القمة الثقافية العربية ، و إحتياجات التقريب ..
الدكتور حسن عبد ربه المصري *
لا أحد يعلم يقينا متي تقعد القمة العربية الأولي للثقافة ؟؟ بالرغم من اللقاءات التحضيرية التى كان آخرها ذلك التجمع الثقافي الذي شهدته بيروت في منتصف الشهر الحالي بدعوة من مؤسسة الفكر العربي والمنظة العربية للتربية والعلوم والثقافة برعاية جامعة الدول العربية ، وما سبقها من كتابات ومشاركات عديدة أبانت عن الكثير من العلامات المضيئة التى من شأنها أن تنير الطريق نحو هذه القمة التى يتمني لها الجميع النجاح بما يوفر قدرات التاسيس لعقد قمة تالية ربما تكون إسلامية ..
يحدونا الأمل أن تتحقق خطوة الدعوة لعقد قمة إسلامية للثقافة في وقت قريب، لأن مفهوم الثقافة كما حددته وثيقة " الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي " التى سبق أن أصدرتها المنظمة العربية للتربية تدعو إلی تخصيب المدارك وإستثمار المعرفة وتنمية الطاقات " لما يُمثله ذلك من تعزيز لقيمة الإنسان وفتح الآفاق أمامه لمزيد من التعرف علی الملكات التي توسع مداركه وتتيح له ابسط السبل لفهم قضايا وطنه ومجتمعه والمشاركة في إيجاد الحلول المناسبة والذاتية لها ..
ولن يتحقق ذلك إلا بالتقارب والتكامل القائمين علی الإعتراف بالآخر ومشاركته معارفه وقناعاته وطموحاته وأمانيه ..
عقد قمة عربية من أجل تفعيل دور الثقافة في حياة الشعوب العربية، سيكون في حد ذاته حدثاً لافتاً يعبر عن الإهتمام الرسمي والشعبي بقضايا الثقافة ومدلولاتها الكثيرة وإنعكاساتها علی حياة المواطن العربي علی كافة المستويات من ناحية وعلاقته بالآخر داخل مجتمعه و خارجه من ناحية ثانية .. لأنه من المفترض أن يكون المثقف واعياً وفق حسه الإجتماعي بمتطلبات العصر الذي يعيش فيه جنباً إلی جنب مع الآخرين بحيث يكون قادراً علی إستخلاص الآراء الصحيحة والمبادرات الإيجابية التي تجعل منه مشاركاً إيجابياً في تشكيل الوعي المجتمعي ومدافعاً عن حق الآخرين في التنمية الشاملة المستدامة ..
من المهم في ضوء هذا التوصيف المتوافق عليه لدور المثقف علی مستوى المؤسسات الأقليمية والعالمية المتخصصه، أن نتفهم بقدر متعادل من المصداقية والشفافية سلبيات الثقافة العربية التى تُعاني من أزمة يأتي علی رأسها " إفتقاد المجتمعات العربية لعقلية النقد البناء " التي تحتاج إليها شعوبها خاصة في هذه المرحلة الزمنية التي تقودها وتهيمن عليها ثورة المعلومات، لكي يتسني لها القيام بتصنيف و تحليل زخات المعلومات المتتالية التي تُمطرها بها سماء العولمة الآتية إليها من كل حدب وصوب .. لكي لا تواصل الغرق في أعماق التراجع وستطيب الإسترخاء والكسل تحت شمس السكون والصمت التي تحرمها من أن يكون لها دور ملموس تجاه نفسها في المقام الأول ..
البداية دائما تكون من الداخل، أي من داخل المجتمعات العربية، إذ لا بد من التوصل إلی سبل للتنسيق والتعاون الجلي بين المؤسسات والمنظمات التي تتعامل في المجال الثقافي بلا حزازية أو حساسية .. وأن تعمل علی توفير الدعم فيما بينها عن طريق خلق أطر للتنمية الثقافية غير الرسمية ( القروض الميسرة / ريع الأوقاف / مساهمات الأفراد ) والرسمية غير المشروطة .. يلي ذلك التوافق علی أبسط نسق لتسيهل التعاضد مع المؤسسات والمنظمات خارج المجتمع بصفة عامة والإسلامية منها علی وجه الخصوص وبالذات علی مستوی الأقليات داخل الوطن الواحد وغيره من الأقطار ..
تبادل الخبرات – فيما يتعلق بالأعمال العلمية والإبداعية والثقافية والفنية المتنوعة - يعد من الأطر الأساسية والسبل المضمونة التي تُحقق الكثير من التقارب من ناحية وتعمل علی ترسيخ مكانة الآخر والإعتراف بنديته من ناحية ثانية وفتح الطريق علِی مصراعية للإستفادة من خبرته من ناحية ثالثة .. يضاف إلي ذلك تحفيز الزيارات وتشجيع طرح الأبحاث العملية والأفكار التنويرية ضمن منتجات المجلات والدوريات المتخصصة المتوافرة لدی أكبر مجموعة من البلدان العربية والإسلامية ..
