ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي حواراً مع ممثّل الوليّ الفقيه لشؤون الحجّ والزّيارة حجّة الإسلام السيّد عبدالفتّاح نوّاب حول الدروس والعبر في برامج العبادة ومناسك الحجّ للحياة اليوميّة وعن مدى أهميّة قضيّة الوحدة وفرصة المجموعات العرقيّة المختلفة والشيعة والسنّة لتحويل الحجّ إلى ملتقى للوحدة وواجبات الحجّاج والقيّمين على الحجّ في هذا الصّدد إضافة إلى أثر إعلان البراءة من المشركين والاشمئزاز من المستكبرين في تنوير أذهان المسلمين.
هذا العام، بعد انقطاع عامين، سيوفّق الحجاج الإيرانيون للمشاركة في حج التمتع. ما الدروس والعبر والرسائل في برامج العبادة ومناسك الحج لحياتنا اليوم؟
بعض العبادات هي عبادات يوم كامل أو نصف يوم. بعض العبادات تُقام مرة في الأسبوع، مثل صلاة الجمعة. كذلك تؤدى بعض العبادات كالصيام والخمس والزكاة مرة في السنة. بعض العبادات كالحج هي مرة في العمر. أي أثرها وفعاليتها موجودان طوال الحياة. من أجل أن تكون فعالة في الحياة، يجب أن يتمتع الإنسان بكثير من الطاقة غير العادية، ومن أجل الحصول على طاقة غير عادية، يجب أن يعمل الإنسان على نفسه كثيراً.
وكما أشار قائد الثورة الإسلامية، يرى القرآن الحج ركناً من أركان برامج الحياة والبشرية. والله المتعالي جعل الكعبة قياماً للناس. وفي رواية أخرى، نجد أن الله جعل الكعبة رمزاً لعلم الإسلام حتى تكون دلالة لنجد الطريق. إنها ليست لليوم، إنما موجودة عبر تاريخ البشرية. كان الناس عادة يسعون إلى التجمع حول العلم، علم يرمز إلى الإرشاد والحركة والخطة.
الحج ركن من أركان الحفاظ على اقتدار المجتمع البشري والإسلامي. لعدد من البرامج المختصة في مكة هذا الأثر نفسه. لدينا بعض الآداب والأحكام والمناسك للتشرف إلى بيت الله، التي توجهنا نحو العبودية لله وصنع الأفراد. مثلاً، عندما يريد المرء السفر، أول شيء يفعله هو تسوية حساباته مع خلق الله. يجب أن يكون للمرء تسوية حساب. إذا أضاع حق شخص ما، فعليه أداء هذا الحق. إذا ظلم شخصاً ما، يجب أن يحصّل رضاه؛ في الواقع أن يبرئ ذمته. لكي يستجيب الله، يجب أن يحصل المرء رضا عباد الله، حتى يتقبل الله. براءة الذمة توجد التقارب. في الواقع إنها تصاغر وتواضع وطلب. والنتيجة هي رفعة المكانة ونقاوة الشخص المتواضع.
الدعاء الثامن والثلاثون من الصحيفة السجادية هو دعاء اعتذار من الله. وقد جاء في جزء من هذا الدعاء: «اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظُلمَ بحضرتي فلم أنصره». حسناً، ما أكثر ذلك في محادثاتنا من الصباح إلى المساء حين يتحدث أحدهم خلف ظهر شخص آخر ونعلم أن ما يقوله باطل، لكننا نعبر عنه مرور الكرام حتى لا نقلل من مكانتنا، في حين أن الدين طلب منا مناصرة المظلوم. قال الإمام علي (ع) للحسنين (ع): «كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً». لذلك إن أول خطوة في آداب الحج هي أن يطلب الإنسان براءة الذمة. إن طلب براءة الذمة يجعل الأشخاص مصونين عن ارتكاب الأخطاء مرة أخرى ويجعلهم ملتفتين إلى السعي إلى تجنب الأخطاء.
