تقرير المحكمة الدولية حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري لا يزال هاجس الساحة اللبنانية , وفي هذا الملف حاول الصهاينة توجيه الاتهام تارة الى سوريا واخيرا حزب الله . ولكن هناك وثائق تثبت العكس لو انكشفت ستفقد اسرائيل ومن يدعمها في لبنان اوراق الضغط على حزب الله وستتعرض الى هزيمة سياسية اخري .
وكالة انباء التقريب (تنا) :
مرة أخرى تبدو مراجعة متأنية لتقريري "ميلتس" - (الأول والثاني) - في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري مسألة أكثر من ضرورية. وهذه المرة ليس من باب كشف التناقضات التي زخر بها؛ فقد بات الأمر الآن وراءنا. غير أن التقرير راعى من حيث الشكل والتغطية كل الاعتبارات المهنية التي يمكن أن تؤدي للإمساك "بالحقيقة". لكن عيبه الكبير أن كثيراً من المفاصل الحساسة التي تستوقف كل محقق مدقق قد مرَّ عليها بشكلٍ عابر. او أضاء عليها إضاءات باهتة جداً. ولعل هذا يعود إلى أن التقرير مُعدٌّ بالأساس على قياس سيناريو محدد سلفاً!؛ يفضي إلى اتهام سوريا والضباط الأربعة الأمنيين بارتكاب الجريمة آنذاك.
استطراداً من المفيد الإشارة إلى أن هذا السيناريو بالرغم من أنه بات في سلة المهملات إلا أنه في حينه أتاح ومن مكان آخر إمكانية تحقيق هدفين مطلوبين بإلحاح:
الأول: كشف حجم التنسيق بين الأجهزة الامنية السورية واللبنانية. وهو موضوع أكثر من بند في تقرير ميلتس الأول- البنود (١١٨ - ١٢٤ - ١٢٥- ١٢٦- ٢٠٣)- وفي التقرير الثاني البنود : (من ٤٧ حتى ٥٠). وذلك كله لفك الارتباط بين الأجهزة المذكورة. الأمر الذي يصعب فصله عن ظاهرة اتساع الاختراقات الاسرائيلية الأمنية لاحقاً، وصلت حتى مواقع حساسة ليس حقل الاتصالات هو أكثرها أهمية!!.
الثاني: وضع اليد على القنوات التي - بحسب اعتقادهم - يمكن أن يأتي منها الدعم المالي لحزب الله. وقد جاء ذلك في البنود ( ٦٨ - ٦٩- ٧٠) من التقرير الثاني تحت عنوان: "التعاملات المالية". بحجة ان "الاحتيال والفساد وتبييض الأموال تشكل دوافع للمشاركة في العملية التي انتهت إلى اغتيال السيد الحريري". وبهذه الحجة تم الدخول إلى "سجلات الحسابات" في أكثر من بنك والكشف عن حركة الاموال "لأكثر من ١٢٠ شخصاً.." بحسب التقرير!!.
مدخل لحل الألغاز!.
تصور ميلتس أن بعض النقاط التي جاء على ذكرها ليبرهن على مهنية تحقيقه، يمكن أن لا تستوقف أحداً في خضم (البناء الدرامي) لتقريره!؛ والذي جاء بسيناريو يوجه الأنظار آنذاك إلى جهات بعينها. غير أن هذه النقاط المذكورة في التقرير تستوقف كل مدقق للتأمل فيها ملياً؛ لعلها المدخل لحل كثير من الألغاز التي جرى حجبها. أحد أهم المفاصل هو أجهزة التشويش في سيارات موكب الرئيس رفيق الحريري. لنتأمل ما جاء في الفقرة ١٤٩: "على الرغم من أن لجنة التحقيق تلقت معلومات من مصدر مفادها أن أحد المقربين الموثوق بهم من الحريري تلاعب بأجهزة التشويش قبل الانفجار، إلا أن اللجنة لم تتمكن من تأكيد هذه المعلومات".
