بعد انهيار المعسكر الشرقي , استهدف المستعمر الغربي الاسلام كعدو بديل مما حفز قوى اسلامية متعددة ومختلفة باتجاه خلق علاقات اسلامية قادرة لمواجهة التحدي الجديد .
هل نتنازل عن مشاريع التقريب بين المذاهب؟
21 Oct 2010 ساعة 23:13
بعد انهيار المعسكر الشرقي , استهدف المستعمر الغربي الاسلام كعدو بديل مما حفز قوى اسلامية متعددة ومختلفة باتجاه خلق علاقات اسلامية قادرة لمواجهة التحدي الجديد .
وكالة انباء التقريب (تنا) :
لقد شكل وجود المستعمر الأجنبي في البلاد العربية والإسلامية وبعد ذلك الصراع العربي الصهيوني عاملين مهمين من عوامل بروز فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية، حيث تحركت رجالات من هذا المذهب أو ذاك لتضييق الفجوة ولم الصف وترتيب العلاقة وتنسيقها بما يتماشى مع المصالح الإستراتيجية في صورة هي أشبه بالهدنة منها إلى الحل الفعلي والحقيقي لملف الخلاف المذهبي.
وقد برزت الحاجة للتقريب بين المذاهب الإسلامية وترشيد العلاقة الدينية أكثر حين انهار المعسكر الشرقي وطالعتنا الصحف والمكتبات والإعلام الغربي بمقولات ذات طابع سياسي تارة وطابع فكري وإيديولوجي تارة أخرى يأخذ الصراع باتجاه الإسلام كطرف عداء بديل وينظر لصراع الحضارات، ليصنف الإسلام بذلك العدو الأول في منظوره الغربي، الأمر الذي شكل صورة من الاستفراد بالعالمين العربي والإسلامي حفز هذا الاستفراد قوى إسلامية متعددة ومختلفة باتجاه خلق علاقات إسلامية قادرة على مواجهة التحدي الجديد.
هذا وليس المقصود ببروز الحاجة للتقريب استجابة لتلك العوامل عدم وجود أي صيغة للحوار بين أتباع المذاهب في الحقب السابقة بل كان الحوار موجودا منذ القرون الهجرية الأولى جسدته مفردات عديدة من قبيل المناظرة والمحاجة والمجادلة والمراء، وقد يكون طابعها العام عقيما غير قادر على التغيير والتأثير لصالح الحقيقة الدينية و التاريخية لكنها تضل صيغا مصنفة على مبدأ الحوار وتعد مع «رداءتها» نحوا من أنحاء التواصل المذهبي و الثقافي، عوض القطيعة التامة والخلاف المطبق على كل مفاصل التاريخ الإسلامي.
إن الحاجة للتقريب بين المذاهب الإسلامية تتعمق اليوم وتتأكد أكثر من أي وقت مضى وذلك لجهتين، أولاها عدم ارتفاع أغلب العوامل السابقة التي دعت لقيام مشاريع التقريب - مع تحفظنا على صيغة بعض العوامل وطريقة عرضها في التنظير الحضاري والثقافي الإسلامي – وثانيها نشوء عوامل إضافية طارئة لا تقل إلحاحا عن تلك العوامل السابقة، ويأتي على رأسها ظاهرة الاصطفاف الطائفي والمذهبي التي أصبحت تقوض المشاريع المدنية والوطنية وتهدد قيامها وقدرتها على التبلور الحقيقي وفق أطر دستورية وقانونية تحكم علاقة أبناء الوطن الواحد فيما بينهم من جهة وبينهم وبين مستحقات وطنهم ونظمهم السياسية من جهة أخرى.
وظاهرة الاصطفاف الطائفي، هذه التي هبت في زمن العلم والحضارة..!! لم تقف عند الشكل والظاهر والصورة بل تعدته لتصل إلى العمق والجوهر، فقد أضحى الحس الطائفي يضبط إيقاع المشاريع الاجتماعية في المدينة الواحدة، وأضحت العقول السياسية في المواقع الوطنية التشريعية والتنفيذية والإدارية والتنظيمية غير مهنية وغير معنية بما تتطلبه التنمية الوطنية الشاملة، لأنها وباختصار تعمل وفق التفكير المذهبي والطائفي الضيق وليس على أساس المصالح الوطنية العامة، الأمر الذي يجعل كل قضايا الوطن في ميزان المذهب والطائفة فإن رجحت كفة الطائفة مضت وأقرت وإن لم ترجح انحلت وتعسرت، وليس هناك أدل على ما أدعي من قراءة ولو خاطفة للساحة السياسية في أكثر ممن بلد عربي وإسلامي يوجد فيه تعدد على مستوى الأديان والمذاهب.
