واوضح شيخ الأزهر، ان البعض لا يفهم عن تجديد الخطاب الدينى إلَّا العودة فقط إلى ما كان عليه سالف الأمة وصالح المؤمنين فى القرون الثلاثة الأولى، وهؤلاء أيضًا يحلمون باليوم الذى يضعون فيه أيديهم على مؤسسة الأزهر ويَجْمدون رسالته وعلومه ودعوته عند حدود التَّعبُّد بمذهب واحد واعتقاد معين وأشكال ورسوم يرونها الدين الذى لا دين غيره، وهؤلاء يهددون سماحة هذا الدين الحنيف وشريعته التى تأسست على التعددية واختلاف الرأي.
وأضاف فى مقاله الأسبوعى بصحيفة "صوت الأزهر"، تحت عنوان "التجديد الذى ننتظره": "هؤلاء لا يطيقون أن يتسع الأزهر فى عصره الحديث لما اتسع له عبر عشرة قرون من إجماع واتفاق على الأصول وقواطع النصوص وكليات الدين، فإذا تجاوز النظر هذه الأصول والقواطع والكليات فبابُ الاختلاف وحرية الرأى والأخذ والرد بين العلماء مفتوح على مصراعيه، وبوحى من هذا المنهج التعددى اتسعت أروقة الأزهر وكلياته لدراسة المذاهب الفقهية السنية وغير السُّنيَّة دراسة علمية، لا انتقاص فيها من مذهب ولا إغضاء من شأنه أو شأن أئمته".
وشدد على أن التجديد الذى ننتظره ينبغى أن يسير فى خطين متوازيين، أولهما ينطلق من القرآن والسنة أولًا، وبشكل أساسي، ثم ما يتناسب مع مفاهيم العصر من كنوز التراث بعد ذلك، لافتًا إلى أن المطلوب خطاب شمولى لا تتعدد فيه الآراء ولا وجهات النظر، إنما خطاب خال من "الصراع" ونفى الآخر واحتكار الحقيقة فى مذهب، ومصادرتها عن مذهب آخر مماثل، وخط آخر موازٍ ننفتح فيه على الآخرين بهدف استكشاف عناصر التقاء يمكن توظيفها فى تشكيل إطار ثقافى عام يتصالح فيه الجميع.
ولفت شيخ الأزهر إلى أن التيار الإصلاحى «الوَسَطي» هو المؤهل لحمل أمانة "التجديد" الحقيقي، الذى تتطلع إليه الأمة، وهو وحده القادر على تجديد الدين بعيدًا عن إلغائه أو تشويهه، ولكن شريطة أن يتفادى الصراع الذى يستنزف طاقته من اليمين ومن اليسار، مطالبًا بإعداد قائمة إحصائية بكبريات القضايا التى تطرح نفسها على السَّاحة، وأن تكون الأولوية للقضايا التى شكَّلت مبادئ اعتقادية عند جماعات التكفـير والعنف والإرهاب المسلح، والتى من بينها الجهاد والخلافة والتكفير والولاء والبراء.