الإساءات للمسلمين ومقدساتهم تتوالى، نظراً لعدم اتخاذ الدول الإسلامية أي إجراء رادع. وهكذا نرى صاحب الرسوم المسيئة للرسول (ص) فيستر غارد أو القس الأمريكي تيري جونز الذي يخطط لإحراق المصحف أمام الملأ في الحادي عشر من سبتمبر، يمارسون عدوانهم على مقدساتنا، فيما تستمر "الديمقراطيات" و "الديمقراطيون" الغربيون بتشجيع هؤلاء وبحمايتهم تحت مسميات "حرية التعبير"، و "حرية الرأي"
وكالة انباء التقريب (تنا) :
بقلم الدكتورة بثينة شعبان
القول المأثور عن منطقتنا، هو أن أبناء هذه المنطقة لا يستيقظون على همّ قديم، لأن كلّ صباح يطالعهم بهموم جديدة، وذلك لكثرة ما يُحاك لهذه المنطقة من كوارث وحروب وحصار وغزوات وعقوبات استهدفت وما تزال، غنى هذه المنطقة وموقعها الجغرافي المتميّز، وثرواتها الطبيعية، وتراث أبنائها الغني، والذي هو نتاج تراكم خبرات الحضارات التي شيدوها طوال آلاف السنين.
وما يتعرض له المسلمون اليوم من حروب، وغزوات، وإساءات لمقدساتهم، وما يواجهه إخواننا في الدين في الولايات المتحدة، وأوروبا، والعالم برمته، يذكرني بهذا القول، لأن همجية أعداء المسلمين لا تزال تتفوّق على نفسها كلّ يوم باختراع معارك مسيئة للإسلام والمسلمين، واتخاذ غطاء "الديمقراطية"، و " حرية التعبير " و " الحرية الدينية " لتبرير الحملات المدروسة والمخططة والمموّلة من قبل جهات تتصاعد في وجدانها أحقاد عنصرية دفينة منذ القرون المظلمة ضد الإسلام والمسلمين، ويبدو أن خزائن العنصريين في الغرب لا تنضب من الكراهية والحقد عليهم. وما يحدث اليوم للمسلمين في أقطاب المعمورة هو أشدّ خطراً من حرب باردة شغلت العالم على مدى عقود بين قوتين غربيتين عظيمتين، ذلك لأن الغرب قد أعلن بطرق، وقوانين، وإجراءات لا تحتمل الشك، أن الإسلام هو العدو، وأن المسلمين هم المستهدفون اليوم، بعد أن تمّ تحميلهم وزر أحداث الحادي عشر من سبتمبر، رغم أن التحقيقات بهذا الصدد تثير زوبعة من الأسئلة حول الحدث، وأهدافه، ومصداقية ما نُشر عنه، إذ يبقى الثابت الوحيد في هذا الحدث هو أن الهدف منه هو شن حرب طويلة الأمد ضدّ الإسلام والمسلمين، واتخاذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر كذريعة لتبرير كل حرب أو قانون أو إجراء موجه ضد المسلمين، والتستر بغطاء "الديمقراطية" الذي يفسح مجالاً لأصحاب الأحقاد بالتعبير عن وحشيتهم. والجواب الأول على مثل هذا الإدعاء، هو أن القوانين في هذه الدول الديمقراطية، قد غيّرت وجهتها بشكل جوهري بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتمّ سنّ قوانين تسمح باعتقال، وتعذيب "المشتبه بهم" دون الحاجة لإثبات أي من هذه التهم عليهم، أو حتى توجيه أي تهمة لهم، وتمّ سنّ القوانين التي تسمح بمعاملة "المشتبه به" وكأنه مجرم مدان.