إن مراعاة مسألة الآداب خطوة مهمة في الارتقاء الروحي والمعنوي للأفراد. يُستحب للإنسان أن يودع أصدقاءه ومعارفه وجيرانه عندما يريد أن يذهب في سفر مثل الحج. عندما يودعهم هو يحترمهم. هنا يزيد التقارب. من ناحية أخرى، وعند عودته من السفر، يُستحب أن يتقدموا هم للترحيب به. يؤدي التوديع والترحيب إلى تقارب أكثر في المجتمع.
المرحلة التالية هي التزكية الروحية. لماذا نسميها التزكية الروحية؟ لأنه في الآية 103 من سورة التوبة، خاطب الله النبي (ص) كما يلي: {خُذْ مِن أموالِهم صَدَقَة}. خُذْ مِن أموالِهم زكاة حتى يتطهر مالهم. عندما ينفق الإنسان في سبيل الله، يكون لهذا الإنفاق تأثير روحي أكبر بكثير من أن يردد ذِكراً في سبيل الله على سبيل المثال. بالطبع لهذا تأثيره لكنه لم يكلف شيئاً. عندما يدفع من ماله، يكون له تأثير روحي أكثر وتنتابه حالة من الإخلاص.
المرحلة الأخيرة هي تعلم آداب المناسك. إن النبي إبراهيم (ع) يخاطب الله المتعالي: يا رب! علّمنا المناسك. قال نبي الإسلام الكريم (ص): «تعلّموا مناسككم فإنها من دينكم». عندما يتعلم الشخص المناسك، يؤدي العمل بمعرفة أخرى، ويصير إدراكه وتوجهه وعمله أكثر صحة، وتزداد معرفته.
الحفاظ على وحدة المسلمين من أهم تأكيدات الإمام الخميني - رحمة الله عليه - وقائد الثورة الإسلامية. يمكن للمجموعات العرقية والطوائف المختلفة والشيعة والسنة أن يحوّلوا الحج إلى ملتقى للوحدة ورمز للأمة الواحدة. أخبرنا عن أهمية هذه القضية. وما واجبات الحجاج والقيّمين على الحج في هذا الصدد؟
إذا لم يكن هناك مؤامرات للأعداء، فلن يتصادم الشيعة والسنة، لأن الشيعة والسنة كانوا يتعايشون بسلام لسنوات طويلة. هذه هي مؤامرات الاستكبار العالمية التي تسعى إلى خلق الكراهية والتفرقة بين الشيعة والسنة، خاصة حين نمَت تلك الغدة السرطانية الصهيونية في المنطقة. إن عامل التفرقة بين الشيعة والسنة هو الحكومة البريطانية الشريرة ثم الصهاينة.
لدينا كثير في بلادنا أن يكون الرجل من الشيعة وزوجته من أهل السنة. يتاجرون مع بعضهم بعضاً وهم أصدقاء مع بعضهم بعضاً. لكن عندما يضرب أعداء الإسلام طبول الفرقة تنشأ هذه المشكلات. خلال السنوات التي حضرت فيها إلى مكة، كنت على تواصل بعلماء وناشطين من أهل السنة هناك.
عندما كنا نتحدث مع بعضنا بعضاً نشأت صداقة جيدة جداً بيننا، لكن عندما هبت رياح الفرقة من ناحية أعداء الإسلام، تغيرت الوجوه والنظرات قليلاً. لو كان نسيم الرحمة يهب من رسول المحبة والصداقة، لكانت الأُلفة والصداقة والمحبة تزداد. أما إذا هبت من طرف أعداء الإسلام، فسوف تتعكر العلاقات. إن عامل التفرقة هو مؤامرات الاستكبار العالمية.
كان لدينا كثيرون من علماء السنة يصلّون خلف علماء الشيعة وكثيرون من علماء الشيعة يصلون خلف علماء السنة. ولكن عند حدوث مؤامرة الاستكبار لا يصلّي الشيعة خلف السنة ولا السنة خلف الشيعة. إن شاء الله، فسيزداد وعي العالم الإسلامي، ويعرف المسلمون أنفسهم أفضل ويثقوا بقدراتهم وببعضهم بعضاً.
