة لهؤلاء الشيوخ الذين كانوا يعتبرون مفاتيح السلطة حيث كانت الكوفة مقسمة انذاك الى سبعة مناطق عشائرية, وكانت القاعدة الشعبية تتبع قرار شيخ العشيرة. السلطة الحاكمة اتبعت اسلوب التطميع والترهيب مع شيوخ العشائر مما ادى الى تراجعهم عن قرارهم السابق لتأييد ومناصرة الحسين (ع).
العامل الثالث هو الطابور الخامس الذي كان يعمل لصالح السلطة بشكل غير مباشر وغير محسوس. وكان لهؤلاء دور اعلامي حيث كانوا ينشرون الاخبار والاشاعات التي تؤثر على عزيمة الناس وتبعث في نفوسهم الخوف والرعب من جانب, واليأس من اي تحرك من جانب اخر. وكان الى جانب الاعلام يستخدم الدين والاحكام الشرعية كوسيلة لخداع الناس.
احدى الاساليب التي اتبعها بني امية لمواجهة معارضيهم هو محاولتهم لاعطاء الشرعية الدينية لخلافتهم وانهم يمثلون الممثل الشرعي للرسول (ص), لكي يستطيعوا بذلك ان يحكموا على معارضيهم وخاصة الامام الحسين (ع) بانهم خرجوا عن الدين ووقفوا بوجه حكم الله, وعبروا عن نهضة الامام الحسين عليه السلام بانها فتنة, الهدف منها تفريق صفوف المسلمين وتشتيتهم, ولهذا يجوز محاربتهم وقتلهم. ولهذا اصدر بعض فقهاء السلاطين فتوى تحرم مساندة ومناصرة ثورة الحسين (ع) لانها تعتبر خروج على خليفة المسلمين, وعلى رأسهم شريح القاضي الذي كان يمثل الجانب الديني والشرعي للحاكم. وهذا ما صرح به بصلافة بعض الكتاب العرب والمثقفين المضللين امثال ابن العربي الاندلسي الذي قال أن الحسين(ع) قتل بسيف جده. والبعض الاخر لا يجيز لعن يزيد او التكلم ضده, والبعض الاخر برر موقف يزيد من الامام الحسين (ع).
ويجدر هنا ان نشير الى نقطة مهمة وهو ان اكثر رؤساء القبائل اللذين كتبوا الى الحسين لم يكونوا مؤمنين بحركة الحسين عليه السلام ونهجه وانما كان هدفهم الحصول على مناصب في الحكومة المقبلة بعد سقوط يزيد. ولذا نرى ان جميع القيادات التي ساندت يزيد تقاتلوا مع بعضهم علی السلطة بعد سقوط يزيد .
العامل الرابع : الوعي والمستوى المعرفي للشعب الكوفي. فاكثر المسلمين كان ينقصهم الفهم الصحيح لمنهج الرسول (ص) والوعي بالظروف التي تحيط بهم. فبنو امية عمدوا الى تغييب كثير من المفاهيم والقيم الاسلامية التي جاء بها الرسول (ص) واحيوا مقابل ذلك بعض المفاهيم الجاهلية, مثلما حصل للامام علي (ع) بعد حرب الجمل وهزيمة المتمردين حيث طلب منه جنوده تمليك بعض الاسرى ورفض الامام وقال لهم ان هؤلاء مسلمون لا يجوز تمليكهم. والسبب في ذلك يرجع الى انقطاع المسلمين المتعمد عن مصادر المعرفة المتمركز باحاديث الرسول (ص).
فالائمة الاربعة الاوائل ( الامام علي والامام الحسن والحسين وزين العابدين عليهم السلام ) واجهوا تيار سياسي حارب مصادر المعرفة للمسلمين وابعدهم عن العمل المعرفي والتعرف على الاحاديث الصحيحة. فثورة الامام الحسين عليه السلام جاءت للقضاء على الواقع السياسي الحاكم. الى جانب هذه الرواسب المعرفية والنفسية للكوفيين, كان هناك الاعتقالات الواسعة بالالاف لانصار الحسين (ع), حيث اثرت هذه الاعتقالات على عزيمة وارادة المسلمين انذاك.
س – ما هي الدروس التي يجب على الامة الاسلامية ان تستفيد من هذه الثورة وهي تواجه مخططات ثقافية وسياسية تستهدف هويتها؟
ج – نستلهم من هذه الثورة عدة دروس :
اولاً :نحن بحاجة الى قراءة واعية ومبدئية لثورة الحسين (ع), فالبعض يسلط الجانب العاطفي والحزائني لهذه الثورة على سائر ابعادها العقائدية والاخلاقية والاصلاحية والتغييرية الذي تحرك الحسين (ع) من اجلها " لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً وانما خرجت للاصلاح في امة جدي" ولم يقل خرجت لكي يبكي عليّ الناس. فعندما نسيطر الجانب العاطفي على الجانب المبدئي يعني اننا ابتعدنا عن اهداف الثورة . فالدرس المستقاة من الثورة انها حركة تاريخية ممتدة تتجدد دائما في حياتنا لان الحياة والكون كله في حركة " الكون حي يحب الحياة ويحتقر الميت المندثر .
