"خرجت الأمور عن السيطرة واستدعت وضع حدّ لها"، هذه العبارة صارت هي قاعدة التعامل الأمنية السائدة في العلاقة بين وزارة الداخلية في غزة والمجموعات السلفية منذ أشهر قليلة. وتيرة الاعتقالات تصاعدت قبل مدة، ولا تساهل في التعاطي مع المعتقلين، بل إن قراراً سياسياً اتُّخذ برفض الوساطات، وآخر أمنياً بإطلاق النار على مطلقي "الصواريخ العشوائية" .
هذا خلاصة تقيم الوضع الأمني والاجتماعي وتمدد التكفيريين في غزة تنقله صحيفة الأخبار اللبنانية عن لسان مصدر أمني في غزة.
وتقول الأخبار وفقاُ لمعلوماتها، قبل نحو عام، كانت التقديرات الأمنية في قطاع غزة، تقول إن «داعش غزة» لا تزال تحت السيطرة، على أساس أن تحركات العناصر السلفية ــ التكفيرية، وما يمتلكون من أسلحة ومعدات وأموال، تعلم بها الأجهزة المعنية، خاصة «الأمن الداخلي» التابع لحكومة غزة السابقة.
ومنذ اتفاق المصالحة الذي أُبرم بين السلفيين وحركة «حماس» عقب مقتل القيادي السلفي يونس الحنّر في خلال عملية دهم في حزيران 2015، صار التعاطي الأمني أقّل حدة، وسمحت الحركة للمجموعات السلفية بنشاط محدود كان أحد معالمه تنظيم تظاهرة علنية رُفعت فيها أعلام «داعش» عقب إعادة صحيفة «شارلي إيبدو» نشر «الرسوم المسيئة»، مع المحافظة على المتابعة الدقيقة لتحركاتهم.
«المصادفة كشفت أن ما تحيط به الأجهزة الأمنية ليس سوى نقطة من برميل»، كما تصف مصادر أمنية مطلعة كشفت أن جهاز «المباحث» في أثناء اعتقاله أحد المطلوبين في مخيم النصيرات، وسط القطاع، عَثر بحوزته على مبالغ مالية طائلة ووثائق تكشف تلقي السلفيين دعماً مالياً كبيراً خُصصت أجزاء منه لشراء أسلحة فردية وصواريخ «غراد»، فضلاً عن أوراق تظهر بناء «هيكلية ظل» يوكل إليها تنفيذ مهمات حساسة.
في تلك الحملة أيضاً، وقع المهندس ح. أ. (36 عاماً) في قبضة الأمن بعد ست سنوات من المطاردة. ووفق «مركز ابن تيمية للإعلام» في غزة، فإن الأخير المكنى «أبو المحتسب المقدسي» هو أبرز قيادات التنظيم السلفي، وبدأ مشواره برفقة الشيخ هشام السعيدني عام 2008 حتى صار «الأمير العام لجماعة التوحيد والجهاد» عقب مقتل السعيدني في غارة إسرائيلية عام 2011، وهو متهم بالمسؤولية عن إطلاق الصواريخ على «مستوطنات غلاف غزة» في أثناء الهدنة التي توافقت عليها الفصائل قبل ثلاث سنوات.
في خلال التحقيق، تمكنت الأجهزة الأمنية من الوصول إلى الأسماء الحقيقية لمنتسبي التشكيل السري الذي كان يعمد في أوراقه إلى استخدام الألقاب دون الأسماء. منذ ذلك الوقت، تكشف المصادر نفسها عن اعتقال قرابة 380 سلفياً مُنع عنهم الاتصال والزيارة، قبل أن يخضعوا في مطلع الشهر الجاري لمحاكمة عسكرية وُجهت فيها إليهم تهم «مناهضة النظام وحيازة أسلحة غير مرخصة». ورغم قبول المحكمة الإفراج عن بعضهم مقابل كفالة تصل إلى 100 ألف دولار، فإن «الداخلي» رفض الإفراج عن أي من الذين تراوح أعمار 90% منهم ما بين 19 ــ 25 عاماً فقط.
المبرر الأمني لذلك، أنَّ عدداً كبيراً من الذين اعتقلوا في الحملة الحالية كانوا قد اعتقلوا سابقاً وخرجوا بتعهد وبكفالات، ثم ثبت تورطهم في عمليات إطلاق صواريخ وتفجير بعض المنازل والمقاهي والمراكز الثقافية. مع هذا، فإن البنى السلفية في غزة كانت قد تحولت منذ مقتل عبد اللطيف موسى «أبو النور المقدسي» عام 2009 ومن معه إلى حالة من الظل واللامركزية، فيما يحُول تعدد الرؤوس ومصادر التمويل دون القدرة على إنهاء خطرهم.
ورغم تواصل الانتشار المكثف لعناصر «الضبط الميداني»، وهو تشكيل أمني أنشئ عقب حرب 2014 بهدف حماية الهدنة وملاحقة مخترقيها، استطاع عدد منهم إطلاق صواريخ اتخذها العدو الإسرائيلي حجة لضرب المقاومة. واللافت وفق المصادر نفسها، أنَّ «دواعش غزة» يستفيدون من عملهم تحت الإطار التنظيمي لبعض الفصائل، من امتيازات سهولة التحرك والعبور من الحواجز الأمنية. وقالت لـ«الأخبار» أيضاً إن صاروخي عسقلان الأخيرين أطلقهما عنصران «داعشيان فكرياً»، وكانا يعملان تحت إطار «حركة الجهاد الإسلامي»، لكن القرار الأخير كان التعاطي مع أي مطلق للصواريخ خارج الإطار الوطني على أنه «عميل» يخدم الأجندة الإسرائيلية من حيث يدري أو لا يدري.