البراءة من المشركين وإعلان الاشمئزاز من المستكبرين من برامج الحج المهمة. ما أثر إعلان هذه البراءة في تنوير أذهان المسلمين؟
عندما يأتي المسلمون إلى أرض الوحي، فإنهم يرون أنه إلى جانب تقدريهم للتوفيق الإلهي الذي كان من نصيبهم من الضروري التعبير عن مشاعرهم على نعمة حضورهم والتقدير لإخوانهم وأخواتهم المسلمين، وإعلان وبيان اشمئزازهم من الاستكبار العالمي والصهيونية العالمية. هذا جزء من برامجهم. في بعض السنوات في مكة المكرمة، بالإضافة إلى ذلك كان يتم بواسطة الإيرانيين، كانت هناك صيحات الموت لإسرائيل والموت لأمريكا تصدح من عموم الحجاج في بعض الليالي في المسجد الحرام. إذا سألت كل الحجاج الذين يأتون من أقصى شرق وأقصى غرب العالم إلى أرض الوحي، فإن كل خلايا أجسادهم يملؤها الاشمئزاز والنفور من الكيان الصهيوني القاتل للأطفال ومن الحركات الأمريكية. ولو سمح لهم، سيعبّرون عن عشقهم ومحبّتهم للبلدان الإسلامية ومسلمي العالم. لكن أبواق الإمبراطورية الإعلامية اليوم في أيدي أعداء الإسلام. إنهم يطعمون العالم ما يريدونه. إذا يترك أهل العالم بحرية، فسيكون لديهم القدرة على اتخاذ خيارات أفضل وسيختارون بنحو أفضل.
من التأكيدات الأخرى لقائد الثورة الإسلامية الاستفادة المعنوية الحجاج من الحج وأنه يجب ألا ينخرطوا في أي عمل غير ضروري وبخاصة التسوّق. ما أهمية هذا التأكيد في الوضع الحالي؟
شراء هدايا السفر لا يختص بسفر الحج أو العمرة فقط. في الأسفار كافة، يتوقع أولئك الذين لم يكونوا في السفر أن ينالوا أثراً منه. قال قائد الثورة الإسلامية في خطابه: بدلاً من شراء هدايا السفر، قولوا: لقد أدّينا طوافاً من أجلكم، أو زرنا نيابة عنكم. هذا قيّم جداً. هدايا السفر المعنوية مرحب بها لدى الجميع. أن يقول إنني ذهبت إلى المسجد الحرام ذات ليلة وذكرت أفراد عائلتكم بأكملها وأديت الطواف وقرأت لكم جزءاً من القرآن هذا أحلى بكثير وأكثر قيمة. فضلاً عن ذلك إذا أراد شخص ما تقديم هدية سفر، فليشترِها وليغلّفها في إيران ولا يلوّث سفرته بهذه الأمور، لأنه إذا كان من أهل الحسابات والحسبة، فسيستغرق شراء هدايا السفر كثيراً من وقته. بغض النظر عن الطريقة التي تحسبون بها، يخسر مَن يشتري هدايا السفر هناك، ويربح مَن يشتري الهدايا هنا ويضعها جانباً حتى عودته.
بالنظر إلى محدودية فرصة أيام الحج والإمكانات المعنوية الكبيرة المتاحة للحجاج، ما توصيتكم لهم؟
كما ترون، إن محرّمات الإحرام تعلّم الإنسان درس ضبط النفس وقوة التحمّل والتأمل، لكن النقطة المهمة جدًا في هذا السفر، وقد ذكرتها في بعض الأماكن، هي التفكّر، أي ليس هناك عبادة أعلى من التفكّر في مناسك الحج، إذ يفكّر الإنسان في ماهية الهدف من هذه العبادة والحج الذي يؤديه. عندما يزور النبي (ص) في المسجد النبوي ويرى منبره ومحرابه، يتخيل فيه نفسه: كم صار يشبه النبي (ص) في حياته وكلامه وتشكيل الأخوّة وعلاقاته الاجتماعية. هذا ما يقدح شرارة في الإنسان. يقول النبي (ص): لديّ أفضل تعامل مع عائلتي. هل يعامل الإنسان عائلته معاملة حسنة؟ هل هم راضون؟ التفكّر يعلّم الإنسان الكثير. أسأل الله أن يوفّقنا جميعاً لزيارة مصحوبة بالمعرفة والدراية والتفكّر ويجعلَها من رزقنا.
/110