لقد أصبحت صورة بعض الطغاة، إلى حد كبير، كصورة أبي لهب، مع فارق وحيد أن زوجات هؤلاء هن من حمالات الذهب وليس الحطب.
بقلم / نضال نعيسه
وامرأته حمّالة الذهب
وكالـة أنبـاء التقريـب(تنـا)
11 Feb 2011 ساعة 16:55
لقد أصبحت صورة بعض الطغاة، إلى حد كبير، كصورة أبي لهب، مع فارق وحيد أن زوجات هؤلاء هن من حمالات الذهب وليس الحطب.
في خضم هذه المواجهات، والتطورات الدراماتيكية، وثورات الجياع والمحرومين اللاهبة التي يشهدها ما يسمى بالوطن العربي، ( من المعيب والمشين أن يكون بيننا جياع وسكان مقابر ومهمشون ومحرومون ونحن خير أمة أخرجت للناس وبعد عقود من الدجل والتنظير والأدلجة الفارغة والخطط الخمسية الخائبة والكاذبة والفاشلة)، نقول في خضم هذه المعمعة والفوران الجيـّاش، وبعيداً عما رسم حتى الآن من صورة غير طيبة لبعض الرموز العربية الكبيرة، يبرز العنصر النسائي، وبكل أسف، بوجهه الأقبح، الديكتاتوري، الجشع، النهم الخشن، غير الجميل، المكروه، الفظ، المنفـّر والمحبط، عن المرأة التي ينبغي أن تكون، وخاصة في مستويات القيادة والمسؤولية والعمل العام، رمزاً للطهارة والنقاء، والعفة، والأنفة، والزهد، والسيرة الحميدة، وينبوعاً ومعيناً لا ينضب من الحب والصفاء والعطاء والتفاني والإخلاص، لكن تأبى هذه المنطقة إلا أن تنتج الصور السوداء، وإلا أن تشوه وتلوث كل شيء، وتأبى إلا أن تحطم وتخرب وتدوس كل قيم الجمال التي أوجدتها الطبيعة في بنى الإنسان.
ففي الحديث المسهب، والتقارير المرعبة والمهولة التي صاحبت انهيار كبار طغاة وفراعنة العرب المعاصرين برزت اثنتان من نساء العرب الشهيرات، واللواتي كن يترأسن ويشرفن، وبكل أسف، على برامج مزعومة لتطوير والإشراف على الأمومة، ورعاية الطفولة، ومحاربة الأمراض وما شابه ذلك من مهام ومشاريع إنسانية تبين أنها مجرد ذر للرماد في العيون بعدما ظهر من فضائح فساد ونهب عام وبأنهم لا يمكن أن يؤتمن على شيء، لأن تلك المهام تتطلب في جوهرها قديسات وملائكة للرحمة، وليس مجرد جامعات أموال وذهب وسارقات قوت الشعوب الجائعة والمغلوب على أمرها.
ففي الحديث، مثلاً، عن ثروة آل مبارك التي اجتاحت مؤخراً وسائل الإعلام قيل أن السيدة سوزان مبارك تمتلك ما بين ثلاثة وخمسة مليارات من الدولارات على شكل أموال سائلة وعقارات هنا وهناك، لا يعرف كيف وأين ومتى جمعتها وهي السيدة المصرية الأولى، ورمز نساء مصر، وهذا رقم يوازي ميزانية لدولة فقيرة، أو نسبة لميزانية دولة متوسطة الإنتاج القومي في إفريقيا تستحوذ عليه امرأة واحدة، قد لا تعيش حتى تصرف عشر بسيط منه.
