نتوجه إلى بعض الأغنياء بنصيحة لوجه الله تعالى:إن الله فرض الحج مرة في العمر لمن استطاع إليه سبيلا فلا تتنافسوا بعدد المرات التي حججتم بها ولو أنفقتم مال الحج على فقير أو لتزويج شاب أو تفريج كرب مكروب لكان أفضل .
حوار مع سماحة الشيخ صهيب حبلي بمناسبة موسم الحج
الحج مؤتمر إسلامي شرعه الله تعالى ليعود المؤمن كيوم ولدته أمه
خاص "تنا " - بيروت
23 Oct 2011 ساعة 14:37
نتوجه إلى بعض الأغنياء بنصيحة لوجه الله تعالى:إن الله فرض الحج مرة في العمر لمن استطاع إليه سبيلا فلا تتنافسوا بعدد المرات التي حججتم بها ولو أنفقتم مال الحج على فقير أو لتزويج شاب أو تفريج كرب مكروب لكان أفضل .
هي مناسبة دينية عظيمة، يجتمع فيها من كل أقطاب العالم و من كل المذاهب الإسلامية و كل الجنسيات في موسم واحد و مكان واحد ...
هنا لا فرق بين غني و فقير ، كبير و صغير ، أسود أو أبيض ، فالجميع أتى هنا ليؤدوا مناسكهم العبادية و يطوّفوا بالبيت العتيق ...
و بهذه المناسبة أجرت و كالة أنباء التقريب "تنا" سلسلة من الحوارات مع عدد من الشيوخ الأفاضل لتسليط الضوء على عدد من القضايا المرتبطة بهذه المناسبة الدينية العظيمة و عيد الأضحى المبارك . و كان لنا حوار خاص مع سماحة الشيخ صهيب الحبلي ضمن هذه السلسلة وفيما يلي نص الحوار :
١- لكل عبادة هدف ضمن إطار تقييم السلوك الفردي والجماعي للإنسان ،كيف يؤدي الحج هذا الهدف؟
بسم الله الرحمن الرحيم ، الله تعالى أمر عباده بأوامر ونهاهم عن كثير من الأمور حرصاً عليهم لأنه أرحم الراحمين،فقد أمرنا بالعبادات وأصل العبادة أن تثمر ومامن عبادة إلاّ وذكر الله تعالى ثمراتها فالعبادات كعلاج دائم للقلوب والنفوس وغذاء للروح وحصن متين من مغريات الدنيا وشياطين الإنس والجن والأهواء، منها ماهو يومي كالصلاة ومنها ماهو أسبوعي كالجمعة ومنها ماهو شهري كصيام ثلاثة ايام من كل شهر ومنها السنوي كشهر رمضان ومنها ماهو في العمر مرة كالحج،فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وثمرة الصيام التقوى (لعلكم تتقون) وثمرة الحج ليشهدوا منافع لهم ويذكروا الله تعالى ويستغفرونه ويحفظوا السنتهم عن كل سوء {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ }
كيف يُوصل الحج إلى هذا الهدف ؟ وكيف تُقطف ثماره؟؟
أولاً بالنية الصادقة والإخلاص لأن الله تعالى لايقبل من العمل إلاّ ماكان خالصاً لوجهه الكريم ونية المرء خير من عمله ،وأن لا يقصد أي هدف دنيوي وأن يُخرج القاصد لهذه الفريضة كل آفات اللسان ومتعلقات الدنيا،والمتأمّل بآيات الحج يجد فيها التوجيه للذكر والإستغفار والتحذير من الرفث والفسوق والجدال،وهذا البيت الذي هو أول بيت وُضع للناس فيه الهدى{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }آل عمران٩٦ فأين هذه الثمرات الكثيرة والعظيمة ؟وأين موضع الهدى ؟ وكيف يكون الهدى؟ والذي يتفرّع عنه كل خير من خُلُق حسَن وأدب تواضع وتراحم،ووالله لقد رأيت بأم عيني في روضة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من يتخاصم لأجل الجلوس وآخر يلصق في الأرض خشية ذهاب مكانه وآخر يتدافع ليصل إلى مكان معين،وأحدهم شتم الذات الإلهية بعد عمرته في البولمان لأن أحد الأشخاص أخذ مكانه الذي كان يجلس عليه فأين ((أحب لأخيك ماتحب لنفسك)) وأين ((إفسحوا يفسح الله لكم))أين إحترام المقام وصاحب الروضة حيّ طريّ في قبره؟؟
فهل الإسلام عباءة بيضاء ولحية طويلة؟؟ لاوالله، فكل العبادات ثمارها الأخلاق كما ذكرنا ،ويقول أحد الأفاضل: من حج ولم يحفظ حجه كان كمن بنى قصراوهدم مصرا ويقول أحد الصالحين أيضاً : رب رجل في خراسان قلبه أقرب لهذا البيت ممن يطوف به ،فالحج مؤتمر إسلامي شرعه الله تعالى لغاية وهي أن يعود المؤمن كيوم ولدته أمه إلى بلده بأفكار وخطة جديدة له ولمن حوله وقد بنى شخصيته الجديدة على الخضوع والإستسلام والتضحية دون تردد وأن يعيد ترتيب سلوكه مع إخوانه وأن يكون كما أمره الله تعالى{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً }الأحزاب٣٦.