فإذا قرأنا ثورة الحسين على انها مرحلة من مراحل التاريخ وانتهت, فهذا سكون للحركة الحسينية واذا قرأناها على اساس انها حركة ممتدة بامتداد التاريخ وتتكرر في كل زمن ومكان اعطينا حيوية وحركة للثورة الحسينية.
الدرس الثاني : ان تعي دورك في الحياة وان تعي التاريخ اي انك حلقة من حلقات هذا التاريخ الممتد فقوله تعالى " اياَك نعبد واياك نستعين, اهدنا الصراط المستقيم, صراط الذين انعمت عليهم " يعني انا متصل بخط المؤمنين والمضحين في سبيل العقيدة. وكذلك عندما نقرأ زيارة وارث " السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله " تعني ان هناك خط ممتد ومتصل لحركة التاريخ ومسؤولية الانسان في هذه المسيرة.
فالوعي يعني الشعور بالمسؤولية لهداية المجتمع وصيانته من الانحراف والجمود. فثورة الحسين جاءت لتقول لنا ان نكون واعين بظروفنا والتحديات التي تواجهنا لكي نستطيع ان نقوم بمسؤوليتنا الدينية والتاريخية.
الدرس الثالث : ان لا نتعامل مع الاحداث ببساطة وسذاجة, لان الدوائر الاستعمارية بدأت تحارب قيمنا وهويتنا الدينية بشتى الوسائل الاعلامية والثقافية مستخدمة بعض النخبة الفكرية من داخلنا فعلينا ان نكون حذرين جدا في التعامل مع الاشخاص المتغلغلين في صفوفنا ويعملون باسم الدين بهدف تحريف وتشويه حقيقة الدين, كما فعل معقل جاسوس عبيد الله بن زياد مع مسلم بن عقيل حيث تعامل معه ومع المجاهدين والثوار كمحب لاهل البيت (ع) ومن مؤيدي ثورة الحسين, فكان يرصد جميع حركات مسلم بن عقيل وعلى اثره استشهدت كثير من القيادات الثورية.
فالاستعمار اليوم يعمل بنفس الاسلوب فيدس في صفوفنا او يشجع بعض الشخصيات حتى من رجال الدين لاثارة فتن طائفية ومذهبية, او طرح مواضيع خرافية تسيئ الى الاسلام. وهناك بعض التصريحات لبعض رجال الدين في الفضائيات الدينية تسبب الى عمليات ارهابية وقتل الابرياء من المسلمين بسبب التعصبات المذهبية. اذن علينا ان نعي ظروفنا والمستجدات والتحديات التي تحيط بنا, لكي نعرف كيف نتصرف ونخاطب شعوبنا, اي نحن بحاجة الى تجديد في الخطاب السياسي والديني والمعرفي لكي لا يستغله الاعداء ويستخدمه كسلاح ضدنا.
الدرس الرابع : التبعية للقائد والامام.
كان اعدائنا بالامس يقولون دائماً, واليوم كذلك, انه اذا ظهر محمد جديد فان هذه الامة سوف تستيقظ من جديد. يقال ان غلادستون, رئيس وزراء بريطانيا القديم, دعا بعض الشخصيات الى غرفة مفروشة ببساط اخضر تتوسطها منضدة وعلى المنضدة كتاب, وطلب من الحاضرين الوصول الى الكتاب دون ان يمروا على الفراش الاخضر وقالوا له لم نستطع, فقام هو ومشى على الفراش ومزق الكتاب. فقال لهم ان الفراش الاخضر يمثل وحدة المسلمين والمنضدة كعبتهم والكتاب قرآنهم. فوحدة المسلمين لم تتحقق اذا لم تكن قيادة واطاعة للقائد. فوجود قيادات متعددة يعني تفرق وتشتت الامة الاسلامية.
ونحن اليوم نرى ان ولاية الفقيه تمثل الحصن المنيع للجمهورية الاسلامية في ايران ولولاها لسقطت هذه الثورة في بداياتها. ولهذا كان يؤكد الامام الخميني الراحل (قدس) ويقول : " كونوا عوناً ونصيراً لولاية الفقيه لكي لا يواجه البلد مخاطر ". واليوم يعتبر هذا العامل من الموانع المهمة امام مخططات الاستكبار التخريبية التي تحاك ضد ايران.
الدرس الخامس : ان لا نصاب باليأس والقنوط بسبب الاحداث والازمات التي تحل بنا ونبتعد عن منهج الحسين عليه السلام, يقول الباري تعالى " أفحسبتم ان تدخلوا الجنة ولماَ يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء .." اذا الانسحاب عن الساحة السياسية والتخلي عن المسؤولية بسبب بعض الظروف والتحديات التي تعترضنا, داخليا وخارجيا, ليس حلاً مناسباً وسوف نواجه نفس النتائج التي واجهها اهل الكوفة " ضربت عليهم الذلة والمسكنة " فسيطر الخوف والرعب عليهم. فالتراجع والمهادنة خطر على مستقبل الامة الاسلامية, لان الحسين علمنا ان لا نهادن وان لا نتراجع ونخلي الساحة وان لا نخاف المؤامرات التي تحاك ضدنا.