وفي ذات السياق، وعلى نفس الصعيد، برز اسم ليلي الطرابلسية، زوجة طاغية تونس بطل سباق الفرار، كواحدة من أكبر رموز الفساد في المنطقة، وأنها في السويعات الأخيرة لحكم زوجها المخلوع، ذهبت إلى البنك المركزي لتطلب خمسة وأربعين طناً من الذهب، ولم يكفها ما كانت نهبته وجمعته خلال حكم زوجها الطويل، فهي لا تنظر إلى هذا البلد المنكوب، إلا باعتباره بقرة حلوباً، ومرتعاً للنهب والسلب والعبث وقنص الفرص. وقد شاب وجودها الطويل والملازم إلى جانب زوجها الكثير من قصص الفساد والصفقات والاحتيال ونهب المال العام وإطلاق يد أقاربها ومحاسيبها، ومحظييها، في شرايين الاقتصاد التونسي، ما ولّد حالة البوعزيزي "الحارقة والمحرقة"، كنتيجة طبيعة وجتمية، لكل هذا التوحش والتغول والجشع المريض الذي لا يرحم.
وفي التاريخ القريب والبعيد هناك الكثير من القصص المرعبة والمهولة عن حمالات الذهب من زوجات الأكاسرة والقياصرة والولاة والحكام الشهيرات اللواتي طغت شهرتهن على شهرة أزواجهن من الطغاة، ولنا في فرح ديبا زوجة الشاه المخلوع عبرة، وفي زبيدة زوجة هارون الرشيد أيضاً أبلغ القصص، ولن ننسى المرأة الماسية والجميلة الفاتنة إيميلدا ماركوس، زوجة ديكتاتور الفيليبين المخلوع الأسوأ سمعة في التاريخ المعاصر، والتي يقال بأنها كانت تملك من صنف الأحذية فقط، ألفا زوج، أحذية فاخرة مصنوعة من الجلد الخالص، ولا يدري أحد سر ولعها هذا بالأحذية، ولم تعش لتستهلك " وتهري" عشر من هذا الرقم المهول الذي كان ثمنها وتكلفتها تكفي لإطعام فقراء جزر فيليبينية بحالها.
وإذا كانت الآية القرآنية قد تحينت وتوعدت و"ذمت" ووصفت زوجة أبي لهب باعتبارها حمالة الحطب، كناية عن مصيرها المحتوم في سعير جهنم حيث ستحترق، فإن زوجات الفساد العربي يأنفن من حمل الحطب، ويمكن وصفهن فقط بحمالات الذهب، الذي يعتبر كنزه أيضاً بشيراً بالنار، وسوء العاقبة والمصير الآخروي أيضاً، لكن النار لم تكن أيضاً غائبة ها هنا، في مصادفة ومفارقة وجمع غريب بين الذهب والحطب، فقد كان حملها الجشع للذهب التونسي مدعاة لأن يقوم الشاب الفقير محمد البوعزيزي بحرق نفسه على الملأ، ليحرق أمام عدسات التلفزيون، ويحرق معه ليلى الطرابلسي، وزوجها جنرال الأمن الفظ المرعب، وتونس برمتها ويذهب بحكمها، وحكمه، إلى "حيث ألقت رحلها أم قشعم".
وكذا الأمر بالنسبة للسيدة سوزان مبارك التي تسببت ملياراتها الذهبية بإقدام بعض شباب مصر على إحراق أنفسهم، وبذا أحرقت نفسها سمعتها، وسمعة زوجها، ووضعتهما في موقف لا يحسدان عليه. لا بل حرقت حمالات الذهب هؤلاء، وعلى نحو رمزي، شعوباً، وأوطاناً بكاملها، وأحالتها إلى رماد وخراب.
لقد أصبحت صورة بعض الطغاة، إلى حد كبير، كصورة أبي لهب، مع فارق وحيد أن زوجات هؤلاء هن من حمالات الذهب وليس الحطب. غير أن الحكمة والرمزية الكبيرة، أن وظيفة الذهب الأساسية، باتت كما وظيفة الحطب في الآية القرآنية، وهي كي تحرق البشر والأوطان معها. فإياكم وحمل الذهب الحرام من عرق ودم ولقمة عيش الفقراء والجياع. فحمالات الحطب هن كحمالات الذهب وليصبح الذهب الحرام ، في النهاية، بلا أية قيمة ومجرد حطب ليحترق ويحرق معه من يملكه، ومن يكنزه، ومن سرقه.
المصدر - "وطن يغرد خارج السرب"
رقم: 39680