الاختلاف طبيعية بشرية ولكن المنهى عنه هو الاختلاف في الموقف العام من القضايا المصيرية المشتركة للامة الاسلامية .
إدارة الاختلاف
15 Jan 2011 ساعة 10:34
الاختلاف طبيعية بشرية ولكن المنهى عنه هو الاختلاف في الموقف العام من القضايا المصيرية المشتركة للامة الاسلامية .
وكالة أنباء التقريب (تنا) :
الاختلاف طبيعة بشرية اثبتها القرآن الكريم في عدة مواضع فقد اقتضت حكمته تعالى أن يخلقهم مختلفين فتجد تفاوتهم في الشكل واللون والقناعات.
ذكر الشيخ احمد مغنية في تفسيره لقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} ان الله لم يشأ بطريق من الطرق ان يكره الناس على الايمان لانه لو شاء لسلب منهم صفة الانسانية وكانوا اشبه بالحيوانات والحشرات ولكنه شاء ان يميز الانسان. فالاختلاف نتيجة لجعل الانسان مخير غير مسير ، الا من رحم ربك وهم الذين يتوخون الحقيقة باخلاص وتجرد ، وهؤلاء لا يتناحرون ولا يختلفون على حطام الدنيا ، واذا اختلفوا فانما يختلفون في الرأي ووجهات النظر. في مقابل ذلك نهي سبحانه وتعالى عن البغي والعدوان إذ قال: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} ، كما نهى عن الفرقة والتشتت إذ قال: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}.
يقول الشيخ التسخيري بأن الإسلام قرر أن العقيدة يجب أن تتشكل وفق برهان منطقي {قل هاتوا برهانكم} ، وسمح بالاجتهاد في فهم نصوصه القرآنية والنبوية. أما المنهي عنه فهو الاختلاف في الموقف العام من القضايا المصيرية المشتركة للأمة الإسلامية الواحدة. لذا تبقى كل الاختلافات والاجتهادات المتنوعة في إطار الاعتصام بالكتاب والسنة وحينئذ يتوحد الموقف العام بالرغم من اختلاف الاتجاهات في الإطار الواحد. إن وعي هذه الحقيقة ضروري لدى مفكرينا بل جماهيرنا ، ورد على أولئك الذين يدعون إلى تذويب المذاهب الفقهية تحقيقاً للوحدة الإسلامية.
وذكر الدكتور إقبال الغربي: ان أفضل استثمار للعقل وتحرير طاقاته يكمن في طريقتين أساسيتين: تتمثل الأولى في توظيف الاختلاف لإثراء الفكر عبر الصراعات المعرفية بتوفير أجواء ملائمة تقوم على مبدأ التعددية والتسامح ، والثانية تقتضي تجاوز العوائق النفسية الواعية واللاواعية التي يمكن أن تشكل حاجزا أمام مزايا الاختلاف.
ابتلت شعوبنا بانتشار مرض الفكر الأحادي التكفيري الطائفي البغيض الذي مازال ينخر في جسد الأمة بحيث حل العداء بدل الأخوة الإسلامية والإنسانية والتعايش السلمي بين البشر، وإنعدم الأمن وحلت القطيعة بين المسلمين والأديان والمجاميع المختلفة من بني الإنسان.
ظهرت مواقف طيبة لوأد الفتنة الطائفية منها مواقف السيد السيستاني المتميزة بدعوة الشيعة للهدوء وعدم الانجرار وراء الفتنه الطائفية التي يسعى إليها ذوو الفكر الضيق. رغم أعمال القتل الشنيعة المتواصلة ضد المسالمين في المساجد والحسينيات والأسواق العامة ، يحث السيد السيستاني المسلمين إلى نبذ الخلافات والوحدة ويوصي الشيعة بمعاملة السنة كأنفسهم إذ يقول: "لا تقولوا إخواننا أهل السنة بل أنفسنا". كذلك المرجعين الشيخ صافي كلبايكاني وناصر مكارم الشيرازي حذرا من دسائس الفتنة الرامية لبث الفرقة بين المسلمين. كذلك علماء السنة ومنهم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي اعتبر انه لا خطورة من مد شيعي وإنما الخطر يأتي من التدخل الأجنبي ، والنداء الأخير للشيخ عائض القرنى الموجه للحكام العرب بالتدخل لنزع فتيل التعصب وإشاعة الخطاب الإسلامى المعتدل حيث أن الأمة تحتاج لقرار سياسى ينزع فتيل الأزمة بين السنة والشيعة.
إن استنكار مفتي عام المملكة الأخير للتفجير الذي طال كنيسة القديسين في مدينة الإسكندرية واعتباره ذلك عمل إجرامي لا يمت للإسلام بصلة ، وكذلك وصف الشيخ الفوزان العمليات الانتحارية بأنها أعمال في "سبيل الشيطان" وإدانته للاعتداء على الكنيسة ، مثل هذين الموقفين الايجابيين يصبان في ضمان السلم العالمي. ولكن من باب أولى اتخاذ مثل هذين الموقفين الواضحين لوأد الفتنة بين الشيعة والسنة وإستنكار جميع انواع العنف التي تطال البشر المسالمين ايا كانت انتماءاتهم وعقائدهم. يجب أن تتكاتف جهود علماء كل المذاهب والأديان ورموز المجتمعات المختلفة من وجهاء ومثقفين لاستنكار ومحاربة أعمال التكفيريين القتله الذين يستهدفون الأبرياء باسم الدين والدين منهم براء. كما أننا بحاجة إلى موقف واضح وقانون صريح من القادة السياسيين يجرم الأعمال التي يقوم بها أصحاب هذا الفكر والتي سببت حالة من انعدام الأمن وجعلت من المسلمين موقع شبهة وكراهية في العالم.
طرح الآراء المختلفة ومناقشتها بطرق علمية وحضارية أمر ضروري لتنمية شخصية الفرد والرقي بالمجتمع للأفضل. كما ان تعدد الآراء في المواضيع المختلفة ليس حالة سلبية فالاختلاف شيء والتنافر شيء آخر. من المهم تنشئة الأبناء على اسلوب وآداب الحوار من خلال نقطتين مهمتين هما: تجنب الأحادية من خلال إشراكهم في اتخاذ القرارات فينشأ الطفل وهو يعلم أن كلامه ليس نهائيا وأنه قابل للنقاش وأن من الضروري ان يستمع لآراء الأخرين باحترام حتى في حال عدم قبوله بها ، وتجنب الصراخ والشجار أثناء الحوار فهو إسلوب الضعفاء الذين يستعملون إسلوب الصراخ وربما القوة العضلية إن تمكنوا لفرض آرائهم.
على كل مكون من مكونات المجتمع إدارة الاختلاف بطريقة تحقق الممكن من مصالحه من منظور المبادئ والقيم الإنسانية دون الإضرار بمصالح مكونات المجتمع الأخرى وبشكل تكاملي مع المجتمعات البشرية المختلفة.
عبد العظيم حسن الخاطر
رقم: 36767