هاتين الخطوتين ستتيحان بلا إدنی شك الفرصة لعقد حوارات ثقافية وإجتماعية ومعرفية وإعلامية ثنائية ومتعددة بين الأطراف العربية من ناحية وبينها وبين الأطراف الإسلامية من ناحية أخری، الأمر الذي سيتيح تشكيل مواقف ثقافية عربية / إسلامية مرتكزة علی القدر الأكبر من الحقيقة والمصداقية ..
ولكي تتحقق مستويات تبادل الخبرات وتحفيز الزيارات وعقد الحوارات بالشكل الإيجابي الذي يؤتي ثماره يانعة، لا بد من التعرف بشكل عملي وواقعي علی مبررات النظرة المزدوجة التي تهيمن علی رؤية " العربي " لذاته و للآخر و رؤية هذا الآخر " للعربي " .. أسبابها و دوافعها و نسبة الحقيقة فيها وكيفية معالجتها " ثقافياً و سلمياً " ..
وربما يكون ذلك ممكناً من خلال توسيع دائرة " حوار الثقافات " بعد تعميق مؤشرات التعاطي العربي لمكونات هذا الحوار تحت شعار أنه " لا توجد ثقافة إنسانية أسمی أو أرقی من ثقافة أنسانية أخری " وضمن إطار " الحق في تحصيل المعرفة وندية النقاش " دون تغليب منطق علی منطق أو ثقافة علی ثقافة أخری..
ولكي تتمكن المجتمعات العربية من توسيع دائرة هذا الحوار ونقله نقلة موضوعية في مسار انعكاساته الإيجابية علي كافة الأطراف المتحاورة ، لابد من تشجيع التقارب بين العولمة وما تحمله من ثقافة كونية وبين الخصوصية التى تتميز بها الثقافية العربية حيث هناك العديد من نقاط التوافق ومستويات التنسيق والترابط التى يمكن البناء عليها .. مع العمل علي تلافي نقاط الإختلاف والتعارض بأسلوب إنساني متحضر لا يعمد للتجريح ولا للتحقير والإزدراء ..
لا نعرف علي وجه الدقة لماذا فُصلت قضية إنقاذ اللغة العربية بإعتبارها إحدی القضايا شديدة الأهمية في الساحة العربية عن محور " إنخفاض مستويات التعليم في العالم العربي " بالرغم من أنها – أي اللغة العربية - تشكل إحدى زواياه شديدة الأهمية خاصة وأنهم اقترحوا أن " يكون التعليم الوسيلة الأساسية للتعريف بالتراث " ، وعلی نفس المستوی أوصوا بأن يكون للإعلام دور بارز في " البحث عن حل لأزمة اللغة العربية " ..
أخشي ما نخشاه أن تتركز التحضيرات التالية لعقد القمة العربية الثقافية في هذا الحيز الضيق ونعني به " أزمة اللغة العربية " دون تناول أوجه الثقافة العربية الأخري التى كانت تعاني منذ بضعة عقود من تباعدها المتصاعد لمنهجية الأخذ بقواعد التبادل السملي للسلطة، فاصبح أبناؤها يُعتَصرون علی مدار الساعة بين حقهم في المشاركة في صناعة القرار الذي يشكل ملامح مستقبلهم بسبب السيادة السلطوية التي يعيشون في ظلها وبين التعرف لحظة بلحظة علی تجارب الآخرين – كثير منهم يمثلون أقطار إسلامية وغالبتيهم أقطار غربية وأسيوية – في مجال المعرفة وإنتاجها ..
لذلك نقول أن التوافق العربي لتبني سياسة واضحة للتغيير الثقافي العربي تهدف إلي وضع اسس منطقية وواقعية لمواجهة الذات والتعمق في فهمها بلا ضغائن ولا تهميشات من ناحية، وللتواصل مع الآخرين للتعرف عليهم بصدق وشفافية ودون إفتراضات مسبقة ومبرمجة من ناحية أخری .. أصبح يُمثل مطلباً حيوياً وحياتياً، لأنه ليس هناك من سبيل يُرجی للتقدم والتنمية المستدامة إلا عن طريق قبول الآخر داخل المجتمع الواحد والعمل معه علی تحقيق التقارب ومن ثم التكامل، وكذا قبول الآخر الذي تمثله المجتمعات الإسلامية وغيرها لتحقيق غد أفضل ..
• استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk