نظرا للتحديات التي اشتدت وتيرتها خلال الآونة الاخيرة، ضد العالم الاسلامي وذلك جراء انتشار واسع لظاهرة التكفير، وايضا العدوان الصهيوني الاخير والغاشم على فلسطين وقطاع غزة، الذي خلف اكثر من الفي شهيد اضافة الى كم هائل من الدمار في المنازل والبنى التحتية للقطاع، قررت الجمهورية الاسلامية الايرانية متمثلة بالمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، ان تجمع علماء المسلمين، سنة وشيعة، في ملتقى اسلامي دولي يحمل عنوان "مؤتمر دور علماء المسلمين في دعم المقاومة الفلسطينية"، في الفترة من 9 الى 10 سبتمبر / ايلول الجاري بطهران، وذلك لبحث هذه التطورات وتقريب وجهات النظر حول سبل مواجهتها دفاعا عن كرامة المسلمين، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني المشروع في الصمود ومقاومة الاحتلال الصهيوني والدفاع عن مقدساته.
في هذا الجانب استقرأت وكالة أنباء التّقريب "تنا" ـ مكتب بيروت، عددا من الشخصيات الاسلامية المدعوة لحضور اعمال المؤتمر، حول الاهداف المرجوة ومايُتوقع ان يخرج به المشاركون من قرارات لتحقيق هذه الاهداف.
وقال نائب رئيس المكتب السّياسيّ لحركة أمل "الشّيخ حسن المصري" : إنّ قضية فلسطين تعيش في قلب وضمير كلّ مسلم، ولأنّنا نعتبر أن إسرائيل غدة سرطانية وهي شر مطلق و وجودها في هذه البقعة من أرض فلسطين يشكل عامل إذلال لأمة المليار ونصف مليار مسلم، وكما قال الإمام موسى الصدر : اسرائيل إستطاعت أن تحول إرهابها إلى قضية، وبتخاذلنا وسكوتنا إستطعنا أن نحول قضيتنا إلى إرهاب؛ لذا فإن المؤتمر بقعة ضوء في هذا الليل الحالك؛ كما أنه يعقد في أرض ظهيرة لثورة المقاومة، خصوصا ً المقاومة الفلسطينية.
واضاف المسؤول في حركة امل : كما أن المؤتمر بحجم المدعووين واختلاف تنوّعاتهم في المدارس الفقهية والمذهبية يشكّل صفعة للذين يعملون على تفتيت العالم الإسلامي، ويرسل رسالة إلى المقاومة الفلسطينية فحواها أن أمة المسلمين تقف معكم وخلفكم . كما أنه شمعة مضائة في ليل العالم العربي المظلم الذي يسعى لتحويل الصراع من إسرائيل إلى الربيع العربي؛ لكنه خريف مليء بالصفار لا يضيء بالخضار.
بدوره استدل رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الإسلامي "الشّيخ هاشم منقارة"، بقول الله تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"؛ مؤكدا "نحن في هذا الواقع المتأزم في بلادنا العربية والإسلامية لابد أن نرى في ما حصل في غزة نورا ً يستضاء به، نورًا أحبط كل من يتعاون على ضرب الأمة في أعماقها ودينها؛ فقد جاءت غزة لتقول أننا نستطيع أن نفعل شيئا في مواجهة أعداء الله؛ وأن أمة الإسلام، خصوصا ً العلماء ـ لا ترضى أن يقال ويُعمل بغير ما قال الله عزّ وجلّ؛ فنحن نعيش في عصر العصبية، والضياع من الناحية الدينية وعلينا توجيه البوصلة إلى ما يريده الله من الإسلام الصحيح والحقيقي" .
وتابع : وسط هذه الفوضى العارمة في الإفكار، وغياب أثر العقل يجب أن يكون هناك فعل كبير وحقيقي يحدث صحوة إيجابية للأمة، فجاء "المؤتمر" ليساعد في إرساء أرضية تعاون بين المسلمين؛ والأمة الإسلامية تعي بأن التقريب يساعدنا على إيجاد مساحة لنعتصم بحبل الله ولا نتفرق؛ فضلًا عن أن هذه المؤتمرات تساعدنا على إيجاد أرضية لنصرة المستضعفين.
أمّا مفتي البقاع الاوسط في لبنان "الشيخ علي الخطيب"، فقد استهل حديثه بالشكر والتقدير للجمهورية الإسلامية الإيرانية، "على هذه المبادرة، وهي شكل من أشكال الدعم لغزة وإنتصارها"؛ مبينا ان لا شك ولا ريب بأن هذا النوع من المؤتمرات، ومشاركة البلدان الإسلامية والعربية يعد جهدا حيويا يسهم في انجاح أبناء العالم العربي والإسلامي، لأن المشاركين سيقومون بدورهم، وبالتالي لا يقتصر الوضع على ما يقال، وإنما على القرارات التي ستتخذ وتنفذ
وشدد الشيخ الخطيب قائلا : لابد من مواجهة الحركات المتطرفة وفضحها من جهة، ومن جهة ثانية توعية الشعوب على ما يخطط لهم، وأن القضية الأساس هي الفلسطينية.