تُرى من هو هذا المصدر الشاهد؟!.. ولماذا لم تعلن عنه اللجنة!!.. ومن هو هذا المقرب الموثوق به؟. ثم كيف تأكد لهذه الأخيرة "أن أجهزة التشويش كانت جاهزة للعمل"، بحسب تعبيرها. هذا يستدعي ان ننظر في الآلية التي اعتمدتها اللجنة للجزم بأن الأجهزة كانت سليمة.
إنها آلية ضبابية ولكنها على كل حال أبعد ما تكون عن العمل الفني العلمي. ففي الفقرة ١٤٩ أشير إليها بالتالي: " أن أجهزة التشويس تم فحصها من قبل أعضاء فريق الحريري الأمني.. قبل يومين من الانفجار حيث كانت في وضع جيد". لكن الامر يبدو متناقضاً مع المنطق ومع النص بالآن عينه؛ فمنطقياً الفحص يتم من قبل شركة فنية مختصة. وبالنص جاء وفي مكان آخر من الفقرة المذكورة ما يلي: "صرح المسؤولون عن إدارة أجهزة التشويش بأنهم كانوا يقومون بفحص شامل للأجهزة كل ٣ أشهر، وأن آخر فحص جرى في كانون الثاني ٢٠٠٥.."!. إذاً بأية صفة قام الفريق الأمني المذكور بفحص الأجهزة؟!!. وهل مسموح بذلك بالدرجة الأولى من الوجهة الفنية!!. مسألة لا نطرحها من باب الاتهام، ولكن فقط لتكون في دائرة التقصي والبحث.
جاء في الفقرة ١٥٠ ما يلي: "على الرغم من أن واحداً من أجهزة التشويش على الأقل كان يعمل. (أظهر التحقيق) ان هنالك أساليب لتجاوز أجهزة التشويش أو تفاديها" ومن هذه الأساليب تذكر الفقرة "ترددات مختلفة عن ترددات جهاز التشويش. تفجير لاسلكي باستخدام ترددات أجهزة التشويش نفسها.
تفجير لاسلكي باستخدام هاتف الثريا الذي يعمل بالقمر الصناعي، وهي الشركة الوحيدة المسموح بها العمل على الأراضي اللبنانية باستخدام موصلات الأقمار الاصطناعية...". إنه سرد (مدرسي) - لا ينطبق على قوله: "أظهر التحقيق". فهو لم يحدد بأي من هذه تم التفجير؟!. ثم أليس بعض ما سبق كافياً على الأقل لمراجعة المعطيات (Data) الموجودة عند شركة الثريا!!. وبعده أو قبله لماذا لا يتم ربط الموضوع بأكمله مع وجود طيران اسرائيلي كان يحلق فوق المكان. وللتذكير فإن إسرائيل رفضت إعطاء سجل بطلعاتها الجوية فوق الأراضي اللبنانية للجنة التحقيق الدولية. هذا السؤال مشروع فلماذا تم استبعاده؟.
إضاءات لقد كانت مسألة الاتصالات الخلوية إحدى ركائز التحقيق وما زالت بداعي أنها استعملت في مراقبة موكب الرئيس الحريري وان هذه بدأت "في الساعة ١١ وغطت كل الطرقات التي تصل البرلمان بقصر قريطم.." -(الفقرة ١٢٢)- لكن كيف أمكن ذلك إذا ما قابلناه بالفقرة ١٥١ وهي بالنص كما يلي: "تلقت لجنة تحقيق الأمم المتحدة المستقلة معلومات عن أنه كان هناك تشويش في ١٤ شباط ٢٠٠٥ من الساعة التاسعة إلى الساعة الثانية من بعد الظهر على هوائي اتصالات يغطي منطقة رياض الصلح التي تتضمن مسرح الجريمة...". هذا يعني في المبدأ انقطاع الاتصال مع ساحة الجريمة. وبالتالي كيف أمكن للمراقبين لموكب الرئيس الحريري الاتصال فيما بينهم؟!.