الإساءات للمسلمين ومقدساتهم تتوالى، نظراً لعدم اتخاذ الدول الإسلامية أي إجراء رادع. وهكذا نرى صاحب الرسوم المسيئة للرسول (ص) فيستر غارد أو القس الأمريكي تيري جونز الذي يخطط لإحراق المصحف أمام الملأ في الحادي عشر من سبتمبر، يمارسون عدوانهم على مقدساتنا، فيما تستمر "الديمقراطيات" و "الديمقراطيون" الغربيون بتشجيع هؤلاء وبحمايتهم تحت مسميات "حرية التعبير"، و "حرية الرأي"، إذ أنّ ما قيل عن الخطة غير المسبوقة لقس في كنيسة بإحراق كتاب سماوي غير مقبول تحت أي ذريعة، ولا يعبّر أي مسؤول غربي عن نية حقيقية أو حتى رغبة بسيطة لمنعه من المضي قدماً في خطته العنصرية الحاقدة المسيئة لمشاعر أكثر من مليار وثلاثمائة مسلم ومسلمة في العالم.
فما هي أهمية وصف هذا العمل "بالمشين" من قبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إذا كانت هي بالذات قد شاركت بتكريم حاقد عنصري آخر أساء برسومه لمشاعر أكثر من مليار مسلم ومسلمة ينتشرون في ٥٨ دولة. المفارقة هي أن ميركل وفي كلمتها التي أثنت بها على "شجاعة" هذا العنصري المتطرف الدانماركي فيستر غارد، نددت بخطة الكنيسة الأمريكية حرق المصاحف، وقالت "إنه أمر مهين ومشين وخاطئ". فكيف لم ترَ المستشارة الألمانية أن تكريمها لفيستر غارد عمل " مهين ومشين وخاطئ " وهو ليس إلا الوجه الأسبق للقس تيري جونز والذي لا شك سيتم تكريمه لاحقاً بعد خمس سنوات، وربما سيتم صنع تمثال له كما وضع الإسرائيليون تمثال السفاح روبنشتاين الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل التي ذهب ضحيتها عشرات المصلين المسلمين على مدخل مدينة الخليل. كما أنه سيتم تكريم الكاتب الألماني " سراسي" والذي أصبح وجه العنصرية الأبرز ضد المسلمين في ألمانيا بعد أن نشر في كتابه أن "المسلمين يعانون من صعوبة في الاندماج تتعلق بثقافتهم وجيناتهم الوراثية " وأصبح التعبير عن أحكام مسبقة متجذرة ضد المسلمين يتم تحت غطاء "حرية التعبير" و "حرية الرأي". والسؤال هو: هل يسمح الغرب ببحث موضوعي ونزيه عن " المحرقة " أو مجرد الحديث عنها في الإعلام؟ أوليست " المحرقة " حدثاً تاريخياً قابلاً للبحث والكتابة عنه، أولم تمنع قوانين "الديمقراطية" و "حرية الرأي" العالم برمته من مجرد ذكر " المحرقة"، وهل سيكون موقف الغرب مجرد "الشجب" و "التعبير عن القلق" إذا ما أراد أي شخص في العالم حرق نسخ من "الإنجيل " أو " التوراة "؟ بالطبع لا يمكن لأي مسلم أن يفكر بمثل هذا العمل المشين فعلاً، لأنه يتناقض وروح الإسلام السمحة وتعاليمه التي تحترم كل الديانات فعلاً لا قولاً، والدليل على ذلك أن مسلمي الولايات المتحدة قرروا إقامة صلاة العيد في كنيسة مارتن لوثر كينغ كردّ حضاري على كراهية القس تيري جونز وكل القوى العنصرية التي تقف وراءه وتشجعه، والتي ادّعت العجز عن ردعه أو إيقافه، لأن عدم ردعه من القيام بهذا العمل المشين سببه التعاطف الخفي معه ومباركة ما يقوم به في السرّ، رغم التظاهر بإدانته في العلن لأن تأكيد المعارضة له دون اتخاذ إجراء صارم وحاسم لمنعه من القيام بهذا العمل المشين لا قيمة لها ولا تعبّر عن صدق إدانة هذا الاعتداء على مشاعر ومقدسات المسلمين.