إننا نطمح ونتغزل في عوامل جامعة ومقربة تختلف عن سنخ تلك العوامل القديمة والطارئة، نتمناها دوافع تقريبية غير سياسية لأن السياسة عالم من الحركة والتغير، وبمعنى آخر نريد أن تتبلور قناعة وثقافة وفكر وطني وإسلامي تسامحي يؤصل لمفاهيم الشراكة والمصير الواحد لتصبح أجندة الطائفة والحزب والجماعة منصهرة فيما هو أكبر منها وأرفع شأنا ومصلحة، ولكي تغدو الأهداف الصغير طيعة للأهداف الكبيرة ومنقادة للمشاريع التي تخدم الفرد والمجتمع والأمة على حد سواء.
وللمرحوم السيد محمد حسين فضل الله كلمة رائعة في المقام إذ يقول:" إن المشكلة أن الكثيرين من المسلمين - بما فيهم المثقفون والعلماء - لا يقرأون القرآن في المنهج والأسلوب والعلاقات. وهذا هو الذي يجعل القلب في سواد دائم وتشنج متواصل في مواجهة حالة الخلاف المذهبي والاجتهادي مع الآخر.... إننا نعتقد أن علينا أن نخطط - على المدى البعيد - لبرنامج ثقافي تربوي يعمل على أساس إنتاج الذهنية الإسلامية التي يتحسس فيها المسلم إسلامه قبل أن يتحسس فيها مذهبه، لتكون الروحية الإسلامية هي التي تحدد له روحية المذهب، كما يعمل على أساس تركيز الذهنية الموضوعية العقلانية البعيدة عن العاطفية والانفعال".
وأما إشكالية التوليف بين الانتماءات الوطنية والدينية والسياسية وغيرها وكيفية التوفيق بينها، فأمر مقدور إلى حد بعيد وليس مستحيلا شأنها هو شأن الحب، فالمحبة كما يقول محمد أبو زهرة:» تبتدئ بمحبة الأسرة والعشيرة ، ثم الجماعة ، ثم الوطن ، ثم الجماعة الكبرى في الإسلام ، ولا تلغي الدرجة العليا ما دونها ، ولكن المنهي عنه المحبة التي تؤدي إلى الفرقة
والانقسام ، وتحرض على الظلم ، وهي العصبية الجاهلية» .
وبالرجوع إلى سؤال المقالة « هل نتنازل عن مشاريع التقريب بين المذاهب ؟» فإن التقريب ين المذاهب بوابة العيش المشترك وضمانة التنمية المستدامة وقوة الأمة وعزتها فلا يجوز بوجه من الوجوه التنازل عن فكرة التقريب ومشاريعه وإن احتاجت للترشيد وابتكار الأدوات الحوارية الأنجع والأقدر والتي يجب أن تتصف بصفتين مهمتين:
١- خلق الأفق الثقافي والمعرفي الذي يعيد قراءة الأفهام السابقة للنص الديني والتاريخي، بما يسمح لحركة الفكر أن تنساب انسيابا مرنا يخدم الحقيقة الموضوعية، ويرفع الأقفال عن الأحكام النهائية التي ما فتئت تزيدنا تعصبا لذات وريبة في الآخر.
٢- الشعور بمزيد من الحاجة للتقارب بدلا من اليأس والإحباط كلما عرض عارض للفرقة والتمزق من قبيل استهداف أرواح الأبرياء في العراق وغيرها أو التعدي السافر على العرض الطاهر للأمهات المؤمنين(رض)، وما شابه ذلك مما يوقد فتيل الفرقة ويؤجج العصبيات الطائفية.
سيد جابر علي
رقم: 28991