الدكتور شهرياري : رؤية الشهيد سليماني تجاوزت الاطر المذهبية والقومية والاقليمية وحتى الدينية
اكد الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية "حجة الاسلام الدكتور حميد شهرياري"، على ان "الفريق الشهيد قاسم سليماني"، كانت لديه نظرة واسعة تتجاوز الاطر المذهبية والقومية والاقليمية، بل الدينية.. وقد حارب دفاعا عن الشيعة كما حارب دفاعا عن اهل السنة، ودافع عن العرب كما دافع عن الاكراد، ودافع عن المسلمين والمسيحيين كما دافع عن الايزديين.
جاء ذلك في كلمة الدكتور شهرياري، خلال ندوة اقيمت صباح اليوم الثلاثاء عبر الفضاء الافتراضي، لمناسبة حلول الذكرى الثالثة لواقعة استشهاد قادة النصر، بعنوان "الشهيد سليماني – شهيد وحدة واقتدار الامة"، وذلك باشراف المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، ورعاية امينها العام، ومشاركة عدد من رجال الدين السنة والشيعة والنخب الفكرية والثقافية من ايران وخارجها.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة حجة الاسلام الدكتور حميد شهرياري بالمناسبة :
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله الطبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله الحكيم في محكم كتابه الكريم [ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ] – المائدة (32)
لا يمكن الحديث عن الشهيد السعيد قاسم سليماني دون الاشارة الى الرجل الكبير الذي بروحه وبكلامه ربىّ جيلا فيه قاسم سليماني وامثال قاسم سليماني؛ انه الامام الخميني (قدس سره الشريف).
هذا الانسان العارف الذائب في ذات الله والمستوعب لرسالة الاسلام كان يرى بنور رب العالمين حقائق الاشياء ويتحرك وفق معادلات لايفهمها الغارقون في مصالحهم الذاتية ونياتهم الضيقة؛ لايخشى الا الله واذا قال لهم الناس ان القوم قد جمعوا عليكم لا يزيد على القول حسبنا الله ونعم الوكيل.
ان الامام الراحل (رض) قد اسس الجمهورية الاسلامية الايرانية كما اسس لمشروع تربوي تخرج منه جيل يرى الامور بمنظار الهي يقتحم الاحوال متحديا بطش القوى الكبرى وارهاب الارهابيين.
هذه من ابرز مؤشرات مدرسة الامام الخميني (ره) ومن بعده استمر هذا المشروع على يد سيدنا الامام الخامنئي (حفظه الله)، على وجه اتم.
ان الشهيد الحاج قاسم سليماني من ابرز خريجي هذه المدرسة وقد كان يؤمن بعمق ان وعد الله حق، وهو سبحانه ناصر من ينصره وان العاقبة للمتقين.
فكان الشهيد سليماني لا يرى في الحياة لذة سوى ابتغاء مرضاة الله، وسوى ابتغاء العزة من لدنه سبحانه وتعالى؛ لذلك كان دائم الارتباط برب العزة والجلال ويكثر من الذكر والتهجد والدعاء والمناجاة، وقد استلهم الشهيد من الامام الراحل رباطة الجأش والعلو والهمة والشجاعة النادرة.
لقد شاهدنا وشاهد العالم مواقف الشهيد سليماني في الازمات وحين كان يشتد الباس؛ فقد كان الشهيد حاضرا في حرب الـ 33 يوما او حرب تموز، داخل قلب المعركة، حيث كسر حصارا صهيونيا مضروبا من الجهات الاربع ودخل بصورة ادهشت الناضرين والقادة العسكريين وهذه من ثمار ايمانه وتحرره من الانشداد بالمال والمتاع والشهرة.
قال الله تعالى في سورة ابراهيم [َوقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَاۤ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰۤ إِلَیۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ ١٣ وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَ ٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِی وَخَافَ وَعِیدِ ] –ابراهيم 13 و14.
والملاحظة الاخرى في شخصية الشهيد سليماني، هي الالتزام بما امر الله به من الاستزادة في العلم، حيث قال سبحانه [ وقل رب زدني علما]، فما كان يكتفي بما عنده من ذخيرة علمية، بل كان في حالة استزادة مستمرة؛ فكره كان يتطلع دائما الى فهم الواقع فهما دقيقا، سواء ما يرتبط ببلده ايران او بالمنطقة او العالم اجمع، وكانت لديه قدرة فائقة على تحليل الوقائع وفهم خلفياتها.
الشهيد سليماني كان يوصي اصحابه ان يتابعوا حقائق ما يجري على الساحة العالمية ميدانيا دون الاكتفاء بالدراسات النظرية، فقد كان يهتم بتاسيس مركز دراسات اينما ذهب؛ هذا التوجه اكسبه بصيرة في الامور وفهما دقيقا للاحداث وقدرة على استشراف المستقبل.
