يتناول الناقد "نذير جعفر" في كتابه بنية الخطاب السردي، مقاربات نقدية في الرواية السورية تجارب عدد من الروائيين السوريين الرواد والمعاصرين متعرضا في البداية لثلاثة أنواع من النقد يتحدث عنها المؤلف في مقدمة الكتاب فيفرق بين النقد التأثري الانطباعي الذي يتدرج بين النميمة والتزكية ويكتفي بالعرض العام وإصدار أحكام القيمة غير المعللة قائماً على الترويج لكاتب بعينه بناء على مواقف شخصية أو شائعات مسبقة لا تمت إلى النص أو إلى صاحبه بصلة.
و افاد مراسل وکالة انباء التقریب فی سوریا نقلا عن وکالة سانا ان جعفر یبین النوع الثاني من النقد السائد للنص الروائي السوري الذي يتمثل في النقد التنظيري المهتم بتجنيس مفهوم الرواية ومكوناتها السردية ومساراتها الفكرية والتاريخية حيث يغلب على هذا النوع من النقد طابع الانبهار والافتتان بالغرب والاستنساخ عنه من جهة وطابع الفوضى والتسرع والاستسهال في ترجمة المصطلحات وتحديد دلالاتها ومراميها من جهة ثانية حيث غالباً ما يبقى هذا النوع من النقد رهيناً بأطروحات جامعية يضعف فيها الاجتهاد وينعدم الابتكار.
ويتمثل النوع الثالث من النقد كما يصنفه الكاتب بالنقد التطبيقي الذي يدرس مضامين وتقنيات الرواية فنياً مركزاً على جزئيات محددة على نحو صورة المرأة.. صورة البحر.. صورة الصحراء.. الزمان المكان.. الراوي.. الحوار..الوصف حيث لا يكترث هذا النوع من النقد غالباً بضرورة إبراز التناغم الكلي بين مجمل العناصر السابقة في تشكيل الخطاب وما ينفتح عليه من دلالات.
ويبين المؤلف أن كتاب بنية الخطاب السردي يأتي في سياق تنامي الاهتمام بالجنس الروائي تأليفا ونقدا ونشرا وتلقيا حيث يحاول الكاتب الربط بين ما هو نظري وما هو تطبيقي في تناول الأعمال الروائية المحلية بإضاءتها والتعرف الى تقنياتها واتجاهاتها الفنية والأسلوبية ففي القسم النظري من الكتاب يبرز جعفر مكونات الخطاب الروائي وتقنياته من مكان وزمان وحوار من غير أن يغفل الأمثلة التطبيقية المعززة لكل ذلك.
أما في قسمه التطبيقي فلا يقف عند جيل أو اتجاه محدد إنما يستعرض تجارب متنوعة بدءا من رواية الريادة على يد فرنسيس المراش في روايته غابة الحق وشكيب الجابري في روايته نهم مرورا بجورج سالم في روايته في المنفى وحنا مينا في المصابيح الزرق وأديب النحوي في متى يعود المطر وصولا إلى رواية حيدر حيدر هجرة السنونو ورواية عادل محمود إلى الأبد ويوم ورواية روزا ياسين حسن حراس الهواء .
ويدرس جعفر في معرض كتابه أنواع الشخصية الروائية ونماذجها مصنفاً إياها إلى شخصيات مركبة دينامية وشخصيات بسيطة سكونية وشخصيات رئيسة محورية وشخصيات ثانوية خيطية وشخصيات واقعية وأخرى مرجعية وفنتازية فضلاً عن شخصيات جذابة وأخرى مرهوبة الجانب أو تلك ذات الكثافة السيكولوجية.
ويشرح الكاتب مستويات اللغة في الرواية السورية ووظائفها بوصفها صورة الفكر وأداته في آن معاً فيقول إن اشتغال الروائي السوري على اللغة في سياقها الوظائفي يبدو في آخر اهتماماته فهو غالباً ما يهتم بجانب ويهمل آخر فنراه يلتفت إلى جمالية الصورة والتعبير متجاهلاً منطوق الشخصية في المواقف المختلفة التي تستدعي خطاباً متنوعاً كما في رواية حيدر حيدر هجرة السنونو حيث نجد بعض التنويعات والنبرات الكلامية واللهجية المحدودة جداً في الحوار والتي لا يكاد القارىء يعثر خارجها على أي تنوع كلامي في الخطاب السردي.
يذكر أن كتاب بنية الخطاب السردي صادر عن وزارة الثقافة الهيئة السورية العامة للكتاب ويقع في ۲۷۸ صفحة من القطع المتوسط والناقد نذير جعفر من مواليد حلب ۱۹۵۶ عمل أمينا لتحرير مجلة البيان بين عامي ۱۹۹۴ ۲۰۰۳ وشارك في لجان تحكيم عدد من الجوائز الأدبية المحلية والعربية في ندوات ومؤتمرات عدة وصدر له رواية القارىء عن دار شرقيات ۱۹۹۹ وكتاب ملامح من المشهد القصصي والروائي في الكويت و مرايا التلقي قراءات في القصة السورية عام ۲۰۰۸ .