لنقارن فعل هذا القس المشين مع أخبار " محاكمة " اثني عشر جندياً أمريكياً قتلوا مدنيين أفغان للمتعة وجمعوا أصابعهم كهواية كما يجمع البعض الطوابع!
إن اختيار تاريخ الحادي عشر من سبتمبر لإحراق المصاحف، هو تاريخ جديد للمسلمين لا يقلّ خطورة عن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ بالنسبة للولايات المتحدة، بل إنها مرشحة أن تقود العالم إلى مزالق، ومآس، ومخاطر غير مسبوقة في التاريخ، ذلك لأن هؤلاء المتهاونين بدماء المسلمين، وكرامة الإسلام، ومشاعر ومقدسات المسلمين، لا يحسبون حساباً لمجتمعاتهم وسلامتها، لأن الإساءات العنصرية ضد المسلمين ومقدساتهم، والتي يغضون الطرف عنها اليوم، سوف تقضّ مضاجعهم غداً، وسوف ترتد عليهم، ليس ضد مواطنيهم المسلمين فقط، وإنما أيضاً ضد المسيحيين واليهود.
فالشعور بالعنصرية والازدراء للآخر شعور معدٍ، ولا يمكن لأحد أن يتمكن من احتجازه ضمن القالب الذي اخترع من أجله، بل سوف يتعدى هذا القالب لينتشر بأشكال وصيغ غير مسبوقة، وتخرج عن إطار السيطرة، وتنتشر في المستقبل كانتشار النار في الهشيم، ولذلك فإن المسؤولين في الغرب يتحملون مسؤولية إيقاف حملات الكراهية الموجهة لمواطنيهم من المسلمين، ليس منّة أو معروفاً للمسلمين، بل ضرورة ملحة للحفاظ على الأمن، والسلم، والعيش المشترك في مدنهم، وقراهم، وجامعاتهم، ومؤسساتهم.
وإذا كانت قلة قليلة من الحاقدين ذات مصلحة في إثارة نار الفتنة هذه بين المسلمين في الغرب ومواطنيهم من المسيحيين واليهود هناك، فلا شك أن الشعوب الغربية لا مصلحة لها إطلاقاً في السماح لمثل هذه الأعمال المشينة بالمرور، لأنهم سوف يكتشفون لاحقاً أن تكريم فيستر غارد، وغض النظر عن محرقة تيري جونز، سوف تترك آثارها الجارحة ونتائجها الوخيمة، ليس على المسلمين الغربيين فقط، وإنما على المجتمعات الغربية بأسرها.
أما حكومات العالم الإسلامي، فإذا لم تستيقظ حتى اليوم لتشكل كتلة دولية، ومرجعية رادعة، وموقفاً مدافعاً عن مقدسات المسلمين، فلا أعلم متى ستستيقظ، ومتى ستعتبر أن ناقوس خطر العنصرية الغربية قد علت أصواته اليوم في جميع أنحاء العالم، ولا يجوز بعد اليوم تجاهل هذا الخطر المستعر بالأحقاد أو السكوت عنه.
هل يرى المسلمون استخفاف العالم بالكارثة التي حلت بالباكستان؟ ولكن ليتخيلوا فقط لو أن عشرة ملايين مشرد كانوا من أتباع دين آخر، وفي بلد آخر لرأينا أموال بعض المسلمين أنفسهم أسخى بكثير مما رأيناه في هذا الحدث.
إنها قضية متعددة الجوانب، يتحمل الكثيرون مسؤولية تاريخية فيها، ولكن الثابت في الأمر، هو أن مسار الحقد على المسلمين مشين وخطير، ليس فقط على المسلمين، وإنما على العالم برمته، وأن المطلوب اليوم هو أعمال تضع حدّاً لهذه العنصرية والأحقاد، لا أقوال مرائية، ومواقف متناقضة تلبس لبوساً كاذبة، ومفضوحة... "إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون" صدق الله العظيم.