٢-هلاّ أوضحتم لنا سماحة الشيخ بعضاً من فلسفة الحج و الزي الموحّد للحجيج؟
كل العبادات تتكرر عدة مرات إلاّ الحج فهو مرة في العمر والذي يميزه عن غيره أنّ فيه جهاد بالمال والنفس وترك الأهل ومفارقة الأحبّة والإلتقاء بأهل وأحبّة آخرين ،والخروج من ملابس الدنيا التي يُعرف من خلالها الناس ،فاللباس الموحد يشبه الكفن ولذلك بدأت سورة الحج بقوله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }١{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }٢الحج ويتساوى الناس فلا فرق بين غني وفقير ولا فرق بين حاكم ومحكوم فالحج دورة تدريبية على الهمة العالية للطاعة وترك الدنيا وتذكر الموت والعمل على وحدة المسلمين وإلاّ مالنفع من التلبية والطواف والسعي والوقوف بعرفة والله هو الذي أمر بالإعتصام بحبله وعدم التفرقة كما أمرنا بالصلاة والذي يفرق بين أمر وأمر ينطبق عليه قوله تعالى {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }البقرة٨٥ فعلى أي شيء يلبون؟ فهم حول كعبةٍ واحدةٍ يطوفون وبنفس الإتجاه يتجهون ولربٍ واحدٍ يتضرعون ويصلون وبين الصفا والمروة يسعون وعلى عرفات يقفون ولإبليس يرجمون،الا ينبغي أن يكونوا يدا واحدة في قتال أعداء الله وجهاد المنافقين فجهاد الأعداء خُص بالسلاح وجهاد المنافقين خُص باللسان {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }التوبة٧٣
٣- سماحة الشيخ هل من الممكن أن نقول ان الحج عبارة عولمة دينية ينفتح فيها أبناء المذاهب المختلفة عبر حوار إسلامي –إسلامي لتتعارف القوميات والمذاهب على بعضها ؟ وماهو الاسلوب العملي لتحقيق ذلك؟
من أساسيّات الحج هذه الأهداف إلاّ أنه في هذا الزمن لايتحقق الكثير منها، لأن الحج للأسف قد أُفرغ من مفهومه عند الأمة وهذا ماتلمسه عندما تحج والسبب في ذلك فقد عمل الحکام على تفريغ الحج من محتواه وإذا أردنا أن نعيد الحج إلى معناه ، ليكون مؤتمراً للأمّة الإسلاميّة يلتقون فيه ويتعارفوا، علينا أن نزيل الموانع التي تقف حجر عثرة امام الوصول الی الاهداف السامية ليذهب الحاج إلى المناسك ويتعرّف على مابقي من الآثار الشريفة التي عملوا على إزالتها ،فالسعودية لاینبغي ان تکون عائقا بين المسلمين وبين إعادة الحج إلى محتواه مع الشكر لها على إهتماماتها الكبيرة بالحرمين الشريفين والتوسعة والتبريد و و و الخ..
