حديث التقريب .. أم إبراهيم النابلسي على طريق زينب بنت علي (عليهما السلام)
عرضت شاشة الميادين مقبالة هزّت مشاهديها مع أم الشهيد الفلسطيني إبراهيم النابلسي، لقد جاءت هذه المقابلة في وقتها لأننا نعيش هذه الأيام ذكرى مسيرة آل بيت رسول الله وهم (أسرى) من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى الشام، وفي هذه المسيرته نهضت زينب أخت الحسين، بعملية جبارة لتحقيق أهداف أخيها الشهيد، فزلزلت عرش الطواغيت، وبثت الوعي واليقظة، ونهضت بمسؤولية (جهاد التبيين) فأقامت الدنيا ولم تقعدها، وتحركت من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام ثم إلى المدينة وإلى مصر لتبين مبادئ ثورة الحسين وأهدافها، ولترسم أمام أعين الناس صور التضحية والفداء من أجل إحياء المجتمع الإسلامي واستنهاضه ليتحرك على طريق العزّة والكرامة والبناء الحضاري.
وفي حديثنا اليوم نقف عند مشروع السيدة زينب (س) في عملية الاستنهاض والبناء الحضاري، وهو المشروع الذي استمدت منه أم إبراهيم النابلسي موقفها الصلب الجبار أمام الظالمين الصهاينة وحماتهم.
بعد استشهاد الحسين بن علي (ع) في كربلاء من أجل إيقاظ الأمة وكشف غبار الذل عنها، تولت حمل هذه المسؤولية بالدرجة الأولى زينب أخت الحسين، بطلة كربلاء كما سمتها الدكتور عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ).. لقد تحركت هذه المرأة العظيمة، واستمرت في نضالها حتى توفاها الله تعالى في مثواها الأخير.
وفي كل محطّة من موافقها كانت تثير عاصفة من العواطف والمشاعر وتوقظ الأذهان، وتجمع المسلمين حول راية جدها رسول الله ووالدها علي (ع) التي تتلخص في عبارة «كونوا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً».
وظلّت صرختها المقدسة ترنّ في الآفاق لتقتلع جذور الظالمين، وتوقظ مشاعر الأمة وتوحدها حول محور المطالبة بالحقّ والعدل ومواصلة المسيرة الحضارية.
مشهد السيدة زينب (س) في دمشق، ومشهد السيدة في القاهرة يشكلان اليوم معلمين هامين من معالم اجتماع المسلمين حول حبّ أهل بيت رسول الله من السنة والشيعة.
لقد تركت زينب (س) في خطبها ومواقفها تراثاً أدبياً استنهاضياً قلّ أن نجد له نظيراً في التاريخ. هذا التراث الأدبي العظيم يجب أن يدخل في المناهج الدراسية للعالم الإسلامي، إذ إنه في ذروة الفصاحة والبلاغة والتصوير الفني الرائع، إضافة لمحتواه التربوي والإحيائي.
لماذا تنقل كتب التدريس خطب الحجاج وزياد بن أبيه وأمثالهم ممن سجلوا الصفحات السوداء في تاريخ الإسلام ولا تقدم خطب زينب والحسين والسجاد؟! لماذا لا تقدم لنا الصور المشرقة المشرفة من تاريخنا ومن شخصياتنا الرسالية المقاومة الصامدة المدافعة عن حقوق الأمة؟
هذه الشخصيات الرسالية العظيمة لا تتعلق بطائفة ومذهب وقبيلة، بل هي تعبّر عن لسان المسلمين في كل زمان ومكان ومن أي مذهب كانوا، بل تعبّر عن طموح الانسانية لمجتمع العدل والكرامة والعزّة.
وهكذا الأدب الذي يدور حولهم.. إنه أدب إنساني يتجاوز المذهبية والطائفية ويرتقي إلى مستوى أصدق العواطف وأنبلها.
حدثني أحد الإخوة أنه التقى في القاهرة بالعالم المصري الكبير الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في أواخر حياته، وكان في أرذل العمر وقد أصيب بالرعشة. فكان مما قاله في هذا اللقاء: يحبّ الإنسان أحياناً أن يحزن. وأنا في مثل هذه الحالة أقرأ تائية دعبل الخزاعي، ثم بدأ يقرأ ويبكي وازدادت رجفته.
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحــي مقفر العرصات
وقرأ.. وقرأ .. عن ظهر قلب وازدادت رجفته وبكاؤه حتى وصل إلى هذا البيت :
بنات زياد في القصور مصونة وآل رســـول الله في الفلوات
فانفجر بالبكاء.. ولم ينته بكاؤه حتى انفضّ اللقاء وهو يبكي.
هذه الصورة العظيمة التي رسمها دعبل لزينب وآل البيت وهم مشردون في الفلوات بعد أن أحرقت خيامهم، بينما بنات زياد بن أبيه مصونات في القصور تهز مشاعر أي أنسان ذي قلب سليم على مرّ العصور، وتدفعه إلى التفكير في هذه الثنائية بين جبهة زيادة بن أبيه وجبهة آل رسول الله، ولابد أن يختار الانتماء إلى واحدة منها.
وحقاً قيل : يجب أن يكون موقفنا حسينياً، وإن لم نستطيع فلنقف موقفا زينبياً، والاّ فانتماؤنا يزيدي.
جعلنا الله في جبهة الحسين وزينب وأتباعهما من أمثال أم إبراهيم النابلسي، لأنها التي تقرب بين قلوب المسلمين وأرواحهم وعواطفهم ومشاعرهم وأفكارهم. ووقانا الله من آثار السحابة السوداء التي خيمت زمنا على المسلمين ففرقتهم وسفكت دماءهم وحاربت الصالحين منهم، ولاتزال مع الأسف آثارها باقية حتى يرتفع وعي المسلمين إلى المستوى الذي أراده الله ورسول الله وآل بيت رسول الله(ص).
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية
/110