غير ان ميليس يجيب عن هذا بأنه جرى التحقيق في موضوع التشويش "من خلال معلومات قدمتها شركة التشغيل MTC Touch " وبناءً عليها جاء تصوره بأن الاتصال لا يمكن أن يتأمن بهذه الحالة ما لم يقم (أحد) بعملية " تحويلهم إلى هوائيات أخرى". ولكن لكي يتم ذلك بحسب التقرير لا بد أن يكون هذا (الأحد) من داخل الشركة المذكورة. لكن التقرير يشير بهذا الصدد إلى ما لم يعد لغزاً في هذه الأيام وهو التالي: "لم يتم العثور على دليل
إلى الآن يمكن أن يشير بوضوح إلى تلاعب داخلي في MTC Touch علماً أن هذا التلاعب لم يجر استبعاده كلياً إلى الآن."!!!.
ربما لو قاطعنا هذه المعلومة بما جرى اكتشافه مؤخراً في اختراق الموساد لشبكات الاتصالات وتحليق الطيران الإسرائيلي فوق مسرح الجريمة لحظة وقوعها.. لأمكننا أن نصل إلى خيوط مهمة جداً لم يتكفل أحد بمشقة متابعتها!.
أسئلة تنتظر أجوبة
جاء في الفقرتين (١٥٩ و١٦٠) أن الفريق الياباني استدل على شاحنة الميتسوبشي. وتبين بعد التحري بأنها "قد سرقت من مدينة ساغا ميهارا في اليابان في ١٢ تشرين الأول ٢٠٠٤". وبنفس الصدد جاء في الفقرة (٤٢) من التقرير الثاني أن الشرطة اليابانية استنتجت "إن هذه العربة قد شحنت كاملة أو كأجزاء من اليابان إلى بلد آخر. الأكثر ترجيحاً إلى الإمارات".
السؤال: هل يعقل في دولة متقدمة مثل اليابان محكومة بنظم معلومات آلية - أو ما يسمى (الحكومة الالكترونية) - ان تغادر عبر موانئها سيارة مسروقة!!.. ما الذي يسقط الفرضية بأن السيارة جرى تجهيزها في اليابان وتزويدها بكل المعدات الالكترونية المتطورة اللازمة للتفجيرعن بعد؟!. وإذا أخذنا بنظرية السرقة، فهل يصعب عندئذ معرفة الجهة التي شحنت إليها الشاحنة وبعد مرور هذا الزمن الطويل؟
السؤال الثاني: لماذا رفضت الولايات المتحدة ان تزود اللجنة الدولية للتحقيق بصور من أقمارها الصناعية لموقع الجريمة قبيل وخلال الانفجار؟!!. في حين أنها لم تبخل بتقديم هذا النوع من الصور عن "معسكر الزبداني" في سوريا ليبنى عليها تهمة إعداد السيارة في المعسكر المذكور.
قد يستغرب القارئ لو عرف أن التهمة يومذاك بنيت على قرينة واهية وهي ان "صور الأقمار الاصطناعية بينت وجود جدران عالية وأبراج مراقبة في المنطقة"!!.. جدران عالية تستوقف اللجنة!. ولا يستوقفها (فيلم) سرقة الشاحنة وخيوط عملية تهريبها من أحد الموانئ اليابانية هذا على سبيل المثال فقط!!.
هذه اسئلة تأتي إلى جانب السؤال القديم الجديد: لماذا لا يتم استجواب شهود الزور؛ ومن كان وراءهم لمعرفة الجهة صاحبة المصلحة في تضليل التحقيق، وتوجيهه في وجهة معينة ليس القصد مواجهة "المحكمة الدولية" بكل هذه الأسئلة، فهذه على ما يبدو جاءت مسبوقة بلائحة اتهامية مطلوب أن تتبناها وحسب.
المطلوب أن يحمل (أولياء الدم) ومعهم كل اللبنانيين هذه الأسئلة إلى محكمة أخرى من صناعة لبنانية. او يكون لبنان على الأقل شريكاً في تسمية قضاتها والإشراف على أدائهم. المطلوب لهذا "لجنة وطنية للإشراف على أعمال المحكمة الدولية"، وهي التي تقرر مدى جديتها وصدقها، وبالتالي إلزامية قراراتها.
"إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرحٌ مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم اللهُ الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين".
(صدق الله العظيم) ـ (آل عمران/ ١٤٠)
لؤي توفيق حسن - كاتب لبناني