ان شعار المؤتمر لهذا العام (التعاون الإسلامي من أجل بلورة القيم المشتركة) يحمل في طياته ومضامينه الحل الذي يكفل تحقيق قوله جلّ شأنه: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
الشيخ آل عصفور: قيم الاسلام ضمانة قطعية من الفرقة والشتات
تنا – طهران
4 Oct 2023 ساعة 21:07
ان شعار المؤتمر لهذا العام (التعاون الإسلامي من أجل بلورة القيم المشتركة) يحمل في طياته ومضامينه الحل الذي يكفل تحقيق قوله جلّ شأنه: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
قدم الشيخ محسن آل عصفور الرئيس السابق لمجلس الأوقاف الجعفرية في البحرين ورقة بحث للمؤتمر السابع والثلاثين للوحدة الاسلامية وفيما يلي نص الكلمة:
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبيه الهادي الأمين محمد المصطفى خاتم المرسلين وآله الهداة الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبع هداهم إلى قيام يوم الدين.
وبعد فإنه يطيب لي أن أتوجه بأسمى آيات التهاني والتبريكات للشعب الأيراني وقيادته المحنكة وشعوب العالم الإسلامي بمناسبة حلول ذكرى المولد النبوي الشريف.
وأسأل الله تعالى أن يعيد هذه الذكرى العطرة باليمن والخيرات والبركات على الأمة الإسلامية جمعاء وهي تنعم بالعزة والرفعة والسيادة والسؤدد ويجعل كلمة الإسلام هي العليا وكلمة الشيطان الأكبر أمريكا أم الفساد وشريعة الغاب وأعوانها وأتباعها هي السفلى.
ان من أهم ما يجدر بنا الإشارة إليه ونحن نعيش في رحاب انعقاد المؤتمر الدولي السابع والثلاثين للوحدة الإسلامية الذي يقوم يتنظيمه سنويًا مشكورًا المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية والذي يتوج هذا العام بشعار (التعاون الإسلامي من أجل بلورة القيم المشتركة).
وفي الوقت الذي نشهد فيه إنعقاد هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات المشابهة في العديد من الدول الإسلامية بدون أي انعكاسات جوهرية في واقع وحياة الأمة الإسلامية العملي حيث نجد أن كل واحد من أتباع المذاهب الإسلامية يعتقد أن ما يدين ويعتقد به في الأصول والفروع هو الإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) ومن هنا كان موضوع التقريب بين المذاهب الإسلامية من المواضيع الشائكة في ظل استمرار ظاهرة الاختلاف المذهبي والتنوع الطائفي وعدم التوافق بين الزعامات الدينية لتلك المذاهب على ايجاد صيغة اندماجية وتوافق على آحاد المسائل الاعتقادية والفقهية بينهم ومن هنا ندرك أن طَرقَ هذا الباب من الأمور المستحيلة وعديم الجدوى بل يزيد ظاهرة الانقسام والاختلاف فما هو الحل المطلوب؟
للجواب عن ذلك نقول:
ان شعار المؤتمر لهذا العام (التعاون الإسلامي من أجل بلورة القيم المشتركة) يحمل في طياته ومضامينه الحل الذي يكفل تحقيق قوله جلّ شأنه: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
وعندما ننظر إلى القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة التي جاء بها الإسلام نجد أن الله عزوجل قد تكفل بحفظها من العبث والتحريف وقد ظلت هذه المعجزة باقيةً بعد ارتحال الصادع بها بين أيدي أبناء الأمة الإسلامية وفي متناول أيديهم وستبقى كذلك حتى انقضاء الحياة في عالم الدنيا.
على عكس معجزات الأديان الإلهية السابقة التي كانت آنيةً مؤقّتة بزمان وقوعها وقد شاهدها من اتفق حضوره وقتها من المخالفين لتلك الأديان من باب إثبات الحجة عليهم.
إن ما يميز معجزة الإسلام الخالدة أن الالتزام بهديها وتشريعاتها القطيعة المحكمة وثوابتها المتسالم عليها في الوقت الذي يعصم فيه الأمة الإسلامية من الضلال والانحراف والتيه كذلك يعصمهم من الفرقة والاختلاف والشقاق.
وإذا استحكم الاختلاف في القضايا الاعتقادية والفقهية كما نشاهده اليوم نجد أن هناك ما يكفل منع الانقسام والتشرذم في المجتمع المسلم وفي حدود العالم الإسلامي ويؤسس لظاهرة مستحكمة من الإنسجام والتقارب والاندماج.
نعم المنظومة المتكاملة للقيم العليا والمبادئ والمثالية السامية التي جاء بها الإسلام في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وهدى ائمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هي ضمانة قطعية للأمة الإسلامية من الفرقة والشتات.
ومما يؤكد ذلك ان جميع أتباع المذاهب الإسلامية على الرغم من اختلافهم في الأصول والفروع نجدهم يتفقون على كل ثوابت ومفردات هذه المنظومة القيمية الأخلاقية ونجدهم يجمعون على جامعيتها وتفوقها على جميع ماجاءت به الأديان السماوية السابقة وعلى جميع ما ادعته وتدعيه الأديان والمدارس الفكرية البشرية الوضعية من أمور قشرية سطحية.
