تطرق المؤلف الى اثر البيئة على وعي الفرد والمجتمع واستغلال السياسيين المستوى الثقافي والمعرفي للمجتمع للعزف على نغمات التطرف والتكفير على لسان اهل الدين
كتاب : أدبيات التعايش بين المذاهب
15 Aug 2010 ساعة 10:13
تطرق المؤلف الى اثر البيئة على وعي الفرد والمجتمع واستغلال السياسيين المستوى الثقافي والمعرفي للمجتمع للعزف على نغمات التطرف والتكفير على لسان اهل الدين
وكالة أنباء التقريب (تنا )
المؤلّف: العلاّمة الحجّة الأستاذ الشيخ حسين بن علي المصطفى ، عَلَمٌ من أعلامنا غنيٌ عن التعريف، أثرى الفكر المعاصر بأطروحاته التنويرية وخاصّة في فهم النصّ الديني، وظهر ذلك جليًّا في كتبه المطبوعة، وهي تربو على الثلاثين مؤلَّفًا،
ومن أبرزها في هذا المجال: الغضب، وأسرار العبادات، وفلسفة العبادات، وفلسفة الحجّ، وموسوعة معالم فقه المناسك، وحصاد الكلمة، وثقافتنا الجنسيَّة، ومطارحات في الدين والفكر والمجتمع، وآفاق رؤية الهلال، والعصبيّة في المنظور الإسلامي ، وهذا الكتاب الذي نقرؤه؛ وهو أدبيات التعايش بين المذاهب، الذي طرح فيه تفكيرًا صافيًا، وليست مجرَّد فكرة، فهو بحقّ كاتب ومفكّر إسلامي من الدَّرجة الأولى .
الكتاب: من قطع النصف يقع في ۱۶۰ صحيفة، طرح فيه عناوين أربع رئيسة: فقه أدب التعايش , التعايش ووحدة الوطن , التعامل مع الاختلافات , لوحات مضيئة .
وافتتح المؤلّف ـ كتابه بـ"بقعة ضوء"، أهداه فيها إلى عَلَمٍ من أعلام فنّ التعايش ، ورائد من روّاد حركة الوحدة الإسلاميّة، فكان عالماً بكلِّ ما للكلمة من معنى ، وإنسانًا بكلِّ ما في الإنسانية من أبعاد ، حوى قلبه حكمة الأنبياء وصفاء الأولياء ، فكان فضلاً من الله "وكان فضل الله عليك عظيمًا"، إنَّه الراحل الكبير آية الله السيد محمّد حسين فضل الله رضوان الله عليه، وكان المؤلِّف ـ دامت إفاضاته ـ يتمنّى أن يهديه إليه، ويضعه بين يديه، ويلحظه بعينيه،ولكن حال دون ذلك أمر الله ، فكانت يد الحِمام أطول إليه من يده فتناولته إلى جنان الخلد قبل أن يتناول الكتاب و لله الأمر من قبل و من بعد .
ومؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر للدراسات والبحوث قدمت للكتاب مقدمة رائعة، تطرقت فيها إلى التنوع الديني والطائفي والمذهبي والتيارات الفكرية؛ لينفتح أمام أبناء الأمة و لتلتقي في هدفٍ واحد، وإن اختلفت في قراءتها للدين، وبذلك وضع المؤلف حجر الأساس لقواعد التعايش .
و طرح المؤلف في مقدمته أثر البَيئة على وعي الفرد ، مما يقوقعه داخل بَيئته الضيقة الأفق، أو الخشنة في معيشتها، فتفرز فكراً ضيقاً وخشناً، وقد تلاعبت بهذه النماذج أصحاب الأطماع من أهل السياسة ، فعزفوا على نغمات التطرف ، وكفّروا الآخرين بلسان أهل الدين، واستشهد المؤلف بفتوى بعض مشايخ المملكة العربية السعودية في تكفيره أمةً عريضة من المسلمين، و هم الشيعة الإمامية ، وكذلك تفسيق أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى التي لا تتفق معه في ملامح العقيدة السلفية ، وأنا أظن بأن المؤلف دامت بركاته لو عبَّر بكلمة "جماعة" بدل أمة في قوله "أمة عريضة من المسلمين" لكان أنسب ؛ لأن المسلمين هم أمّةٌ واحدة، ولا يوجد بداخلها أمم بحسب رؤية القرآن الكريم ، ويمكن الاعتذار له : بأنه نظر إلى معناها العرفي عند أهل اللغة ، حيث تعني "الجماعة".