واضاف : هنا تكمن أهميّة هذا المؤتمرات الّتي ستؤدّي دورًا في رفع مستوى الوعي في العالم الإسلامي والعربي؛ وعلى الرّغم من أن كثيرًا من الأنظمة العربية منخرطة في مشاريع التقسيم وتشويه صورة الإسلام بأيدي المسلمين، الا أن الحقيقة المقابلة هي أن الأنظمة ليست قدرا ًمحتوما للشعوب، وهو ما يتطلّب من الشعوب أن تتحرك.
واردف مفتي البقاع الاوسط : وبذلك سوف يحدث نوع من الوعي لجهة دعم المقاومة دفاعا ًعن فلسطين، ومواجهة التيارات التكفيرية والعصابات الإرهابية التي تهدف إلى تمزيق الصف الإسلامي، وإشعال نار الفتن والحروب في بلاد المسلمين؛ لافتا الى ان اهم أهداف المؤتمر انجاح هذا المشروع العظيم.
من جهته، قال عضو تجمع العلماء المسلمين في لبنان "الشّيخ فارس صليبي"، انّ انعقاد مؤتمر علماء الإسلام لدعم المقاومة الفلسطينية"، الّذي يعقد في طهران، حاجة ملحّة في ضوء رهان أصحاب المشاريع الرامية إلى إخضاع الأمّة وحملها على الرّضوخ والإستسلام أمام ما يخطّط لها ولمستقبلها من دون حتىّ السّماح لها بالتّعبير عن رأيها، ناهيك عن تقرير مصيرها، والوجهة الّتي تؤمن بها.
واضاف : أنا أرى بأنّ العلماء يتحملون نصف المسؤوليّة عن الواقع المتردي الّذي تعيشه الأمة؛ فبقدر ما يكون العلماء على قدر من الوعي والخطاب الوحدويّ، فان مشاريع الفتنة تذوي وتفنى؛ أما إذا وجد من يحرّض ويضيّع بوصلة فلسطين، ولم يحرّك العلماء ساكنًا فتقع عليهم مسؤوليّة ضياع البوصلة، والعدو الصّهيونيّ يراهن على تقاعس العلماء في أداء دورهم الوحدويّ كي يعيش برخاء وارتياح البال، لمواصلة اشغال المقاومة في صراعات داخليّة تصرف الأنظار عن ما يتعرّض له الشّعب الفلسطينيّ من اعتداءات ومصادرة الاراضي، وتهويد لقدسه ومعالمها، وصولًا إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة بعد اسقاطها من أجندة شعوب العالم العربيّ والإسلاميّ.
وقد عبّر الشّيخ صليبي عن أسفه "الشّديد" لما وصفه بأن "هناك من العلماء ممن أضلّ الطّريق، وانجرّ خلف مصالحه الخاصّة، ونصرها أكثر من نصرة الدّين"؛ وقال: لذا تأتي الإشارة إلى أنّ المؤتمر يكتسب اهمية كبيرة جدًّا من طبيعة الهدف الذي يعقد لاجله، وأقصد تأسيس عمل علمائيّ مشترك لدعم المقاومة في الأمّة الإسلاميّة؛ غير أنّ المنطق و واقع الحال يقول بوجوب ان تنصبّ الجهود على علماء يقولون الحق، ويؤمنون بالمقاومة؛ مؤكدا بقوله : بمثل هؤلاء العلماء وهكذا مؤتمرات ننهض بالأمّة لنحرّر فلسطين وقدسها الشّريف. و علينا الإبتعاد عن الفخّ الّذي ترسمه محاور الشّرّ لإيقاعنا في الوحل المذهبيّ والفتنة؛ وذلك كي ننشغل عن فلسطين؛ فالحفاظ على الكيان الغاصب هدف مشترك لإسرائيل ومجموعات التّكفير.
واردف الشيخ صليبي قائلا : في مرحلة ما بعد التّأسيس في المؤتمر، ننطلق لتشكيل هيئة علماء المقاومة العالميّة على اختلاف مذاهبهم؛ فالمقاومة بصمودها وتصديها واسقاطها مشاريع الإستكبار تنصر المستضعفين بغضّ النّظر عن طوائفهم ومذاهبهم.