وأن مقاصد الشريعة من خلال كل ماجاءت به من ثوابت التشريعات والأحكام والمسائل كفيلة بتصحيح مسار الأمة في عبادتها وعبوديتها بضميمة هذه المنظومة القيمية الأخلاقية وحاكميتها على فكر وسلوك المسلمين.
وأن النصوص القرآنية تضمنت مفردات هذه المنظومة وكذلك السنة النبوية الشريفة والمأثور من هدى أئمة أهل البيت بشكل محكم متكامل ومتناسق ومنسجم في صورة اعجازية وأن جميع المذاهب على الرغم من الاختلاف بينهم في مصادر الحديث وقواعد الجرح والتعديل لأسانيد الروايات الواردة في هذا الصدد نجد أن مايجمعون على صحة روايته يحقق الغرض والغاية المنشودة من ثوابت تلك القيم والمبادئ ولا يختلفون في مؤدّاها ومعانيها ومضامينها ودلالاتها.
ومما لاشك فيه أن تبني العمل بمنظومة القيم والمبادئ والمثل العليا في الإسلام وجعلها المرجع في تكريس مظاهر الوحدة القيمية بين أبناء الأمة الإسلامية سينعكس ايجابيًا على واقع الأمة الإسلامية ويكرس مظاهر المدينة الفاضلة ويكون صمام أمان من الانقسام والتفرقة والتطرف الطائفي البغيض والاحتراب المقيت وخاصة في المجتمعات المختلطة.
أقسام مفردات منظومة القيم والمثل العليا
لا تختص مفردات ثوابت منظومة القيم والمبادئ والمثل العليا في الإسلام ولا تقتصر على اطار ضيق ومحدود بل تتنوع لتشمل كافة مناحي الحياة المختلفة ويمكن تصنيف مفرداتها إلى مايلي:
أولاً: مفردات قيم ذاتية معنوية.
ثانيًا: مفردات قيم سلوكية
ثالثًا: مفردات قيم أخلاقية
رابعًا: مفردات قيم اجتماعية
خامسًا: مفردات قيم سياسية
سادسًا: مفردات قيم اقتصادية
وكل مجتمع لا يتمسك بمجموع هذه المفردات سيكون ضحية الاختلاف والفرقة والشقاق وان الاعتصام الذي ورد الأمر به في قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ غير موجود في واقع ذلك المجتمع من الناحية العلمية والعملية بدون التمسك بمجموع هذه المفردات.
ونتناول على سبيل التمثيل بعض المفردات لهذه المنظومة بهذا النحو:
مفردات القيم السياسية
من قبيل
1- مفردة حاكمية السلام والسلم
كما في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً﴾ .
2- مفردة حاكمية التسامح
كما في قوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) «عليكم بالعفو فإن العفو لا يزيد العبد الا عزًا».
3 – مفردة حاكمية موازين العدل
كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾
مفردات القيم الاجتماعية
من قبيل
1 – مفردة الرحمة كما ورد في قوله رسول الله(ص) «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا».
وقوله (ص): «إن الله رحيم يحب كل رحيم».
وقوله(ص): «من لا يرحم النهاس لا يرحمه الله».
2- مفردة الانسجام كما ورد في قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «تحبب إلى الناس يحبوك».
وقوله (ص): «حسن الجوار يعمر الديار وينسئ في الأعمار».
3- مفردة المداراة كما ورد في قول رسول الله(ص): «أعقل الناس أشدهم مداراة للناس».
وقوله(ص): «خياركم أحسنكم أخلاقًا الذين يَألفون ويُوْلفون».
4- مفردة التكافل كما ورد في قوله(ص): «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
مفردات القيم الأخلاقية
مفردة حسن الخلق كما ورد في قوله(ص): «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده».
وقوله(ص): «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق».
وقوله (ص): «خير الناس أنفعهم للناس».
مفردات القيم الذاتية
من قبيل مفردة تفوق العنصر البشري كما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾.
ومفردة إلغاء الفوارق العنصرية
كما ورد في قول رسول الله(ص): «لا فرق بين عربي ولا اعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى».
مفردات القيم السياسية
من قبيل النجدة والحمية والغيرة على النفس والعرض والمال وعدم الغدر والخيانة.
مفردات القيم الاقتصادية
من قبيل ترك الغش والنصب والاحتيال في البيع والشراء
الثورة الإسلامية في إيران والعمل على تمكين منظومة القيم والمثل العليا
من الأمور التي لا يمكن لأحد أن ينكرها ان الثورة الإسلامية في إيران بقيادة قائدها الملهم الإمام الخميني (ره) كان همها الأول منذ اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية المباركة هو العمل على تمكين منظومة القيم والمثل العليا في المجتمع الإيراني وتحقيق العزة والكرامة للشعب الإيراني التي فقدها في عهد الشاه البائد وانعكست آثار هذا التوجه على كافة الشعوب العربية والإسلامية وخلقت منعطفًا جديدًا وتحولاً تاريخيًا في مظاهر الالتزام الديني!! والعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في شتى مجالات الحياة.
رقم: 609897