تعلمون ما احاط بالجمهورية الاسلامية منذ تاسيسها حتى اليوم، من تحديات هائلة تمثلت في خلق الازمات الامنية والسياسية والاقتصادية والثقافية؛ لكن الشهيد سليماني كان في كل ذلك مديرا ماهرا للازمات يقود فيها الاحداث نحو ما يبعد البلاد عن المخاطر ونحو التغلب على تآمر المتامرين وعداء المعتدين، وكل ذلك كان يجري وفق خطط يرسمها دون التاثر بالحرب النفسية التي ترافق عادة تلك الازمات.
القائد سليماني لم يكن من تخطيطه بعيدا عن ساحة التنفيذ، بل كان يقود المواجهة بنفسه وفي خطواتها الامامية.
وفي موقع اخر شهدنا وشهد العالم مواقفه البطولية في كردستان العراق، حين حاصر مناطقها داعش الارهابي وسط ظروف كان الاختلاف محتدما بين الفصائل الكردية، حيث دخل سليماني ببسالة ليحل مشكلة اخلاف الفصائل وبعد ان نجح في ذلك، عبّأ منطقة كردستان العراق ضد داعش وتحققت الانتصارات المعروفة، وقد كان ذلك كله عن دراية بظروف المنطقة وعن ارتباط انساني مع ابنائها وعن شجاعة فائقة في حل الازمات.
والظاهرة الاخرى المتجسدة في الشهيد السعيد قاسم سليماني، هي نظرته الواسعة التي تتجاوز الاطر المذهبية والقومية والاقليمية، بل الدينية، لقد كان انسانا في نظرته يستهدف انقاذ الانسان بما هو انسان، من الظلم والبغي والطغيان والعدوان؛ لقد حارب الشهيد سليماني دفاعا عن الشيعة كما حارب دفاعا عن اهل السنة، ودافع عن العرب كما دافع عن الاكراد، ودافع عن المسلمين والمسيحيين كما دافع عن الايزديين.
الجميع كان واثقا من اخلاص الشهيد القائد سليماني، وتفاميه وبعد نظره وصواب تفكيره وتخطيطه.
انني استذكر عبارة السيد "اسماعيل هنية" في تابين الشهيد سليماني والتي كررها ثلاث مرات؛ ان "قاسم سليماني شهيد القدس"، الامر الذي يدل على الاخلاص شهيدنا الكبير لقضية فلسطين ومدى تعاونه وتفانيه من اجل دعم حماس والجهاد، كما يدل على ان مسيرة الشهيد سليماني تجاوزت الاطر القومية والمذهبية، فكانت الى جانب الانسان المظلوم المكافح المقاوم اينما كان.
ان مسئلة وحدة دائرة الخضارة الاسلامية، ايضا من الدروس التي استلهمها الشهيد سلمياني من الامام الخميني (رض) والامام الخامنئي؛ حيث لا يمكن للامة الاسلامية ان تقوم لها قائمة ولايمكن ان تحقق ما تصبو اليه من بناء الحضارة الاسلامية الحديثة دون هذه الوحدة.
ثمة قضية هامة لابد ان نشير اليها، وهي ان روح المقاومة والصحوة الاسلامية التي تصاعدت بعد انتصار الثورة الاسلامية قد واجهت الوان الهجوم العسكري والاقتصادي والاعلامي، لكنها فشلت، ثم استعملت (الاعداء) ورقة من اخبث اوراق العدوان على العالم الاسلامي وهي ورقة الارهاب باسم الاسلام؛ الورقة التي استهدفت قوى المقاومة واستهدفت بلدان المقاومة كما استهدفت سمعة الاسلام وارادت تشويه الوجه الناصع للدين المبين باسم من يدعون انهم المدافعون عن الدين.
فاسست (القوى الاستكبارية) داعش واخواتها الارهابية ووفرت لها كل مستلزمات المال والسلاح، ليشكل اخطر هجوم على الاسلام والمسلمين.
و وسط تفاقم هذه الظاهرة في العراق وسوريا، اضافة الى امتدادها الاقليمي والعالمي نهضت قوى المقاومة الاسلامية لمواجهتها، وكان الشهيد قاسم سليماني في مقدمة جبهة هذه القوى.
ان جبهة المقاومة اتاحت الانتصار بعد التضحيات الكبيرة، على بطش الدولة المزعومة لداعش، وكان لايمان سليماني وبعد نظره وقدرة تخطيطه السهم الاوفى في ماتحقق من انتصار.
لم يكن سليماني فردا، بل كان مدرسة، كما وصفه السيد القائد الامام الخامنئي، وكان شجرة طيبة؛ نسال الله سبحانه وتعالى ان تبقى هذه المدرسة وهذه الشجرة الطيبة متأصلة جذورها ممتدة فروعها تؤتي اكلها كل حين باذن ربها والله سبحانه على ما يشاء قدير.
والسلام عليكم ورحمة اللهو بركاته.
نهاية الخبر