محنة الأقصى.. التكفير في خدمة إسرائيل
ما دام المسلمون يهدمون مساجدهم وقبور أئمتهم ويهدمون معالم حضارتهم فلماذا يلومون إسرائيل ان هي فعلت ذلك؟ومثلما يعطي التكفيريون في إقدامهم على هدم قبور الأنبياء وهدم المساجد، تبريراً لإسرائيل لهدم معالم الوجود الإسلامي والحضاري في فلسطين، فإنهم قد قدموا لاسرائيل تبريراً لإزالة كل المعالم الحضارية في فلسطين المحتلة .
بلال حسن التل
أكثر من مرة حذرنا من خطر التنظيمات التكفيرية على الأمة عموماً وعلى قضية فلسطين على وجه الخصوص والمسجد الأقصى على وجه أخص، وها هي الهجمة الإسرائيلية الحالية على المسجد الأقصى تبين صحة ما حذرنا منه، كما تبين حجم الخدمات المجانية التي يقدمها التكفيريون لاسرائيل .
وأول ذلك أن التكفيريين ومن خلال إغراق الأمة في حروب داخلية تستنزف ثرواتها وقدراتها المادية والبشرية فوق أنهم يفرقون صف الأمة ويضعفون قدراتها على المواجهة، فإنهم يحرفون بوصلة العداء إلى داخل صفوفها، بدعوى تقديم محاربة «العدو القريب» على محاربة «العدو البعيد» وهذه خدمة كبرى لاسرائيل التي انشغلت الأمة عنها بحروبها الداخلية، بينما انصرفت اسرائيل لتحقيق أهدافها، وفي الطليعة منها هدم المسجد الأقصى، وإقامة هيكل سليمان مكانه، وهنا أيضاً يقدم التكفيريون خدمة كبرى لاسرائيل، فقد أقدم هؤلاء على نبش قبور أنبياء الله، مثل قبر نبي الله «يونس»، وقبر نبي الله «شيت»، كما أقدموا على نبش قبور الأولياء والصالحين والعلماء والفقهاء، مثل الإمام النووي وغيره، وتجاوزوا ذلك كله إلى هدم المساجد ذات الرمزية التاريخية، مما يعطي لاسرائيل مبرراً لكل جرائمها بحق المقدسات، وفي طليعتها المسجد الأقصى. وغيره من رموز وجود أمتنا وحضارتنا في فلسطين.
ولها في ما فعلته داعش بتدمير مقتنيات متحف نينوى، وغيرها من المعالم الحضارية في سوريا والعراق عذر وتبرير أمام المجتمع الدولي.غير الخدمة التي يقدمها التكفيريون لاسرائيل عندما يقدمون لها نموذجاً وتبريراً وسابقة في هدم المساجد، والاعتداء على الرموز الدينية، فإنهم يقدمون لها قبل ذلك وأكثر منه تبريرًا لسائر تصرفاتها الأخرى..
فعندما يقدم التكفيريون على تعذيب المدنيين وذبحهم، في مذابح جماعية، تذكرنا بمذابح دير ياسين، وقانا، وبحر البقر وغيرها، فإنهم يقدمون غطاء لكل جرائم إسرائيل، ومقياسًا تقيس عليه في تعاملها اليومي الفظ والمجرم مع أهلنا في الأراضي العربية المحتلة.ومثل الخدمة والتبرير اللذين يقدمهما التكفيريون لاسرائيل في تعاملها الإجرامي مع أهلنا في الأراضي المحتلة فإنهم يقدمون لها خدمة أكبر عندما يقدمون على تهجير السكان الأصليين من مناطقهم، كما فعلوا في الموصل وجبل سنجار وغيرهما من المناطق التي احتلها التكفيريون، فهم في فعلتهم هذه يبررون لاسرائيل إقدامها على تهجير أهلنا في الأراضي العربية المحتلة، ويعطونها ذريعة للاستمرار في سياسة تفريغ فلسطين من أهلها.
واستمراراً للخدمة التي يقدمها التكفيريون لاسرائيل، من خلال تهجيرهم السكان الأصليين، فإنهم في تعاملهم المنافي للاسلام مع غير المسلمين بتهجيرهم من أرضهم، أو إجبارهم على الدخول في الاسلام، يبررون لاسرائيل مخططها لإقامة الدولة اليهودية الخالية من غير اليهود، وهو تمييز عنصري يجعل إصرار اليمين الإسرائيلي على يهودية الدولة مبرراً، ويضعف حجج أمتنا في رفض هذه الممارسة ضد أهلنا في فلسطين، ومساعي اسرائيل لتهجيرهم من أرضهم تحقيقاً لمبدأ يهودية الدولة. وهي ممارسة عنصرية يرفضها الإسلام، مثلما يرفض إجبار الناس على الدخول فيه بالإكراه، وبذلك يسيء التكفيريون لأمتنا ولديننا عندما يمارسون باسمه ممارسة عنصرية تبرر عنصرية اسرائيل وسعيها لإقامة الدولة اليهودية.
وعوْداً على ذكر المجتمع الدولي، فإن من الخدمات الكبرى التي يقدمها التكفيريون لاسرائيل ضربهم عرض الحائط بكل القوانين والمواثيق الدولية، التي تستخدمها أمتنا في مواجهة الممارسات الاسرائيلية بحق أبناء الأرض المحتلة، ابتداء من سوء معاملة الأسرى والمعتقلين في سجون اسرائيل، بعد أن صار التكفيريون يذبحون الأسرى ويحرقونهم أحياء، وانتهاء بالاحتلال بالقوة العسكرية الغاشمة، مروراً بتهجير السكان الأصليين..
ففي ذلك كله لم تعد اسرائيل منفردة، ولم تعد وحدها من يضرب بالقوانين والمواثيق الدولية عرض الحائط، وصار بين يديها تبريرٌ للتنكيل بالأسرى والمعتقلين العرب لديها. وهكذا فإن التكفيريين لم يترددوا عن ضرب تعاليم الإسلام بعرض الحائط، خاصة في آداب التعامل مع الأسرى، تماما مثلما لم يرتدعوا عن إدارة الظهر للمواثيق الدولية، مقدمين خدمة جليلة لإسرائيل ولمن خلفها ولرعاتها وعلى رأسهم الحركة الصهيونية.خلاصة القول: إن محنة المسجد الأقصى وإنشغال المسلمين عنه بحروبهم الداخلية التي يشعلها التكفيريون، وسعيهم لمقاومة الخطر التكفيري من أكبر الخدمات التي يقدمها التكفير لاسرائيل، لأنها تستغل إنشغال الأمة عنها لتمرر مخططاتها ضد الأقصى.