في سياق متصل، أشار النّاطق الرّسمي بإسم مجلس علماء فلسطين "الشّيخ محمد الموعد"، إلى أهميّة انعقاد مؤتمر دعم المقاومة الفلسطينية في الوقت الرّاهن مع ما يعيشه العالم العربي والإسلامي من محاولات لترسيخ مقولة أنّ "الخلاف الراهن مذهبيّ".
واضاف : اليوم المؤتمر الّذي يعقد في طهران هو للوقوف إلى جانب الشّعب الفلسطينيّ ومقاومته في معركة الحفاظ على انتصار غزّة الذي تحقّق بعد واحد وخمسين يومًا من التّصدّي لآلة القتل الصهيونيّة على الرّغم من الآلام والجراح؛ كما أنّ هذا المؤتمر يشكّل دعامة لرفع محور المقاومة وبقائها وضمن وجهتها الواضحة للجميع ألا وهي تحرير فلسطين.. حيث انه يركّز على مكانة المقاومة، وجعل تحرير فلسطين أولويّة الأولويّات.
وشدد الناطق باسم مجلس علماء فلسطين بالقول : ان فلسطين انتصرت بفضل دعم محور المقاومة لأهلنا في غزّة؛ شاء من شاء وأبى من أبى؛ ذلك أنّ دور الجمهوريّة الإسلاميّة والمجمع العالميّ للتّقريب في دعم المقاومة وسط هذه الهجمة من الإستكبار العالميّ والمشروع التّكفيريّ كان له فعله في رفد المقاومة ما مكّنها من ضرب مشروع كونداليسا رايس، والوقوف في وجه الهجمة الإستكباريّة؛ لذا أوجدوا التّيار التّكفيريّ الّذي يتناغم مع المشروع الإستكباريّ التّقسيميّ؛ وحاولوا خلق صراع مذهبيّ من أجل تشتيت البوصلة؛ غير أنّهم خسئوا؛ لأن المقاومة لم ولن تنجرّ خلف الفخّ التّكفيريّ؛ لأنّ المعركة ليست خلافًا مذهبيًّا أو طائفيًّا؛ بل معركة صراع بين الحقّ والباطل، وليس صراعًا مذهبيًّا.
واكد الشيخ محمد الموعد : نحن على ثقة أنّ محور المقاومة سيهزم التّكفير والصّهاينة؛ وعلى الجميع ان يعلم أنّ طريق الجهاد فلسطين ولتراق الدّماء ضدّ الصّهاينة ومن أجل فلسطين، وليس بين المسلمين.
وردًّا على سؤال حول أسباب المحاولات الّتي تبذل هنا وهناك من أجل اظهار الواقع الرّاهن على أنّه "خلاف سنيّ شيعيّ أولًا"، وبعد ظاهرة التّكفيريّين انضم إليه شعار الخلاف المسيحيّ المسلم، إن لم نقل الصّراع، قال : لأنّ الكيان الغاصب والغرب هزما سيحاولان العبث بمناطقنا للنّيل من المقاومة ومن انتصارها؛ خاصّة بعد الإنتصارات الّتي حقّقتها المقاومة في لبنان في العام ٢٠٠٦، ومن ثمّ في فلسطين عام ٢٠٠٨، وصولًا إلى انتصار غزّة المدوّي اليوم، والذي جاء ليرفع رأس الأمة، وفي ضوء ذلك بات المطلوب عند الصهاينة هو ضرب محور المقاومة التي انتصرت على العدو الغاشم بعد سنوات طوال مضت، سجل في فيها العرب النّكسات؛ لكن المقاومة حوّلت هذه الأيّام إلى انتصارات بدلًا من النّكسات؛ فهؤلاء يحاولون تعزيز الكيان الغاصب بإشعال نار الفتنة بين المسلمين.
وخلص الناطق باسم مجلس علماء فلسطين الى القول : لذلك نؤكد بأن الصّراع ليس صراعًا مذهبيًّا ولا طائفيًّا؛ انّما أُعطي هذا الّلبوس حتّى يستطيع الصّهاينة اضعاف المقاومة؛ ولو كان الخلاف مذهبيًّا لما كان الدّعم الماديّ والعسكريّ من الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة والمقاومة الإسلاميّة في لبنان.. لقد خسئوا، فسنحمي الإنتصار بأرواحنا؛ والكيان الغاصب لن يكون سالمّا؛ فالمشروع الأميركيّ التّقسيميّ سقط بالضّربة القاضية من المقاومين في لبنان وفلسطين وسوريا؛ وكانت الإنتصارات المتتالية المسمار الّذي دقّ في نعش الكيان الغاصب، فراحت الإدارة الأميركيّة تحاول البحث في كيفيّة ابقاء الكيان، وكان الحلّ بتعزيز النّعرات الطّائفيّة والخلافات المذهبيّة.