س – هل برأيكم ان المنبر الحسيني يتناسب مع اهداف الثورة الحسينية ؟
ج – المنبر الحسيني يواجه المشاكل التالية :
اولا : لا توجد مؤسسة او مركز يؤهل لنا الخطيب المناسب الذي يستطيع ان يفيد الناس. فاكثر الخطابات تلقى دون تدقيق وتمحيص ودراسة موضوعية حتى في تفسير بعض الايات والاحاديث.
ثانياً : هم الخطيب ملئ الساعة المخصصة له , ولهذا نرى اكثر الخطباء يتفرع بالحديث الى مواضيع اخرى ويبتعد عن الموضوع الرئيسي ويتحول المنبر الى منبر غير هادف.
ثالثاً : هذه المشكلة ترجع الى المستمع الذي تعود على الخطابات التقليدية والعاطفية وعدم استيعابه الخطاب الموضوعي والتحليلي والهادف , ولهذا يبتعد عن مثل هذه المنابر التوجيهية التي تهدف الى رفع مستواه المعرفي.
رابعاً : المنبر يجب ان يمثل منبر الامام زين العابدين عليه السلام ومنبر بطلة كربلاء زينب التي هزت عروش الظلمة بخطابها . هل يستطيع خطيبنا اليوم ان يحرك الناس ضد الظلم والاضطهاد الذي يرتكب ضد المسلمين والمستضعفين في انحاء مختلفة من العالم ؟.
خامساً : يجب على المنبر الحسيني ان يحمل رسالة الحسين (ع) في عملية الاصلاح في شؤون المسلمين . وهذا يحتاج الى وعي ودراية عالية من قبل الخطيب لكي يستطيع ان يشخص المرض المعرفي الذي يعانيه المسلم ليبحث عن العلاج المناسب للمشاكل الثقافية والمعرفية وحتى السياسية التي تعانيها مجتمعاتنا الاسلامية .
س – ما هو دور هذه الثورة في التقارب والتآلف بين السنة والشيعة ؟
ج – الثورة الحسينية ليست فقط للتقارب بين السنة والشيع , وانما للتقارب بين الانسان والانسان, لان الحسين (ع) ثار من اجل الانسانية. فكثير من الكتاب والشخصيات الغير اسلامية اشادوا بهذه الثورة وحتى
بعض الكتاب والشعراء لاهل السنة ايدوا موقف الامام الحسين (ع) في ثورته ضد يزيد الطاغية مثل الدكتور عايض القرني مع بعض الملاحظات على شعره. او الشاعر المسيحي " بولس السلامة " الذي يقول في شعره :
سيكون الدم الزكي لواءً لشعوب تحاول استقلالا
لم يقل للمسلمين ولا للشيعة او السنة او العرب بل لواءً للشعوب التي تريد الاستقلال
ثم يقول:
ينبت المجد في ظلال البنود الحمر يهوى نسيـــــــــجها سربالا
ليت شعري سوف نبكي على الحسين وراء كل بــكاء شــــــــــــلالا
ليت شعري لمن البــــــــــكاء وذلك اليوم عيد يشـــرف الاجيالا
او ذلك الشاعر الصابئي ذو التوجه البعثي يقول وهو يخاطب الحسين:
قدمت وعفوك عن مقدم حســيراً اســيراً ضمي
قدمت لاحُرِمَ في رحبتيك سلام لمثواك من محرم
فمذ كنت طفلاً رأيت الحسين مناراً الى ضوءه انتــمي
فالحسين محل لقاء ليس فقط المذاهب الاسلامية بل جميع الاديان السماوية.
س – ما هو دور البكاء والنعي لاحياء هذه الذكرى ؟
ج – يجب ان نعلم ان البكاء نوع من التفاعل مع الاحداث, فعندما نبكي على الفلسطينيين يعني اننا نؤيد مظلوميتهم واحقيتهم في قضيتهم, ويجب ان يكون هذا البكاء بداية وانطلاقة لثورة ضد الظالم. والمطلوب من البكاء ان يكون له دور فاعل يهز عروش الظلمة.
لدينا نوعين من البكاء : بكاء تفريغ للعواطف والاحاسيس ينتهي مفعوله مع انتهاء مجلس العزاء, وهذا غير مطلوب ولم يقتل الحسين عليه السلام لكي يبكى عليه فقط.
النوع الاخر بكاء يعبر عن الرفض للاستبداد والظلم والانحراف عن الاسلام الاصيل. اي ان ابكي لاعلن الرفض للظالم ومناصرة المظلوم, وهذا يعني ان خط الحسين (ع) ممتد الى يومنا هذا, وان خط يزيد المتمثل اليوم بامريكا والكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية كذلك ممتد الى يومنا هذا " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً " هذه الاية تدل على الرسول(ص) منهج ورسالة يجب ان تستمر وتمدد بحركتها وحيويتها.
حاوره : محمد ابراهيم رياضي