الولايات المتحدة تقوم فقط بإدارة المفاوضات من دون التركيز على مضمون العملية ذاتها. والولايات المتحدة بدلاً من القيام بدور الوسيط المحايد والمؤثر والمتوازن، تقف موقفاً مناقضاً لذلك، وتمارس ضغوطها على الفلسطينيين والعرب
أمريكا والمفاوضات والفشل
26 Dec 2010 ساعة 11:03
الولايات المتحدة تقوم فقط بإدارة المفاوضات من دون التركيز على مضمون العملية ذاتها. والولايات المتحدة بدلاً من القيام بدور الوسيط المحايد والمؤثر والمتوازن، تقف موقفاً مناقضاً لذلك، وتمارس ضغوطها على الفلسطينيين والعرب
وكالة انباء التقريب (تنا) :
لعل السبب الرئيس وراء فشل عملية السلام حتى الآن هو احتكار أمريكا لعملية السلام في الشرق الأوسط، فلا قامت الولايات المتحدة بالدور المطلوب كراع رئيس للمفاوضات بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، ولا سمحت لغيرها من الدول الأخرى الرئيسة في المنطقة بالقيام بما هو مطلوب منها. فالصراع العربي "الإسرائيلي" صراع مركب وممتد، وتتعد قضاياه، وتتداخل الأبعاد الإقليمية والدولية فيه، ولذلك فالخطوة الأولى تكون في تحقيق تقدم في المفاوضات، وإنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" وقيام الدولة الفلسطينية، وإمكانية تحقيق تسوية نهائية تكمن في قيام الأطراف الإقليمية والدولية بدورها حسب قربها أو بعدها من الصراع.
ففي صراع مركب وممتد، لا يمكن لدولة مهما توفرت لديها القدرة والنفوذ أن تحقق التسوية المطلوبة، والسبب بسيط ذلك أن الأطراف الأخرى إقليمية أو دولية ستؤثر في موقف أطراف الصراع المباشرين. والخطأ الثاني الذي وقعت فيه السياسة الأمريكية أن موقفها قد ارتبط منذ البداية بالموقف "الإسرائيلي"، وهو ما أفقدها المصداقية من ناحية، والانحياز للموقف "الإسرائيلي" من ناحية أخرى.
واحتكار أمريكا لعملية السلام مقصود به التماثل مع الموقف "الإسرائيلي"، وحيث إن "إسرائيل" تربط المفاوضات بالأمن، والتمسك بالبناء الاستيطاني، وتجريد الدولة الفلسطينية من مقوماتها السيادية، فالموقف الأمريكي لم يخرج عن الموقف "الإسرائيلي"، وهذا من شأنه أن يفقد الطرف الفلسطيني والعربي عموماً الثقة بالموقف الأمريكي، وبدلا من التركيز على التوصل إلى حلول وسط.
فالولايات المتحدة تقوم فقط بإدارة المفاوضات من دون التركيز على مضمون العملية ذاتها. والولايات المتحدة بدلاً من القيام بدور الوسيط المحايد والمؤثر والمتوازن، تقف موقفاً مناقضاً لذلك، وتمارس ضغوطها على الفلسطينيين والعرب كمخرج لها من عدم قدرتها على ممارسة نفوذها وتأثيرها في "إسرائيل". وكبديل لعدم قدرتها تنتهج سياسة الحوافز والضمانات والوعود التي تقدمها للحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة في محاولة منها لإقناعها بإبداء قدر من المرونة والاستجابة لما تستوجبه عملية السلام من استحقاقات. فالمعضلة التي لم تتفهمها الولايات المتحدة أنها لا تريد أن تشغل نفسها بها هي أن "إسرائيل" هي الدولة المحتلة، وهي من تمنع قيام الدولة الفلسطينية، وهي من تأسر آلاف الفلسطينيين في سجونها، وهي المطلوب منها أن تقدم تنازلات لا الطرف الفلسطيني الذي يقع تحت الاحتلال، فبدلاً من حل هذه المعضلة تقوم بتعقيدها أكثر من خلال تبني الموقف "الإسرائيلي"، وتقوية "إسرائيل".
وبالتالي بدلاً من أن ترشد الولايات المتحدة سلوك "إسرائيل" نحو السلام، تدعمها في معالجة قضية السلام من منظور القوة البحتة. ولعل من أكثر الأخطاء التي وقعت فيها السياسة الأمريكية، أنها وقفت في طريق الشرعية الدولية، وعملت على تعطيلها باستخدام حق النقض في مجلس الأمن ضد أي قرار يدعو لفرض قرارات الشرعية الدولية على "إسرائيل"، وإلزامها، وصولاً إلى إمكانية تطبيق العقوبات عليها، مثلها مثل أي دولة أخرى.
تدرك الولايات المتحدة أن قرارات الشرعية الدولية لا قيمة لها، وتبقى فارغة المضمون من دون إلزام الدول المعنية بها، واحترامها، والأمثلة كثيرة التي طبقت فيها قرارات الشرعية وتمت من خلالها تسوية منازعات دولية معقدة وصعبة. ولذلك فاستخدام حق الفيتو هو عمل ضد السلام، ويتعارض مع الدور الأمريكي المفترض، ما يفسر لنا استمرار "إسرائيل" في عدم احترامها لهذه القرارات، وفي استمرار الصراع، وبصورة أكثر تعقيداً عن ذي قبل. إذ إن حق النقض هذا قد أشعر "إسرائيل" بأنها معفية من العقوبات الدولية، وبالتالي منحها حرية العمل والاستمرار في تهويد ومصادرة الأراضي الفلسطينية. وخطورة هذا الحق أنه لم يعطل قرارات الشرعية الدولية فقط، بل زاد من تفاقم وصعوبات القضايا التفاوضية، وهذا ينطبق على قضية القدس والمستوطنات وقيام الدولة الفلسطينية، ولو طبقت الشرعية الدولية قراراتها ولو مرة واحدة، لما وصلنا إلى ما آلت إليه مثلاً قضية الاستيطان أو القدس.
ومن أسباب الفشل الأمريكي إخضاع عملية السلام لاعتبارات السياسة الأمريكية الداخلية بدلاً من التقيد بمقتضيات وطبيعة وخصائص الصراع العربي "الإسرائيلي"، فقد تعاملت أمريكا مع الصراع وكأنه غير موجود، وكل هذا جعل الدور الأمريكي يفقد مصداقيته، وتأثيره، وهذا الضعف والتحيز انعكس في الموقف، غير المبرر في الإعلان أنها قد أوقفت جهودها في الضغط على "إسرائيل" لتجميد وليس تفكيك الاستيطان لمدة ثلاثة شهور فقط، ومن دون أن تحمل "إسرائيل" أي مسؤولية. وعليه بقدر تحرر الدور الأمريكي من كل هذه السلبيات بقدر فعالية هذا الدور، وبقدر الاقتراب من التوصل إلى تسوية تقربنا من إنهاء الصراع وهو دور يبدو أنه بعيد المنال.
د. ناجي صادق شراب
أستاذ العلوم السياسية / غزة
رقم: 34895