وعلى أي حال فإن العامل السياسي هو الذي أذكى نار الطائفية بين أبناء الإسلام الأمة الواحدة , و قد رتّب الكتاب في أربعة أبحاث :فقه أدب التعايش , التعايش و وحدة الوطن, التعامل مع الاختلافات ,لوحات مضيئة، و هي خاتمة الكتاب.
وفقه أدب التعايش ص۲۱ بدأه المؤلف بالبحث في مفهوم التعايش و ارتكز في بيانه على مقولةٍ رائعة : "إتاحة الفرصة أمام الآخرين للممارسة حريتهم أيضاً؛ لأن لهم نفس الحق الذي يطلبه الإنسان لنفسه، وهذا يعني أن العلاقة الإنسانية بين أفراد البشر هي علاقة موجودات حرة ، يتنازل كلٌّ منهم عن قدرٍ من حريته في سبيل قيام مجتمع إنساني يحقق الخير للجميع"، و هذه هي القاعدة الأساس لفهم بناء التعايش.
وتحت عنوان الفقيه والمفكر ص۲۵ طرح نقطة اشتراك بينهما ونقطة افتراق ، أما نقطة الاشتراك فكلٌ منهما يسعى نحو ذات الهدف ، ألا هو الإصلاح الاجتماعي ، انطلاقاً من ركائز معرفية مشتركة بينهما.
وأما نقطة الافتراق فالفقيه يتعامل مع السند والدلالة اللغوية لفهم النص الديني ، ويتحرك لحلّ المشكلة من موقع الواعظ والمنذر، بينما المفكر يتعامل مع كل الوسائل العلمية المتاحة كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم التاريخ وغيرها لفهم النص الديني ، فإذا ما أخذنا مفهوم "التعايش" و عرضناه على الفقيه والمفكر فإن الفقيه سينطلق في فهمه وتحديده من النصوص الدينية من كتابٍ وسنّة ليحدد هويته ، فينما ينطلق المفكر من علاقة الشعب بالقانون ولا يرى للدين أي دخلٍ في مفهومه.
وثم أشبع البحث في نماذج الفقهاء الذين طبّقوا مبدأ التعايش في تعاطيهم مع الفقه بعيداً عن التعصب الطائفي، وفي طليعتهم المرجع الراحل الكبير آية الله السيد حسين البروجردي (ره) ، حيث كان يعتقد أن الفقه الشيعي كان في بداية الأمر شارحاً للفقه السني اقتداءاً بالسلف الصالح في نقله لآراء العامة ، ابتداءً بما كتبه السيد المرتضى (ره) في الانتصار ومروراً بالشيخ الطوسي (ره) في الخلاف ثم العلامة الحلي (ره) في تذكرة الفقهاء ، حيث تجلّت في كتاباتهم الفقه المقارن بأروع صوره.
و في بحث غِيبة المسلم المخالف ص۳۳ طرح حُرمته على لسان الأعلام من مراجعنا العظام ، ولو كان البحث مطعماً بالدليل كأن يُقال : بأن آية تحريم الغيبة ربطتها بالأخوّة ، والمسلم أخو المسلم ، فهما أخوان في دينٍ واحد ، فلا يحلُّ له غِيبته ، مضافاً إلى النصوص الروائية لكان أوضح للمسألة ، وأما غِيبة غير المسلم فمن باب حفظ النظام بين الناس والألفة وتطبيق قواعد العيش ، وهذه نظرٌة فكرية .
في بحث المسلم المخالف و العدالة ص۴۱ لو أن المؤلف ـ ذكر معنى العدالة لغةً واصطلاحاً في أول البحث وصدّره بها كما صنع في مفهوم الوطن والمواطنة ص۸۱ لكان أجود ، ثم تعرّض إلى فقه المسألة وبيان رأي الشهيد الثاني وسبطه والكاشاني (رهم) والرأي المقابل له وهو رأي مشهور في الفقه على ما يبدو ، وخلص البحث إلى عدالة كلّ مسلم ملتزم بالاستقامة في نفسه، فمن كان لله طائعاً فهو عادل .
ثم ذكر كلاماً للسيد الخوئي (ره) ص۴۸ حريٌ بأن يُكتب بماء من الذهب على قراطيس من الفضة وأتبعه بكلامٍ للمفكر المرجع الديني السيد الشهيد الصدر (ره) وكأن المؤلف ـ أدام الله عزه ـ أراد أن يقول: من طلب رأْيَنَا فليطلبه من هؤلاء و أضرابهم و ليس من غيرهم.
المصدر : التوافق
رقم: 23363