وعلينا أن ننظم حملات للحجيج وحدوية بإشراف أهل العلم المشهود بعلمهم وإستقامتهم ،يوضحون للناس تلك الأهداف وذلك لأن الکثیر من القائمين الآن على أخذ الحجاج لأداء تلك الفريضة لايهدفون إلاّ للربح المادي،ومن العقبات أيضاً التي تحول دون تحقيق الهدف أنّ كل بلد يجتمع في مكان وفي سكن معيّن ولا تكون إلاّ لقآءات عابرة في بعض الأماكن كعرفات مثلاً ،وأظن أن لاسبيل للتواصل والإنسان اليوم مقصر بالرحم فكيف بإختلاف اللغات فيجب على المسلمين تعلّم اللغة العربيّة كما عمل اليهود على تعليم كل اليهود اللغة العبريّة ،وإن استطعنا أن نوزع كتباً ورسائل صغيرة ندعو الأمّة للإجتماع على كتاب الله تعالى وتعظيمه وأنّ نتمسّك بقوله تعالى:{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ} الحج ٧٨ فلانقبل إلاّ بكلمة مسلمين هذا من مدرسة الإمام الشافعي وهذا من مدرسة الإمام جعفر وابي حنيفة واحمد ومالك فكلها أشجار في بستان الإسلام وكلها فِرق لجيش واحد.
٤- برأيكم سماحة الشيخ هل إستطاعت الملتقيات والندوات التي تقام في هذا الموسم بإسم الحج وحوار الأديان أن تزيل الرواسب والأحقاد بين المذاهب الإسلاميّة وخاصة ندوة الحج التي ستعقد هذا العام تحت رعاية المجمّع العالمي للتقريب؟
لا لم تستطع ((لايقوم لهادمٍ ألف باني فكيف يقوم لألف هادمٍ باني)) الأمّة عندما تتوحد قياداتها وعلماؤها ممكن أن يتوحد الناس ، خاصة وأن هناك ميزانيات تُرصد من أعداء الإسلام للتفريق حتى داخل المذهب الواحد فكيف بين الأعراق والمذاهب والدول؟؟ لكنها تخفف الضرر خاصة وأن الحاضرين في تلك الندوات يحملون هذا الفكر المعتدل الوحدوي أصلاً أمّا الخطر يكمن بمن لايستمعون لهذه الندوات والملتقيات مع كل ذلك نسأل الله تعالى أن يُوفق كل العاملين المخلصين لكل خير ويؤلف بين قلوب المسلمين ويجمع على الحق كلمتهم إنه سميع مُجيب.
٥- و في الختام ، حبذا لو نعرف من جانبكم الكريم كيف نستطيع إستثمار أجواء الحج لنبث في الأمة ثقافة الوحدة؟
والله أعلم ، العمل يجب أن يكون قبل الذهاب إلى الحج عن طريق الحملات كما ذكرنا حتى نخرج من آثار الجاهلية والجاهليات التي تسيطر علينا في الفكر وفي السياسة وفي الخلق وفي الاجتماع وفي كل المجالات والميادين حتى نخرج من التخلف الذي وضع للأمة ونعود للعبادة كما قال علماؤنا وفقهاؤنا الأوائل، وكما مارسها السلف الصالح ، عبادة شاملة عبادة دينية وعبادة كونية، فلماذا يذهب مليونان أو ثلاثة ملايين سنوياً إلى الحج؟؟
ماذا غير فيهم الحج لا بد أن نسأل أنفسنا هذا السؤال؟ وماذا غير الحج في الحكام الذين يؤدون المشاعر ويستقبلون الحجاج أو يودعون الحجاج، أين هذه العبادة العظيمة في نفوس الناس وفي سلوك الناس وفي خروج الأمة من تخلفها وتمزقها وتشتتها، أين هذه العبادة في دور النشر التي لا زالت تنشر الغدر من الفكر والغدر من الكتب والغدر في النشرات والغدر بمقابل أجر زهيد ألا بئس ما كانوا يشترون،ونحذر القاصدين لهذه الفريض من التفريق بين العبادات فإياكم من دفع التكاليف الباهظة لتعودوا كما كنتم فيكم من آثار الجاهلية وتذكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبة الوداع " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم" ويقول عليه الصلاة والسلام في المفهوم الآخر العظيم: " ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوع " هل نفكر في هذا وهل نضع أمور الجاهلية كلها تحت أقدامنا ،عندما نذهب للحج؟؟
وختاماً: نتوجه إلى بعض الأغنياء بنصيحة لوجه الله تعالى:إن الله فرض الحج مرة في العمر لمن استطاع إليه سبيلا فلا تتنافسوا بعدد المرات التي حججتم بها ولو أنفقتم مال الحج على فقير أو لتزويج شاب أو تفريج كرب مكروب لكان أفضل والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
خاص تنا - مكتب بيروت
رقم: 68168